عندما شرح الرئيس عبد الفتاح السيسى فى لقائه مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما وجهة نظر مصر فى عدم خروج قواتها إلى خارج حدودها للقتال ضد إرهاب تنظيم داعش، مع تأكيد تقديم مصر للمساعدة بكافة الوسائل الممكنة فى دعم التحالف الدولى . فإن مصر كانت ولاتزال مقتنعة بأن القضاء على هذا التنظيم الإرهابى الدموى، الذى يذبح الأبرياء ينبغى أن يدرك أن داعش ليست هى وحدها التى تمثل هذا الخطر الإرهابى، فكل المنظمات الإرهابية متصلة ببعضها، ويجمعها تحالف واحد، حتى وإن كانت بينها بعض الخلافات. وهو ما يعنى من وجهة نظر مصر، عام الإكتفاء بالعمل العسكرى وحده، بل يجب التصدى للفكر التكفيرى الذى يجمع كافة منظمات الإرهاب تحت مظلة واحدة. هذا المعنى بدأ يظهر فى كتابات كثيرة لمحللين سياسيين مختصين فى الإرهاب فى الولاياتالمتحدة وأوروبا، والذين يرون أن إستراتيجية أوباما لا تزال قاصرة عن فهم كيفية القضاء على الإرهاب، وعلى سبيل المثال فقد نشرت مجلة «تايم» الأمريكية تحقيقا مطولا بعنوان «الحرب التى لم تنته» قالت فيه، أن التحدى الأكبر الذى يواجه الإستراتيجية الأمريكية هو هزيمة الأيديولوجية التى تجمع كل الذين يستهدفون الولاياتالمتحدة، والذين ينظرون إلى العمليات العسكرية التى يقوم بها الإرهابيون وكأنها حرب مقدسة ضد مدنيين، ويقدمون مبرراتهم إعلاميا لأعمالهم فى الداخل والخارج بما يذيعونه عن أنفسهمن أنهم يقاتلون من سموهم العلمانيين والشياطين والكفار. هذه الأيديولوجية بدأت أساسا من تنظيم القاعدة بقيادة بن لادن، وقد أصبح فيما بعد من الصعب إحتواؤها فى ظروف الثورات التى إجتاحت الشرق الأوسط والفوضى والحروب الأهلية، والتى إزدهرت فيها أفكار التكفيرين. ويقول تحقيق مجلة «تايم» أن الدور العسكرى الأمريكى هو دور محدود، أو على الأقل حتى الأن، وأن من أهم الأسباب التى تؤدى إلى إنتشار هذه الأفكار، أنها تقدم للأفراد الذين تجذبهم إليها صورة مغلوطة عن الإسلام الذى يحرم كل ما يقومون به من ممارسات، بما فى ذلك عمليات القتل والتمثيل بالجثث وقطع الرءوس والسرقة ونهب الأموال والممتلكات، بما يشوه صورة الإسلام، ولم تتوقف تلك الممارسات رغم بدء هجمات قوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة على التنظيم الإرهابى، وهو ما كان يحتاج إلى حملة فكرية مضادة وقوية لكى تظهر مخالفة هؤلاء للدين الإسلامى وتعاليمه. والسبب الثانى، أن المواجهة التى تقوم بها الولاياتالمتحدة منذ بدء ظهور داعش فى سوريا، كانت محددة فى هدف التخلص من بشار الأسد، بحيث تركت تنظيم داعش ينتشر فى سوريا ويجذب إليه أفرادا من الدول العربية وغيرها، وكثير منهم ينتمون إلى منظمات إرهابية أخرى، وكان منهم أعضاء من الإخوان المسلمين الذين سافروا عن طريق تركيا إلى سوريا للانضمام إلى هذه المنظمات. وحول هذه النقطة قالت مجلة «الإيكونومست» البريطانية فى تقرير مطول لها بعنوان « الحرب القادمة ضد الجهاد العالمى»، أن أى إستراتيجية ضد تنظيم داعش ينبغى لها عاجلا أو آجلا أن تتضمن تحركات عسكرية بتقليل مساحة الأرض التى تسيطر عليها داعش فى شرقى سوريا، وهنا يوجد الضعف فى خطة أوباما. الذى يركز فى أحاديثه على عملية مضادة للإرهاب، فى وقت يحتاج فيه الأمر إلى الحرب على مختلف التنظيمات الإرهابية على اختلافها. وهى المنظمات الإرهابية التى إنتشرت فى الفترة الأخيرة من مالى إلى بنى غازى إلى كراتشى، وقد إزدادت، ليس عدديا فقط لكن فى وحشيتها وشراستها. وطبقا لدراسة نشرتها مؤسسة «راند» الأمريكية، فإن عدد هذه الجماعات قد إزداد بحوالى 60% خلال السنوات الأربع الماضية، بينما زادت الهجمات من جانب تنظيم القاعدة والمنظمات الأخرى المرتبطة به ثلاث مرات. وبالرغم من التحالف الذى يجمع معظم التنظيمات الإرهابية فى العالم، فإن هناك قيادات من تنظيم القاعدة على سبيل المثال أعلنت إدانتها لداعش ولكل ما تقوم به، وأحد هؤلاء هو أبو قتاده، والذى يعتبر من أصحاب الفكر الأيديولوجى لتنظيم القاعدة، والذى صرح بأن داعش تعتبر آلة قتل وتدمير. وتقول «الإيكونومست» أن من ضمن النتائج السلبية على تنظيم داعش، أنه إستطاع أن يوحد الشرق الأوسط فى جبهة واحدة من الكراهية له، والتى تعتبره عدوا للجميع. ومازالت هناك علامات إستفهام حول تصريح أوباما الذى أعلن فيه أنه لن يجعل المواجهة ضد داعش تجر الولاياتالمتحدة إلى حرب برية أخرى فى العراق، وسبب علامات الإستفهام هذه لدى المحللين، أن منهم من يعتقد أن الضربات الجوية لن تكفى للقضاء على تنظيم داعش الذى ينتشر فى مجموعات صغيرة على مساحات واسعة من الأرض، ولابد من قوات برية تقوم بالقضاء على تواجدهم تماما. كما أن داعش قد أصيبت أيضا بنقطة ضعف بعد أن تخلى عنها كثيرون من الذين تحالفوا معها من السنة فى البداية، وكان منهم البعثيون من أنصار صدام حسين، وهو ما كان قد مكنهم من التقدم فى كثير من المدن العراقية ومنها الموصل، ولم يكن ذلك تعاطفا مع داعش وإنما كراهية لرئيس وزراء العراق السابق نورى المالكى. النقطة الرئيسية التى يتفق عليها كثير من المحللين الأمريكيين والأوروبيين فى تحليلهم لإستراتيجية التحالف الدولى ضد داعش، هى أن هذه الإستراتيجية التى إكتفت حتى الأن بالضربات الجوية، رغم أنها فى بداياتها، لكن النتائج الأولية لها بدأت تظهر لدول التحالف بضرورة تعديل هذه الإستراتيجية وعدم الإكتفاء بإعتبار داعش العدو الأوحد، لأن مختلف المنظمات الأخرى المتطرفة، خاصة فى الدول العربية، بدأت تظهر صراحة تعاطفها مع داعش، وتأييدها لها وإستعدادها لإرسال أفراد منها إلى العراق للقتال فى صفوف تنظيم داعش الإرهابى. ولذلك فإن الضربات الجوية فقط وإعتبار داعش هى الإرهاب لن يجدى وإنما يجب القضاء على كافة أنواع الإرهاب وإقتلاعه من جذوره وبكل الوسائل المتاحة.