يوشا وونج.. شاب فى السابعة عشرة من عمره, يحلم كغيره من أبناء جيله أن يمارس حقه فى الحرية والديمقراطية دون قيود, وهو يري أن أول هذه الحقوق وأهمها حقه فى اختيار الرئيس الذي سيحكمه. يوشا جاء إلى الدنيا وكانت مدينته هونج كونج قد تخلصت لتوها من حكم مستعمر بريطاني كان يتخذ لها كل القرارات ويضع لها كل الأنظمة, إعتقد الشاب الصغير أنه يعيش فى بلد تملك زمام أمورها ولكنه اكتشف مع مرور الوقت أن المدينة التى يقطنها حوالى 7 ملايين شخص لم تنل حريتها كاملة مع نزوح المستعمر عام 1997. فرغم تمتعها بحكم ذاتي تحت مسمي"دولة واحدة ونظامين" بموجب الاتفاق البريطاني – الصيني عام 1984, لكن الرئيس التنفيذي كان يتم اختياره من قبل عملية ترشيح معقدة تعطي قلة من المواطنين التصويت، بينما تسيطرعليها بكين, ولم تحقق نتائج جيدة: فقد إفتقر الرؤساء التنفيذيون إلى الدعم الشعبي، حيث أن أول واحد منهم وهو تونج تشى هوا، رحل بعد ظهور عدة احتجاجات. أما خليفته، دونالد تسانج يام كوين، فهو متهم بفضائح مالية, ثم جاءت الشرارة التى أشعلت النار, فبعد وعد الصين بإجراء انتخابات ديمقراطية بحلول عام 2017 يختار فيها الشعب بحرية رئيسه التنفيذي, أصدرت الصين مذكرة السياسات معلنة أن جميع المرشحين يجب أن يكونوا محليين لبلدهم، وهو ما يعني من الناحية العملية أن الشخص المنتخب يجب أن يكون مواليا للحزب الشيوعي.. لذلك كان لابد ليوشا أن يثور. الأسلحة بسيطة, مواقع التواصل الإجتماعي التى أثبتت كفاءتها فى الربيع العربي, والمظلات.. إتخذها المتظاهرون ليحتموا بها من أشعة الشمس بعد أن افترشوا الميدان فى حركة أطلقوا عليها " إحتلوا وسط هونج كونج" ولكن تم إستخدامها بعد ذلك لصد الهجمات العنيفة والمتكررة من جانب الشرطة التى استنفدت مختلف الوسائل لتفريق المتظاهرين دون جدوي, بدءا من رذاذ الفلفل وخراطيم المياه وصولا إلى الغاز المسيل للدموع, ولذلك أطلق عليها "ثورة المظلات". تعنت المتظاهرين بدا واضحا من خلال تصريحاتهم بأن المظاهرات لن تتوقف حتى تحدد الصين جدولا زمنيا لإجراء هذه الانتخابات، ومع تباطؤ الحكومة الصينية فى تلبية مطالب الشعب الثائر ارتفع سقف المطالب ليصل إلى المطالبة بإقصاء حاكم هونج كونج "ليونج شون يينج" الموالي لحكومة الصين, ويرى محللون في هيمنة الشبان اليافعين - بقيادة "يوشا" أو المراهق المعجزة كما أطلقت عليه الصحف - على الحركة, أحد المعطيات التي تضاعف من خطورتها على "العملاق الصيني" وتجعل مهمة السيطرة عليها صعبة للغاية. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستحصل هونج كونج على الديمقراطية ؟ ربما لا، فقد ألقى كبار المسئولين بالحزب الشيوعي الحاكم بالصين بثقل كامل على مقترح تشكيل لجنة من المرشحين الموالين ولم يظهروا أي بادرة على الرضوخ لمطالب المتظاهرين، حيث تخشى الحكومة الصينية إذا ما قدمت تنازلا وأتاحت انتخاب حاكم لهونج كونج ديمقراطيا، أن تكون الخطوة التالية متمثلة في طلب الاستقلال التام. غير أن حملة العصيان المدنى التي دعا إليها النشطاء لا تتعلق فقط بإجراء انتخابات مفتوحة للجميع، ولكنها تتعلق أيضا بمستقبل العلاقة بين هونج كونج والصين، حيث جاء على لسان مقيمين بالمدينة الدولة أن الحكومة المركزية في بكين قد فرضت قيودا وتشديدات نظامية على المدينة في غضون السنوات الثلاث الأخيرة، مما أدى إلى انتشار شعور لدى الكثيرين بالتهميش السياسي والضغط الاقتصادي. أما عن المستوي الاقتصادي لدولة المال والأعمال فقد تأثرت بورصة هونج كونج كثيرا بالأحداث وهبطت مؤشرات الأسهم الأمر الذي دعا بعض المحللين للتحذير من محاولة تفريق المتظاهرين بالقوة لأنها ستؤدي إلى إلحاق ضرر فادح بصورة هونج كونج كمركز مالي مهم في آسيا. وقد بنت المدينة موقعها كأحد أبرز مراكز الرأسمالية في العالم نظراً للشفافية وسهولة القيام بالأعمال التجارية, فعلى الرغم من أن اقتصاد المدينة يشكل جزءا بسيطا مقارنة بحجم الاقتصاد الصيني، إلا أنه لا تزال هونج كونج الوجهة المفضلة للعديد من رجال الأعمال. ويبقي السؤال الذي يدور في أذهان أغلب مواطني هونج كونج وهو كيفية إنهاء هذا الموقف، ويتوقع البعض أسوأ السيناريوهات، حيث يفترضون فضا لهذه المظاهرات بالقوة، ربما من جانب الجيش الصيني، وهو ما يعيد إلى الأذهان أحداث ميدان «تيان أن مين» فى بكين والتي قامت فيها القوات الصينية بإطلاق الرصاص الحي على متظاهرين سلميين مؤيدين للديمقراطية عام 1989. لكن بعض المتخصصين فى الشأن الآسيوي وعلى رأسهم مايكل كوجلمان في المركز الدولي للباحثين "وودرو ويلسون" أكد لصحيفة " نيويورك تايمز" أن تكرار هذا الأمر غير وارد, وأرجع ذلك إلى أن الصين تطمح إلى أن تكون لاعبا مسئولا على المستوى الدولي وهذا ما لم يكن الحال عليه في 1989, وأضاف أن إتساع إستخدام نشطاء الاحتجاجات لمواقع التواصل الاجتماعي، أعطى لتحركاتهم زخما كبيرا يجعل أيدي السلطات الصينية مكبلة في محاولاتها السيطرة عليها أو التعتيم عليها على غرار تجاربها السابقة . يبقي تساؤل أخير حول مستقبل الحكم الحالي "دولة واحدة ونظامين", فبغض النظر عن هذه التظاهرات وما ستنتهي إليه، يبدو أن الصين فقدت أهم عنصر في مدينة هونج كونج، ألا وهو ثقة مواطنيها، وتنامى شعور لدى البعض بأن نظام الحكم هذا بدأ في التلاشى وسط الجمود السياسي والاضطرابات الاجتماعية, لقد أربك بالفعل "المراهق المعجزة" حسابات "العملاق الصيني", فهل ينهار الأخير أمام حماس شباب "ثورة المظلات".