بعض الناس يصنع من حياته نسخة واحدة..إنها هواية استنساخ الأيام..انه يتوقف عند لحظة من الزمن لا يفارقها..قد لا تكون لحظة حب أو ألم ولكنه يفتقد القدرة على أن يعبر إلى لحظة أخرى وكأن الزمن توقف به..حين نختار مكانا نعيش فيه نتصور انه أفضل الأماكن رغم أن الأرض واسعة.. إن البيت الذى نسكنه رائع وجميل ولكنه ليس أفضل البيوت.. واليوم الذى حفرته فى وجدانك وذكرياتك كان ممتعا ولكنه ليس كل الأيام والعمر الذى توقف بك فى محطة لا تريد أن تغادرها ليس أجمل الأعمار كلما حفرنا فى الأرض كانت المياه أعذب وكلما اكتسبنا التجارب من الحياة كانت قدراتنا أعمق..فلا توقف قطار حياتك عند إنسان أحببته ولم يقدر مشاعرك سوف تحملك الأيام إلى إنسان آخر يقدر إحساسك وتكتشف أن ما عشته كان عمرا زائفا وان الحقيقة هى ما ظهر فى حياتك..إننا أحيانا نتحول إلى عبيد اللحظة وعبيد أحساس يسيطر علينا ونكتشف أن اللحظة لم تكن بهذا الإبهار وان المشاعر لم تكن بهذا الصدق .. إن استنساخ الأشياء ظاهرة غريبة فى حياة البشر..هناك إنسان يحب امرأة واحدة يبحث عنها فى كل الوجوه حتى لو خدعته..انه يبحث عن نفس الملامح ونفس العيون وربما نفس الصوت..رغم أن أجمل ما فى الجمال هو الاختلاف وأجمل ما فى المشاعر التنوع وأجمل ما فى البشر أنهم كل يوم على حال..حاول أن تعيش اللحظة ولكن لا تجعلها عمرك كله..وحاول أن تبحث عن وجه أحببته ولكن ربما تجد وجها آخر يحبك أكثر..لا ينبغى إن تتوقف الحياة على شاطئ واحد حتى لو أصبح ماء راكدا لا نبض فيه ولا حياة..أن البحار تصنع الأمواج لكى تتغير..والفصول تصنع الجمال لكى نراه كل يوم شيئا جديدا..حين تموت زهرة على غصن شجرة فإن الإنسان ينتظر زهرة جديدة ولا يتوقف بالبكاء على من رحلت..كل الأشجار تعطى كل يوم أوراقا وثمارا وزهوراً جديدة فكن مثل الأشجار تعيش فصولها كاملة لأنها حين تموت تصبح كتلة من الأخشاب الحزينة الصامتة.. عبيد اللحظة دائما يموتون على أطلالها. لمزيد من مقالات فاروق جويدة