استمرار إجراءات الكشف الطبي للطلاب الجدد بكلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصر    وزير الكهرباء يبحث مع المؤسسة الحكومية الروسية للطاقة الذرية و«روسآتوم» معدلات التنفيذ بمحطة الضبعة    وكيل «أوقاف الغربية» يجتمع بمديري الإدارات لمناقشة خطط العمل الدعوي    رسميًا.. تشكيل المجلس الأعلى للتشاور الاجتماعي لضبط العلاقة بين أطراف العمل    عيار 21 الآن بالصاغة.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 25-9-2024 بعد الارتفاع الآخير    قرار عاجل من وزير التموين بشأن السكر الحر    محافظ المنيا: الأفكار غير التقليدية سبب الفوز بمسابقة المشروعات الخضراء الذكية    برامج تدريب مجانية لتأهيل الشباب بقرى ومراكز محافظة أسيوط    إذاعة الجيش الإسرائيلي: سلاح الجو هاجم نحو 100 هدف في لبنان منذ الصباح    بعد إعلان حزب الله استخدام «قادر 1» لأول مرة.. ما هو الصاروخ الذي استهدف مقر الموساد؟    الصحة اللبنانية: 3 شهداء في غارة إسرائيلية على بنت جبيل    مانشستر سيتي يعلن تفاصيل إصابة رودري    الإعدام لمتهمين اثنين والمؤبد والمشدد ل12 آخرين في «الانضمام لجماعة إرهابية» بالمرج    العظمى على القاهرة 33.. الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا الخميس ودرجات الحرارة    بعد تسجيلات متداولة تحذر من شرب مياه الحنفية.. رئيس جودة المياه يكشف حقيقة تلوثها    جامعة أسيوط تفتح أبوابها لأكبر طالب جامعي بعمر 62 عامًا    تحرير 14 محضراً لمخالفات تموينية بقلين بكفر الشيخ    «مش هتكلم غير عن الفيلم».. إلهام صفى الدين ترفض الحديث عن زفاف نجل خالها (فيديو)    توقعات برج الجدي في الأسبوع الأخير من سبتمبر 2024.. احذر العدوى والفيروسات    في يومه العالمي.. «هيئة الدواء» تنصح باستشارة الصيدلي عن الطريقة الصحيحة لتناول الأدوية    ب«10 أجهزة تخدير بالمونتير وصدمات».. الصحة: تطوير ورفع كفاءة «العمليات» بمستشفى المقطم    محافظ أسيوط: مواصلة تسليم نموذج 8 نهائي التصالح في بعض مخالفات البناء بمركز أبنوب    "اللي مالوش خير في حاتم ".. إرث فني مبدع لخالد صالح رغم رحيله مبكرًا    مواجهات نارية في الجولة السادسة من الدوري القطري    حارس ليفربول: 5 أمور تحسنت في مستوى محمد صلاح تحت قيادة آرني سلوت    وكيل صحة البحيرة يتابع أعمال الإنشاءات بمستشفى بدر الجديد|صور    البيئة: مؤتمر الأطراف ال29 للتغيرات المناخية اختبار حاسم لاتفاق باريس وللعمل المناخي العالمي    إمام عاشور: مواجهة الزمالك ليست سهلة.. واندمجت سريعا في الأهلي    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 25-9-2024 في محافظة البحيرة    القبض على عنصرين إحراميين يديران ورشة لتصنيع الأسلحة النارية بالقليوبية    عقب تداول «فيديو».. سقوط لصوص أغطية بالوعات الصرف بالمنصورة    ضبط 6 أشخاص حال قيامهم بأعمال الحفر والتنقيب عن الآثار بالقاهرة    وزير التعليم العالي يشهد حفل استقبال الدفعات الجديدة    خبير سياحي: الدولة تقدم خدمات متكاملة في مشروع «التجلي الأعظم»    قطر أول دولة خليجية تعفى من فيزا الدخول لأميركا    موعد عرض الحلقة 10 من مسلسل برغم القانون.. انتظروا أحداثا شيقة    «الكولونيل» فريد مسعود    استشاري يحذر من الخلافات الأسرية: تصيب الأطفال بالانطوائية والعنف    خالد جلال يناقش خطة عروض البيت الفني للمسرح ل3 شهور مقبلة    التليفزيون هذا المساء.. خالد الجندى: قضية الإلحاد موقف نفسى وليس فكريا لأغلبية الشباب    بزشكيان: إسرائيل ارتكبت "إبادة جماعية" في غزة    تكريم الإنسانية    الجيش الإسرائيلى: 5 صواريخ أطلقت من لبنان تجاه زخرون يعقوب ويوكنعام عيليت    تعديل المخططات التفصيلية لقريتين في محافظة الدقهلية    إعداد.. وتأهيل.. وتبادل خبرات    صحة المنوفية: ختام فعاليات دورة المنشآت الصحية والقوى البشرية بحضور 40 متدربا    السوبر الأفريقي.. جوميز يحسم حيرة مركز الظهير الأيسر في الزمالك    حكم الصلاة بالتاتو والوشم    ما أهمية نهر الليطاني في الحرب بين إسرائيل وحزب الله؟    تشكيل ليفربول المتوقع.. 7 تغييرات.. وموقف صلاح أمام وست هام    ستارمر: انتقاد نتنياهو للحكومة البريطانية بسبب تعليق بعض صادرات الأسلحة أمر خاطئ    تفاصيل زيارة رئيس الوزراء ل«مدرسة السلام المتميزة»    هل نقص المغنسيوم في الجسم يهدد حياتك؟    «الوطنية للإعلام» تنعى الإعلامي أيمن يوسف    عاجل.. رد فعل حكم السوبر الأفريقي بعد طلب الزمالك استبعاده.. كيف يدير المباراة؟    هل هناك نسخ بالقرآن الكريم؟ أزهري يحسم الأمر    ما حكم قراءة سورة "يس" بنيَّة قضاء الحاجات وتيسير الأمور    تشيلسي يكتسح بارو بخماسية نظيفة ويتأهل لثمن نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السفر إلى الحبيبة... فوق حصان الخيال
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 09 - 2014

أهلا يا أنا وسط هذا الضجيج الزاعق الذي يملأ الكون ، أجد لنفسي واحة في خيالي أسكنها وحدي ؛ وأرى بعيون مفتوحة أشجارا جميلة الأوراق ، وحين أبحث عن سر جمال وحيوية كل ورقة من أوراق تلك الأشجار ، أكتشف السر؛
فكل ورقة تبدو كالمرآة ، والصور التي في تلك المرايا ليست إلا تذكاراتي . وفي أول ورقة شجر دققت النظر فيها رأيت صورة حبيبتي داخل ذلك الكوخ الذي إمتلكته وحدي، وهو الكوخ الذي رأيته بعيون الواقع _لا الخيال _حين سمعت ضحكة الحبيبة لأول مرة ، فهي ضحكة رقراقة كالموسيقى التي تعلو ثم تهبط لتأخذني في آخرها إلى هذا الكوخ الذي ألهمتني السماء فيه مستقبلي ، الذي يمكنني تلخيصه في أن السبب الوحيد الذي خلقني الله من أجله ، وهو أحب هذه المرأة لتكون خلاصة أحلامي وميناء أيامي .
وحين أدقق في بقية أوراق الشجر الذي أمام نافذتي؛ فأنا أراها كمرايا صغيرة ، وفي كل مرآة أجد لمحة من تذكارتي تقيني شرور التوتر من هذا الضجيج الزاعق الذي يملأ الكون، مظاهرات وجوع وفساد وديكتاتوريات فاسدة ، وإدعاء ديمقراطيات تحرك مباني ذات فخامة معمارية ، على الرغم من أن كل حجر فيها قد إلتصق بالحجر الآخر بواسطة سائل مكون من طحن عظام عشرات المئات من البشر ، سواء أكان إسم تلك المباني « الكونجرس « أو مجلس العموم أو الجمعية الوطنية الفرنسية ، ويتحرك داخل تلك المباني أناس في ملابس أنيقة ، ولكن أغلبهم ليسوا سوى أرجوزات ، حيث يمثل بعض منهم واجهة لإستغلال خفي ، ومعظمهم يمارس لونا من البغاء السياسي الواضح الملامح ، ولا أجد في كلماتهم سوى كذب يخفي مصالح من يحركونهم على المسرح العام للكون .
وليت هذا الأمر مقصورا على المجالس التي ننظر إليها بحسد في الخارج ، حيث يتغنى الأغلب من الحالمين بالديمقراطية بما يشاهدونه على شاشات التلفزيون من إجتماعات برلمانات العالم , وفي الأغلب الأعم لا يختلف هؤلاء عن بضاعة الكلمات المفصولة عن الواقع بمسافات ، فلن أنسى مشهد الشيخ المعمم فيما قبل ثورة يوليو وكان مرشحا عن قرية أبي أنشاص الرمل ، وكان يتاجر في السوق السوداء بالسكر وكوبونات الكيروسين . وفضحته زوجته عندما إكتشفت علاقته مع راقصة في أحد الملاهي الليلية السكندرية ، فصرخ في أهل القرية من على منبر الجامع» كنت أريدها أن تتوب عن الرقص ، كما أنني متزوج منها عرفيا « وفوجئ وهو يعلن بواحد ممن كانوا يعملون بمعسكرات الإحتلال الإنجليزي وهو يقول لعضو مجلس النواب المعمم « وما رأي الدين في إجتماعاتك مع عبد الله كنج يامولانا ؟» وكان عبد الله كنج هو الخائن الذي تولى جزءا من تجارة البضائع بين أهل الشرقية وبين معسكرات الإنجليز ، وهو من كان يبلغ عن الفدائيين ، وقد تم إعدامه بعد ثورة يوليو بتهمة التجسس والخيانة.
ولن أنسى يوم إعدامه أن كنا في قرية أبي ، وسمعت هذا السؤال الذي سأله العامل الذي إستقال من قبل الثورة بسنوات من العمل بمعسكرات الإحتلال ، السؤال هو « هل يغفر الله له ويدخله الجنة ؟ « فأجاب صاحب المقهى الحشاش « لا أعرف إن كان سيغفر له الله أم لا يغفر ، لكن الشهادة لله .. كان يبيع لي الحشيش الذي لا يعلوه أي حشيش آخر « . وقال تاجر الخيول بالقرية « الشهادة لله كان يجيد سرقة الخيول من معسكرات الإنجليز ، وحاولنا أن نستخدمها في تزويج إناث الخيل عندنا . والغريب يا أخي أن إناث الخيل العربية كانت تكره التزاوج بالخيول الإنجليزية؛ لذلك بارت تجارته في الخيول، لكنه كان يقبل فيها أثمانا زهيدة حين يبيعها لعربات الحنطور بالقاهرة والإسكندرية « . وضجت القهوة بالضحك ، وطالبه أحدهم بالإحتشام نظرا لوجود أفندي صغير هو كاتب هذه السطور . لكن احد أبناء عمومتي أعلن للجميع وهو يلتقط مبسم الجوزة الذي هو عبارة عن قطعة من البوص ، قال إبن العم عني « إنه رجل ويعرف تفاصيل لقاء أي أنثى بأي ذكر « . ولم أهتم بما قال ، لأني كنت قد شهدت في اليوم السابق رحلة غواية مهرة عربية لحصان عربي ، ليتم إجراء الحمل . ولم ينته الإثنان من عناق العشق إلا بأكبر كمية ممكنة من جرادل المياه التي ألقاها الواقفون حول المهرة والحصان.
وها أنا ذا أضحك لذلك التذكار القديم الذي برق بتفاصيله في خيالي ،عندما كنت أتابع إستفتاء إستقلال إسكتلندا عن إنجلترا . وقد راهنت عددا من الأصدقاء على أن الإسكتلندين لن يقبلوا هذا الإستقلال لأنهم شاهدوا جميعا فيلمّ «القلب الشجاع» وعلموا أن زوجة ولي العهد إبن الملك القاسي الذي كانوا يسمونه «الحذاء الثقيل» ، هذه الحلوة التي لعبت دورها « صوفي مارسو « وهي من أشد ممثلات باريس توهجا بالأنوثة الخلابة ، ، وكان ولي العهد يهملها . ، وحين طلب منها الملك «الحذاء الثقيل «القاسي أن تكون رسولته إلى ويليم والاس قائد الإسكتلنديين ، حدث ما لم يتوقعه أحد ، فقد وقعت أسيرة عشق هذا الريفي المنادي بالحرية ، لتخرج من تجربة العشق وهي حامل بإبن الريفي الرائع المحكوم عليه بالإعدام . وحين كان الملك « الحذاء الثقيل « على فراش الموت رافضا العفو عن ويليم والاس ، إقتربت منه زوجة إبنه لتهمس في أذنه» أنا حامل من ويليم والاس .. ومن سيجلس على العرش من بعد إبنك هو إبن هذا الفلاح «.
وعلى ضوء هذه الرواية؛ فشجرة حكم إنجلترا حتى كتابة سطوري تلك هو جاءت من نسل هذا البطل الريفي الذي كان يرفض قاعدة موجودة في ذلك الزمان تحتم على أي شاب يتزوج من عذراء جميلة ؛ عليه أن يقدمها أولا إلى صاحب الأرض ليمضي معها ليلة أو ليلتان حسب مزاجه ، ولكن ويليم والاس رفض تلك القاعدة ، وتزوج سرا بصديقة طفولته التي أحبها . وعندما علم صاحب الأرض بذلك أرسل من يخطف الحبيبة ، ثم يقلتها ، وهنا بدأت ثورة ريف اسكتلندا . وقاد ويليم والاس تلك الثورة إلى أن تم إعدامه وهو يصرخ « الحرية «.
ولا أعلم ما الذي جعل أصغر أبنائي يدخل معي في الحوار ليقول لي « إن صوفيا مارسو هذه تشبه إلى حد التطابق الحبيبة الأولى للشاعر الذي تحبه، لوي أرجون « .
وهكذا استقبل خيالي صورة المرأة الثرية واللعوب التي ملأت أيام أرجون الأولى بعشق نوراي وشديد الأرضية في آن واحد ، وكان إسمها « نانسي « ، وهي ثرية عشقته ، لكن جمالها الآخاذ كان يلح عليها أن تشرب من عيون غيره صيحات الإعجاب. وبين شقاء فقره الشديد وثرائها اللانهائي عاش بين شقي الرحى ، فأكثر ما كرهه هذا الشاعر هو الفقر ، فقد كان إبنا غير شرعي لواحد من كبار رجال الجمعية الوطنية الفرنسية ، عشق الأم وهو متزوج بواحدة من ذوي الحسب والنسب، ولم يكن يجرؤ على إعلان زواجه من والدة أرجون ، وأرادت المرأة أن تحتفظ بوليدها ، فذهبت بعيدا لتلده ، ثم لتعود به معلنة أنه شقيقها . وقبلها المجتمع الباريسي الفقير على تلك الصورة ، وظلت الأم تلقنه تلك الأكذوبة القائلة بأنه شقيقها ، وأن أمها التي تقيم معها _ جدته _ هي أمه . ولكن الأم كانت تصحبه في بعض أيام الأحاد لتلتقي برجل تستقبله بعيون مشتاقة وقلب ملهوف ، ويداعبه الرجل بحنان بالغ . ولم يكن هذا الرجل سوى أبيه . إلى أن وصل إلى عمر السابعة عشر لتعلن له الأم الحقيقة وتطلب منه أن يخفيها .
وظل آرجون المولود في أواخر القرن التاسع عشر والذي استقبل القرن العشرين ليشارك في الحرب العالمية الأولى ، ليدخل التجنيد ويمنح فرصة رعاية الجرحى كدارس للطب . فيرى لحظات الدفاع عن حق النفس ، والخوف من الرحيل إلى دنيا التراب . ورأى أن الكون مجنون يحتاج إلى أن نضعه أمام جنونه ، ولم أمامه سوى الشعر والكتابة والصعلكة مع من يتمردون على ذهاب الحياة من أجيال من أجل عظمة إمبراطور أو ملك ، فالحياة أثمن من أن تضيع حتى ولو كان فيها أب مثل ابيه يخشى الإعتراف به ، أو فيها أم كأمه تحرص على تلقينه كل صباح ألا ينسى أنه شقيقته وليست أمه . وأنه حتى السابعة عشر ظل محروما من أن يجد من يناديه « أبي « ويخاف من أن ينادي المرأة التي ولدته ب « أمي « حتى لا يفضح كذبها أمام الجيران . أما جده لأمه فلم يكن سوى واحد من أصحاب صالات القمار ، سواء أكانت تلك الصالة في باريس أو في أحد بلدان فرنسا المحتلة بشمال أفريقيا . ولم يبق للجد من أثر في حياة الحفيد ، سوى ذكرى كسر الطفل لحصالة نقوده التي لا تحتوي على كثير من النقود ، ولكن كان عليه أن يمنحها لهذا الجد حتى يهرب من باريس كلها بعد مطاردة الشرطة لأصحاب محلات القمار .
يضحك بينه وبين نفسه ليكتشف عبث الكون ، فلم تكن قصة حب أمه للرجل صاحب المكانة سوى قمار خسرت فيه لكنها ظلت تحلم بأن تكسب هذا الرجل زوجا . ولم تكن كذبتها بأنه شقيقها سوى قمار لتكسب فيه درجة من عدم توغل الجيران في حياتها .
وحين قامت الحرب العالمية الأولى لم تكن رعايته للجرحى سوى مائدة قمار أخرى يلعب هو فيها مع ملاك الموت لعبة يخسر فيها أمامه روح إنسان جريح ، ويكسب إنقاذ روح أخرى .
وحين تزدحم باريس بالساخطين على الوضع البشري من الذين أسسوا مدارس أدبية كالدادية والسيريالية ، كان على رأسهم هذا الموهوب الذي نجح في دراسة الطب ، ونجح أيضا أن يكون شاعرا له قيمته .
وتأتي قصة حبه التي يعاني فيها من إهانة إحساسه بالفقر وثراء الحبيبة التي تغدق عليه من مالها ، وتدعوه أن يتجول معها في أوربا ، فيذهب بقلب يكره أن تتركه إن رأت من تنجذب إليه غيرة فتقضي معه بعضا من الوقت ثم تعود إليه . وفي فينسيا يرى قوس قزح هو مجرد نور تم تبديده في ألوان سبعة ، ليتحطم ذلك القوس من بعد ذلك بالدموع بينما تدق أجراس الكنائس ، فيتوب بعض اللصوص والطفيليين لبعض من الوقت ، ثم يغادرون الكنيسة ليكتشفوا أن ثمن الحب لا يستطيع أحد أن يدفعه.
.......................
وما أن تنشط حركة اليسار في باريس حتى تجد كل من بيكاسو الرسام المصور الأشهر وهاهو يجلس مع بابلو نيرودا ، وثالثهم هو بيرتون مؤسس السيرالية ، ليقرر أرجون الإنضمام إلى الحزب الشيوعي بشرط أساسي هو ألا يكون منفذا لتعليمات الحزب الصادرة من موسكو ، فهو يحب المجموع حقا وصدقا ، لكنه يكره حياة القطيع حتى ولو كان القطيع رافعا لشعار العدل والكرامة الإنسانية .
ولأن موريس توريز قائد الحزب في فرنسا يعي قيمة أرجون لذلك سمح له بأن ينقد كما يشاء . وشاركه في رحلة النقد تلك فيلسوف آخر هو جارودي الذي أسلم قبل أن يموت بسنوات وفرضت عليه الصهيونية الفرنسية صمتا هائلا منذ أن نقد الصهيونية ، وكان الرجل يتعجب لأن نقده للماركسية كان أشد ضراوة من نقده للصهيونية ، إلا أن الصهيونية إستطاعت أن تسجنه في عزلة الإكتئاب إلى أن مات كمدا نتيجة جهل المسلمين بقيمة دينهم الذي حوله بعضهم إلى إرهاب دموي تستخدمهم فيه أجهزة المخابرات لخلخلة البلدان التي تضم ثروات مواد الخام التي تدير عجلة الحضارة الغربية المعاصرة .
.......................
كان آرجون عاشقا لنانسي ، لكن ثراؤها وتقلبات مزاجها كانت تزعجه إلى أن إستقرت عليه عيون كاتبة أحاطته بكل عناية وحنان وحزم هي « إلسا « ، تلك الروسية القادمة من موسكو والعاشقة للحياة في أوربا ، والتي تركت زوجها ليحصل على الطلاق منها ، وتدعي أنها وهبت حياتها لأرجون ، والحقيقة أنها شربت من نهر عبقريته فوق الخيال ، فقد كانت طاقة الغناء والكتابة والوعي عنده هي براكين لا تهدأ عن الفوران والعطاء لكل من حوله . وما أن أطمأن أنها له وحده حتى إستقر معها في بيت واحد ليغنيها طوال الوقت ، ولتصدر أشهر دواينه وكأنها قد كتبت من أجلها سوى أكان إسم الديوان « عيون إلزا « أو «إلزا « أو»مجنون إلزا «. ولكنه طوال الوقت كان يجد فرصة ليلفت من حصارها العاطفي ورعايتها التي تحتم عليه أن يكون لها وحدها . وكان يفلت منها خلسة لرؤية « نانسي « التي مثلت بالنسبة له بوابة فهم حقيقة رجولته ، ثم يعود خفية إلى إلزا ليغنيها ، فهو لا يستطيع الحياة دون إمرأة تمنحه من حنانها ما يحتاجه تعويضا عن الكذب القديم الذي كانت تلعب فيه أمه دور شقيقته أمام الجميع ، وتلعب فيها جدته دور أمه امام الجميع حتى لا تفضح إبنتها ، والتي يمارس فيها والده حنانه الأبوي في حديقة تجمعهما_ الأم والإبن والأب _مع الحرص على ألا يراهم أحد.
.......................
وحين قامت حرب الجزائر لم ينتظر أرجون رأي الحزب الشيوعي الذي ينتمي إليه ، ولكنه أعلنها صراحة أنه مع حرية هؤلاء العرب ، الذين لو بقوا في أوربا ولم يخرجوا من الأندلس لكانت أوربا أكثر إنسانية مما هي عليه .
وبسبب تلك الحرب بدأ في كتابة أهم ما تركه الشاعر الكبير وهو رواية بعنوان « مجنون إلزا « يحكي فيها كيف زيف المؤرخون الفرنسيون قصة الأندلس وكيفية خروج أبي عبد الله آخر ملوك غرناطة منها . ولم يحفظ هؤلاء المؤرخون سوى قول أم عبد الله له « لقد ورثت ملكا للرجال ، ولكنك تتركه الآن كالنساء « .
لم يحفظ المؤرخون كيف كانت بلاد الغال _ وهو إسم فرنسا القديم _ ترسل عبر جبال البارنز من يتجسس على كيفية العمران ، وأسلوب وصول المياه إلى المنازل ، وفنون رصف الطرق ، وأساليب التعليم في الحضارة العربية ، بل ولم يلتفتوا إلى أنتبه إليه آرجون عن علاقة العاشق العربي بالمرأة
« إن مستقبل الرجل هو المرأة
«هي لون نفسه
«هي همسه وضوضاؤه
«وهو ليس بدونها سوى لعنة
«ليس سوى نواة بلا تمر
«تنفخ فيه ريح وحشية
«وحياته تمتلء بالخسران
«يدمر نفسه بيديه
«أقول لكم إن الرجل ولد لأجل المرأة وخلق من أجل الحب.
«كل شيء في العالم القديم سوف يتغير.
«الحياة أولا وبعدها الموت.
«وسيتقاسم الجميع كل شيء .. الخبز الأبيض والقبلات الحانية أحيانا والدامية أحيانا أخرى «
«وسوف نرى مملكة الزوجين تظللنا كأشجار البرتقال
.......................
أحببت هذا الشاعر على الرغم من صعوبة قصيدته الروائية « مجنون إلزا « ، وأعترف بشكل شخصي أنها رواية تحدتني كثيرا إلى أن أنيهتا دون كلل عام صدورها بالعربية1981 من ترجمة عاشق لآرجون هو « سامي الجندي « الذي سئم إنقلابات أهل سوريا فغادرها ليقيم بباريس ، وأصدر كتابا عن أرجون وحياته السياسية ، ثم جاء كتاب ثالث يشرح القصيدة لناقد فرنسي هو ّ شارل هاروش « .
وتمنيت أن تصدر طبعة مصرية زهيدة الثمن من الكتب الثلاثة ، لأن الحب عند هذا الشاعر يمتزج بضرورة إختيار الإنسان لحيوية أن يكون إنسانا ، فلا يحترف الكذب أو الخداع أو سرقة الكحل من العين بحكم شريعة لا تجدها في نصوص سماوية ، بل إفتراء أرضي غليظ وخشن على ما يروي روح الإنسان بالإيمان .
.......................
وأضحك بيني وبين نفسي حين أتذكر كلمة قالها آرجون عندما سألوه عن حياته بعد أن ماتت إلزا ، قال الرجل « هي وقاحة بلا حدود أن أعبش بعد موتها « . ولكنه في نفس اليوم الذي قال فيه ذلك للصحفي الذي سأله ، في نفس اليوم كان على موعد مع غادة تناسب عمره ، يقل عمرها عن الخمسين بعام واحد ، وراح يهمس لها
« إن مستقبل الرجل هو المرأة
«هي لون نفسه
«هي همسه وضوضاؤه
«وهو ليس بدونها سوى لعنة
«ليس سوى نواة بلا تمر
«تنفخ فيه ريح وحشية
«وحياته تمتلء بالخسران
«يدمر نفسه بيديه
«أقول لكم إن الرجل ولد لأجل المرأة وخلق من أجل الحب.
«كل شيء في العالم القديم سوف يتغير.
«الحياة أولا وبعدها الموت.
«وسيتقاسم الجميع كل شيء .. الخبز الأبيض والقبلات الحانية أحيانا والدامية أحيانا أخرى «
«وسوف نرى مملكة الزوجين تظللنا كأشجار البرتقال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.