على مدى عقود رصد العلماء فى أنحاء العالم وجود علاقة وثيقة بين التغيرات المناخية وآثارها من جانب، وحالة الاستقرار السياسى والاجتماعى والاقتصادى والأمنى من جانب آخر. وخلال العقد الأخير بدا من الواضح أن التغيرات المناخية قد أثرت وستؤثر فى حالة استقرار منطقة الشرق الأوسط بشكل لايتطرق إليه الشك. الأصل المناخى للربيع العربى وكان مركز المناخ والأمن بالولايات المتحدة قد أصدر تقريرا فى عام2013بعنوان :”الربيع العربى والتغير المناخى”. فقد أورد التقرير الأميركى أدلة تحليلية تشير إلى أن عواقب تغير المناخ تمثل عوامل يمكن أن تشعل غضبة الجماهير التى تفجر الثورة. ونوه التقرير إلى آراء خبراء بيئيين يعتبرون أن تغير المناخ عجل بحلول الاضطرابات التى غطت الشرق الأوسط تحت مسمى «الربيع العربى». فسنوات من الجفاف والتصحر، ونقص مخزون المياه الصالحة للشرب، وتقلص المساحات المزروعة عاما بعد عام، كانت من العوامل المساهمة فى عدم الاستقرار الاجتماعى والسياسى فى دول مثل سوريا ومصر وتونس والجزائر وليبيا. يضاف إليها تغير التركيبة الاجتماعية نتيجة الوافدين الجدد، سواء من الأرياف أو من خارج الحدود، والمقيمين فى المدن أو سكان الدولة الأصليين، فضلا عن زيادة مستوى التنافس على فرص العمل والموارد الطبيعية النادرة،خاصة المياه. وخلصت الدراسة إلى أن تغير المناخ له تأثير مضاعف فى العالم العربى فى ظل التغيرات السياسية والاقتصادية والسكانية فى العالم. فهو يضاعف مسببات الاضطرابات البيئية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بما فيها الجفاف ونقص المياه وانعدام الأمن الغذائى والهجرة. وتوقعت الدراسة أن يستمر هذا الأمر خلال المرحلة الانتقالية التى تمر بها دول المنطقة. وربطت الدراسة على وجه الخصوص بين ظروف المناخ الاستثنائية وما شهده العالم من ارتفاع هائل فى أسعار الغذاء بين عامى 2010و2011. فالعوامل المناخية، وتحديدا الجفاف وموجات الحر والحرائق، أدت إلى تراجع إنتاج القمح فى روسيا مثلاً بنسبة 33٪ ، وفى أوكرانيا بنسبة 19٪ ، بينما تسببت الزيادة فى الثلوج والأمطار المتساقطة المصحوبة ببرودة الطقس فى كندا فى تراجع إنتاج القمح بنسبة 14٪ ، بينما تسبب هطول الأمطار المتزايد على أستراليا فى تراجع الإنتاج بنسبة 9٪. أما فى الصين فانخفض إنتاج القمح نصف فى المائة. ولأن 6٪ من أصل 18٪ من الإنتاج العالمى من القمح يعبر الحدود، يكون من المنطقى أن يسهم نقص الإمدادات العالمية فى رفع الأسعار مخلفا آثارا اقتصادية خطيرة على دول العالم بوجه عام والمنطقة على وجه الخصوص. وجاء التقرير الأمريكى ليدعم تقرير سابق صدر فى عام 2009عن المعهد الدولى للتنمية المستدامة بالتعاون مع وزارة الشئون الخارجية الدنماركية بعنوان “حرارة ترتفع وتوترات ترتفع.. التغير المناخى ومخاطر مواجهة عنيفة فى الشرق الأوسط”. وأشار التقرير إلى أن التغير المناخى قد يطرح مخاوف أمنية حقيقية فى منطقة الشرق الأوسط. وقدم التقرير تحليلا عن الخطر الأمنى الناجم عن تغير المناخ فى المنطقة. وحدد التقرير ستة تهديدات مباشرة للمنطقة ودولها من قبل التغير المناخى وجاءت كما يلى: 1 تغير المناخ قد يزيد المنافسة على الموارد المائية الشحيحة، مما يعقد اتفاقات السلام. 2 تغير المناخ قد يكثف من انعدام الأمن الغذائى، مما يزيد من مخاطر إعادة أو الاحتفاظ بالأراضى المحتلة. 3 قد يعيق النمو الاقتصادى، وبالتالى يفاقم من الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعى. 4 وقد يؤدى إلى الهجرات الإجبارية التى تؤدى إلى زعزعة الاستقرار وترفع من مستوى التوترات بشأن اللاجئين الحاليين. 5 تقلص الموارد نتيجة لتغير المناخ يمكن أن يزيد من إضفاء الطابع العسكرى على حماية ومحاولات السيطرة على الموارد الطبيعية الإستراتيجية. 6 قد يؤدى التراخى الغربى فى التعامل مع تغير المناخ إلى تزايد حالة الاستياء وعدم الثقة لدى العرب تجاه الغرب بوجه عام واسرائيل على وجه الخصوص. وقدم التقرير أربع إستراتيجيات لتجنب التهديدات المحتملة للتغير المناخى على منطقة الشرق الأوسط. وجاءت تلك الإستراتيجيات كما يلى: تعزيز ثقافة الحفاظ على البيئة. و التكيف مع آثار تغير المناخ.و تجنب المستويات الخطيرة من التغيرات المناخية. و تمكين التعاون الإقليمى والمشاركة الدولية لمواجهة التغير المناخى وما يتبعه من آثار سلبية. التغيرات المناخية والأمن العالمى ولاتعد منطقة الشرق الأوسط والدول العربية هى الجهة الوحيدة المعرضة لمخاطر التغيرات المناخية فى العالم. فقد حذرت تقارير عديدة من آثار شديدة السلبية للتغيرات المناخية على السلام العالمى والأمن القومى للعديد من دول العالم. فقد دعمت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية مؤتمر تغير المناخ بالأممالمتحدة ، بعدة مبادرات تدعو إلى عمل دولى منسق لمواجهة المشكلة. وقالت كلير نوليز، المتحدثة باسم المنظمة فى جنيف، إن الوفد المشارك فى المؤتمر قد أعد سلسلة من التقارير الجوية لعام 2050، يصور فيها أحوال الطقس المستقبلية، حيث صدرت عشرة تقارير مستقبلية تبين التهديدات جراء موجات الحرارة والأمطار الغزيرة، وأضافت:” مع كل عام يمر، بلغت تركيزات غازات الاحتباس الحرارى مستويات أعلى وأعلى، مما يجعل من الأمر أكثر صعوبة وتكلفة وتحديا للتكيف مع تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية. ولقد تم تأكيد أن الأنشطة البشرية مسئولة مسئولية كاملة عن التغير المناخى”. وتجدر الإشارة إلى أن شهر أغسطس الماضى، كان أكثر الشهور سخونة على الإطلاق، وفقا لما رصدته الإدارة الأمريكية الوطنية للمحيطات والغلاف الجوى ومركز طوكيو لتغير المناخ. وفى يونيو 2014 وبمناسبة اليوم العالمى لمكافحة التصحر والجفاف، أكدت الأممالمتحدة أهمية استعادة الأراضى المتدهورة لتجنب أو التخفيف من الآثار الكارثية المحتملة لتغير المناخ. وقال الأمين العام بان كي مون - فى رسالته بمناسبة اليوم العالمى لمكافحة التصحر والجفاف -”إن تدهور الأراضى بسبب تفاقم تغير المناخ، لا يشكل خطرا فقط على سبل العيش ولكن أيضا يهدد السلام والاستقرار”. وتشير الدراسات إلى أن 24مليار طن من التربة الخصبة تتآكل كل عام، وأن 2مليار هكتار من الأراضى المتدهورة لديها القدرة على التعافى ويمكن استعادتها. وشجع رئيس الجمعية العامة جون آش هذه الجهود المبذولة لتخفيف أنماط التصحر من أجل تلبية الاحتياجات اليومية للسكان فى العالم وخاصة إنتاج الغذاء. وقال الأمين العام فى رسالته “إن تغير المناخ يمكن أن يغير العلاقة بين المياه والأرض بصورة كبيرة. وقال إن كمية ونوعية الأراضى فى هذا الوقت ستكون مختلفة جدا عما ستكون فى المستقبل. وقال الأمين العام:”لن يكون لدينا ما يكفى من الأراضى الصالحة للزراعة لإطعام سكان العالم، إذا لم نتصرف بسرعة لضمان صمود جميع الأراضى التى بحوزتنا أمام تآكل التربة ومنع فقدان المياه العذبة الجوفية وتسرب المياه المالحة إليها”. ومن جانبه أكد آش أيضا “على المجتمع العالمى العمل بلا هوادة لوقف تدهور الأراضى، لأن كل فيضان وجفاف وانهيار أرضى وإعصار وموجة حرارة أو غرق ساحل يسلب منا أحد الأصول الطبيعية التى لا تقدر بثمن وهى الأراضى المنتجة. وقالت الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة التصحر، مونيك باربو، إن تغير المناخ هو تغيير ديناميكية بين الماء والأرض. وقالت :” إن تركيزنا على الآثار المستقبلية لتغير المناخ قد أعمانا عن حقيقة مهمة وهى أن وضع الأرض يتغير بالفعل ..يستغرق تشكيل التربة سنوات عديدة، ولكن يمكن لفيضان واحد فقط أن يكتسح كل ذلك”.