وقع الرئيس فلاديمير بوتين خلال الفترة القليلة الماضية ضحية تباين تفسيرات ما صدر عنه من تصريحات تناولها عدد من اصدقائه وخصومه، على نحو اثار فى حينه الكثير من الجدل واللغط، وكاد يسفر عن ازمات دبلوماسية اقليمية وعالمية. ومن هذه التصريحات ما يتعلق باكبر حلفائه بين بلدان الفضاء السوفييتى السابق، والمخاوف التى انتابت البعض تجاه احتمالات تكرار تجربة "ضم القرم" فى مواقع اخري، فيما تعمد آخرون تآويل كلماته واقتطاعها من السياق بما يخدم "مآرب ذاتية"، ما اضطر معه الكرملين الى التهديد بنشر التسجيلات كاملة، ما لم يعلن الاخر اعترافه بعدم صحة ادعاءاته. فى منتدى "سيليجير- 2014" العالمي، شمالى العاصمة موسكو وبحضور ممثلى الاوساط الشبابية من روسيا والبلدان الاجنبية، كان الرئيس فلاديمير بوتين وردا على سؤال بشأن تصاعد الميول القومية فى كازاخستان على غرار ما تشهده اوكرانيا حاليا، اشار الى ان الرئيس نورسلطان نزاربايف "اقام دولة على اراض لم تكن يوما شهدت وجود أى دولة"، وهو ما اعتبره البعض بمثابة "تشكيك" من جانب الرئيس الروسي فى مشروعية وجود دولة كازاخستان. وعلى الرغم من ان ما قاله بوتين بهذا الصدد، بما فى ذلك ما قام به نزاربايف من دور تاريخى فى بناء دولة قزخستان كان على سبيل المديح والاشادة، فضلا عن تأكيده انه يظل الاكثر خبرة وقدرة بين زعماء بلدان الفضاء السوفييتى السابق، وانه يستجيب لطموحات وآمال شعبه، الا ان الرئيس الكازاخستانى تناول القضية على نحو اتسم بقدر كبير من الحساسية المفرطة فى بعض جوانبها. وكان نزاربايف سارع الى دعوة ممثلى وكالة انباء "خبر" الكازاخستانية الرسمية ليدلى اليهم بتصريحاته التى قال فيها: "انه اذا كانت القواعد التى تنص عليها معاهدة انشاء الاتحاد الاورواسيوى لا تنفذ، فان كازاخستان تملك كامل الحق فى التخلى عن عضويتها فى الاتحاد الاقتصادى الاورواسيوي. كما ان الاستانة لن تبقى ابدا ضمن اطار منظمات تشكل خطرا على استقلالية كازاخستان". ولعل صدور مثل رد الفعل الحادث عن صديق يعتبره بوتين الاقرب بين حلفائه من رؤساء بلدان الكومنولث، يقول ضمنا انه لم يكن ليقتصر على مجرد ما قاله الرئيس الروسي، وهو ما عزاه مراقبون اعلاميون الى ما سبق وصدر عن فلاديمير جيرينوفسكى نائب رئيس مجلس الدوما وزعيم الحزب الليبرالى الديموقراطى المعروف بالتطرف والتشدد القومى من تصريحات. وكان جيرينوفسكى اشار فى حديثه الى اذاعة "صدى موسكو" " الى ضرورة ان تعى روسيا ابعاد ما وصفها بالميول المعادية لها فى كازاخستان، تحسبا للحيلولة دون تكرار ما يجرى اليوم فى اوكرانيا". ومضى جيرينوفسكى الذى ولد فى كازاخستان ابان سنوات الاتحاد السوفييتى السابق، ليقول ان الكتب الدراسية الجديدة فى كازاخستان تتضمن الكثير من التوجهات المعادية لروسيا، على الرغم من انها لم تقم بغزو كازاخستان، بل انها وعلى العكس من ذلك قامت بدعمها ومساعدتها فى مواجهة الغزو الخارجى خلال حروبها مع قبائل «جونغار» الرحل فى اسيا الوسطى منذ القرن السابع عشر. ومضى جيرينوفسكى ليقول ان الكازاخيين يتناسون ما قامت به فصائل الجيش الاحمر من دور تاريخى فى طرد فلول الجونغار الى الصين، ويتجاهلون انهم الذين توجهوا الى قيصر روسيا يطلبون الانضمام الى الامبراطورية الروسية. وقالت اذاعة "صدى موسكو" المعروفة بتوجهاتها الانتقادية لسياسات بوتين والغربية الهوى فى معظم سياساتها التحريرية، ان الجماهير فى كازاخستان ردت على تصريحات الرئيس الروسى بحملة منظمة اعلنتها تحت شعار "ارسلوا كتب التاريخ الى بوتين"!. على ان ما اثاره جيرينوفسكى بشأن كازاخستان سبق وتناوله المفكر والاديب الروسى ذائع الصيت الكسندر سولجينتسين الذى كان انتقد تفريط الرئيس الروسى الاسبق بوريس يلتسين فى اراضى روسيا ومنها المناطق الشمالية لكازاخستان فى قره غندا التى طالما كانت اراضى روسية ولم يجر ضمها الى كازاخستان الا لاسباب ادارية اقتصادية تتعلق بزراعة القمح فى هذه المناطق، على نحو يعيد الى الاذهان ظروف اتخاذ قرار تحويل شبه جزيرة القرم الى التبعية الادارية لاوكرانيا فى عام 1954. ومن المعروف ان نور سلطان نزاربايف كان ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتى السابق فى 1991 الحليف الاوثق الى روسيا، فيما يظل بالنسبة للرئيس بوتين شريك الرأى والموقف الاقرب بين زعماء بلدان الاتحاد السوفيتى السابق، فى نفس الوقت الذى تظل فيه موسكو تعتبر نزاربايف احد الاركان الرئيسية لكل توجهاتها على طريق بناء تحالفاتها نحو لم شمل ما بقى من الفضاء السوفييتى السابق، فى اطار "التحالف الجمركي"، و"الاتحاد الاورواسيوي" الذى يضم حاليا روسيا وكازاخستان وبيلاروس ومن المنتظر ان يضم بين جنباته قبل نهاية هذا العام كلا من ارمينيا وقيرغيزستان. اما عن الازمة الاخرى فتتعلق بما نشرته صحيفة "ريبوبليكا" الايطالية حول ما نقله جوزيه مانويل باروزو رئيس اللجنة الاوروبية خلال اجتماع المجلس الاوروبي، عن بوتين ردا على انتقاده لتوغل القوات الروسية داخل الاراضى الاوكرانية. وكان باروزو قال ان بوتين تحول الى لغة التهديدات بقوله :" ليست هذه هى المشكلة. اننى استطيع اذا اردت، احتلال كييف خلال اسبوعين"، وهو ما سارع الكرملين بدحضه وتكذيبه، مؤكدا ان ما نقله باروزو مقتطع من سياق الحديث. وحذر يورى اوشاكوف مساعد الرئيس للشئون الخارجية من مغبة هذه التصريحات مؤكدا ان الكرملين سيضطر الى الكشف عن تسجيل كامل للمكالمة الهاتفية التى دارت بين بوتين وباروزو "صوتا وكتابة"!.