لا تهدف سلسلة «ببساطة» للسرد التاريخي، ولكن تسعى للتساؤل والتحليل بطريقة سلسة تقدم من خلالها «مادة معرفية تخلخل القوالب والصور النمطية» كما يرد فى المقدمة, ويظهر جليا منذ الاطلاع على عنوان الكتاب الثانى من السلسلة الذى صدر منذ أيام (2011, نقطة ومن أول السطر) والذى يعكس الاشكالية والتساؤل، كيف يمكن قراءة العام 2011 هل هو بداية لمرحلة جديدة تضع طموحات وأحلام الثورة معينا لها فى التطلع نحو الغد؟ أم أن هناك قطيعة مع كل ما يمثله هذا العام من حراك اجتماعى ينبغى طى صفحته والبدء من أول السطر، وكأن شيئا لم يكن؟ أم أنها قطيعة مع هذا النموذج من الانتفاضات والثورات التى يزخر بها التاريخ ويتم وأدها سريعا؟ يترك خالد الخميسى قارئه فى هذا الالتباس ويدعوه للقراءة ليكوّن هو رأيه بنفسه ويخلص للنتائج التى تحلو له، مع وعد بألا يكون هذا الكتاب عن الثورة المصرية أو الربيع العربي، كما كتب على الغلاف الخلفي. فموضوع الكتاب بشكل أساسى هو التفكير العقلانى المنطقى والفكر النقدى فى تناول أية قضية، وليكن العام 2011 نموذجا، بمعنى أنه من أجل فهم ماحدث فى هذا العام ينبغى وضعه فى سياقه التاريخى محليا وعالميا، ورصد الغضب الكامن الذى تراكم فى مصر عبرالسنوات ليصل إلى الانفجار، فضلا عن النبش فى الاضطرابات التى شهدها العالم كنماذج يمكن عقد المقارنات ما بينها واستخلاص عِبر التاريخ منها. اقتحم خالد الخميسى إذن بهذه النوعية من الكتب المبسطة التى تناسب غير المختصين، أو بالأحرى تلك المرحلة العمرية الصعبة، الوسيطة، للصبايا والصبيان، التى تتبرأ من الطفولة وتسعى للتشبث بعالم البالغين، إنها المرحلة البينية المهملة من الجميع، فقد وعى الكاتب كم الاهمال الذى تلقاه الناشئة من خطط النشر بشكل عام، والأهم من ذلك عدم البحث فى كافة الطرائق لجعل الكتاب ممتعا. ففى ستينات القرن الماضي، كانت هناك سلسلة المختار من جود ريدرز، وهى ترجمات من المطبوعة الانجليزية التى تحمل نفس الاسم، وكانت لدار الهلال أيضا سلسلة للفتيات والفتيان تعنى بمرحلة الناشئة وتعتمد على التبسيط نقلا عن الكتب الأجنبية، وهناك اليوم بعض الترجمات عن الدور الفرنسية والانجليزية تتولاها دور خاصة. أما سلسلة «ببساطة»، فلا تحدد أنها للناشئة، بل تطرح نفسها ككتب للجميع، إذ تبدو باتباعها الرسوم الأقرب للكوميكس (القصص المرسومة) والاخراج الفنى الذى يغازل صفحات الويب على الكمبيوتر، أنها تتوجه أيضا لمن يطلق عليه «البالغ الطفل» الذى اعتاد التنقل السريع بين صفحات الكمبيوتر والفيسبوك والألعاب والمعلومات الأولية من موقع ويكيبيديا، لا يريد كثرة حديث بل يعرج إلى الخلاصة، أو الإشارات الرئيسية التى تساعده بشكل أولى على تكوين رأيه فى القضية, وقد تحيله إلى البحث بشكل أوسع فيما بعد. أو قد يجد الكتاب بغيته لدى نوعية من الشباب فاجأته 2011 وواجهته بضحالة معلوماته فى السياسة والتاريخ ويريد أن يعرف ما طبيعة الثورات وسيرورتها، وهل الآخرون فى مشارق الأرض ومغاربها كانوا مثلنا أم من طينة أخرى وأى مصير لاقوه؟ أما البطل الرئيسى فهو منهج التبسيط الذى اتبعه المؤلف من خلال الرسوم الكاريكاتورية للفنان عفت وبالونات الحوار التى تفند الآراء المختلفة ومدى منطقيتها، فليس هناك صوت واحد أو رأى أوحد بل تعدد أصوات الشخصيات المرسومة هو ما يعطى العمق للقضية المطروحة. فعلى سبيل المثال، يستخدم المؤلف سؤال «لماذا؟» فى بداية الكتاب أو لماذا حدثت الثورة أو الحركة الاحتجاجية الشعبية فى 2011؟ ويستعرض الاجابات المختلفة التى تناقلها الناس، وفضلا عن مقتل خالد سعيد وعن الأزمة الاقتصادية وارتفاع شدة المطالب الاجتماعية، يعرض الكتب إحدى الاجابات التى انتشرت فى صفوف المعادين للثورة، والتى ترى أن الثورة كانت مخططا أمريكيا لتغيير النظم السياسية العربية عن طريق تدريب عدد من النشطاء العرب على استخدام الوسائط الالكترونية والبدء فى حركات احتجاج شعبية. لا يفند الكاتب هذا الرأى بالجعجعة أو بالدفاع عن القضية أو غيره من الطرق، لكنه بنفس أسلوب رسوم الكوميكس الذى لجأ إليه يعطى الكلمة للآراء المتعددة لتفند هذا الزعم بالحجة والمنطق، ففى حين هناك من يؤيد قائلا «وكيف نبرر وقوف الحكومة الأمريكية بكل قوتها من البداية مع سقوط نظام مبارك، وسقوط نظام بن على ...»، ثم يأتى صوت آخر مستنكرا هذا الكلام الذى لا يعقل : «يعنى حينزلوا عشرين مليون عربى بالريموت كنترول!». ويسترجع التواريخ الأساسية للاحتجاجات الشعبية التى ماج بها القرن العشرون حيث الأعوام من 1916 إلى 1923 التى حفلت بالثورة العربية الكبرى والثورة الروسية والثورة المجرية والألمانية والثورة المصرية فى 1919 الخ. يستعرض الكتاب هذه اللحظات فى عجالة ويتوقف عند العام 1968، ونكتشف من خلال عرضه للحراك الثورى الذى انتشر فى هذا العام وحده فى معظم دول العالم، كم تشبه الليلة البارحة. أى بمقارنة أحداث العام 1968 -الذى أسموه فى فرنسا ربيع 68 و كانت احدى شعاراته كونوا واقعيين واطلبوا المستحيل- بأحداث العام 2011 أى ثورات تونس (نهاية 2010) ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا، يتكشف للقارئ أن هناك طبيعة للثورات وأن هناك مدا للتحرر الوطنى ومدا ثوريا يجتاح البلدان فى قارات العالم المختلفة وليس فقط فى المنطقة الواحدة, وأنه لا يمكن أن تنزل الملايين فى الشوارع بأوامر بالترغيب أو بالترهيب، و يخلص أن الأمر لا يمكن أن يكون مؤامرة ,كما تبرع منذ أيام استاذ فى العلوم السياسية ليطالب بتشكيل لجنة للوقوف على أسباب مؤامرة 2011 و امكانية تلافى مثل هذه المؤامرات فى المستقبل. ويشير الخميسي، وهو المختص فى العلوم السياسية من قبل أن يكون كاتبا روائيا، إلى مظاهرات فبراير 1968 فى أنحاء العالم، فى مصر اعتراضا على الأحكام العسكرية المغلظة فى قضية سلاح الضباط، وربيع براج فى تشيكوسلوفاكيا، وتشاد، والمظاهرات الطلابية التى اجتاحت الولاياتالمتحدة و روماوفرنسا وألمانيا وانجلترا واسبانيا وبولندا واضراب طلاب الجامعات والمدارس فى السنغال، والمظاهرات والاضرابات العمالية فى ايطاليا وفى موريتانيا، كما اندلعت مظاهرات كبرى فى المكسيك ومونتريال وايرلندا الشمالية، كل هذا حدث فى نفس عام 1968 فضلا عن الانقلابات فى القارة السوداء مثل سيراليون والكونغو ومالى وغيرها. هل هذا معناه أن هناك «مواسم» للحركات الثورية؟ بالطبع لا, كما يأتى فى حوارات الكتاب، بل هى طبيعة الحراك المجتمعى الساعى إلى عالم أفضل. ويفرد الخميسى الفصل الأخير من الكتاب لتبسيط المفاهيم السياسية والاقتصادية، من نهاية النظام العالمي، ومشكلات بنية النظام الاقتصادى العالمي، وتفشى قيم قانون الغابة المعدل، والخلل فى مفهوم الدولة والمواطن، وفكرة الانتخابات والديمقراطية التمثيلية وغيرها. ويظل المعيار الأساسى لنجاح هذه النوعية من الكتب المبسطة أو التى تستهدف جمهورا واسعا لتحفيزه على السجال، هو وصوله للقاريء، والتعرف على الفئة الأوسع التى تتجاوب معه، هل هى الناشئة أم الشباب أم المهتمون بالشأن العام بشكل غير متخصص؟
الكتاب : 2011 .. نقطة ومن اول السطر المؤلف خالد الخميسى الناشر : مؤسسة دوم للثقافة الصفحات 167 صفحة