الضوابط والآداب والمعايير التي تحكم العمل الإعلامي الرشيد والمسئول، التي تتناولها مواثيق الشرف الصحفية والإعلامية، لها ارتباط وثيق بنظرة الإسلام إلى الحياة، وما يجب أن يحكمها من ضوابط ومعايير تتسم بالتخصيص والشمول، ولا تقتصر على العمل الصحفي والإعلامي فقط، بل هي منهج يلتزم به الإعلامي وغير الإعلامي، في عمله، على السواء؛ فتصبح تلك الضوابط والآداب والمعايير.. ثقافة مجتمع، بإعلام راشد، وجمهور واع، ومجتمع مسئول. هنا تبدو عظمة الإسلام جلية إذ يضع يده على الداء، ويشخص له الدواء، فيعود بتلك الضوابط والآداب والمعايير إلى إطارها المجتمعي السليم، وحاضنتها الشعبية الأصيلة.. باعتبارها جميعا وليدة بيئة، وثقافة حياة، ومنهج عَيش، وثوابت عقيدة، لا تقبل التلون، ولا التبدل، ولا التغير. وحري بمجتمع تربى أبناؤه على هذه المعاني والضوابط والمعايير أن يلفظ أي ممارسة إعلامية فاسدة، لأنها تختلف - ببساطة - عن ثقافة الناس، وتنحرف - بوضوح - عن مناهج حياتهم، وتتعارض - ببساطة - مع مباديء عَيشهم، وتتناقض - بفجاجة - مع أصول حياتهم، ومماتهم، مما يتقربون به إلى ربهم، منبثقًا من مشكاة القرآن والسنة، وتطبيقاتهما العلمية العملية: الرشيدة والقويمة. وهذه النظرة منبثقة من أنه لا تعارض في واقع الناس - ألبتة - بين صحيح النقل، وصحيح العقل، كما يقول الفقهاء، ولا بين الشرع والعلم، ولا بين الدين والدنيا، ولا بين الديني والمدني، ولا بين الإعلامي والمجتمعي، ولا بين المتغير والثابت، ولا بين الجديد والقديم، ولا بين الحديث والأصيل. السؤال الآن هو: كيف تعامل الإسلام بالفعل مع الممارسات الإعلامية (الإنسانية)، التي تتعارض مع الشروط المهنية، والمواثيق الإعلامية.. تلك الممارسات التي تتسبب في مضار إنسانية وخيمة، تتمثل في: نشر البغضاء بين المواطنين، وإضعاف الأواصر بين أبناء المجتمع، وإيغار الصدور، وإفساد ذات البين، وملء القلوب حنقًا وغيظًا تجاه المخالفين، وقلب الناس بعضهم على بعض، بسبب افتراء الكذب، وبث الفتن، وترديد الأكاذيب، وتبني البهتان، واختلاق الشائعات، وتغذية الانقسام، وبث الكراهية، والحض على العنف والعنصرية، والتعتيم على الحقائق، وتغييب قيم: العدالة والنزاهة والإنصاف وعدم المحاباة والدقة والموضوعية.. إلخ؟ ويُضاف إلى ذلك التساؤل حول موقف الإسلام من ممارسات سلبية "إعلامية - إنسانية" أخرى أبرزها: الحكم على النيات، والتفتيش في الضمائر، وإساءة الظنون بالناس، والجرأة في تصنيفهم، وإطلاق التعميمات والاتهامات المرسلة بحقهم، والتشكيك في سمعتهم، والتحريض على احقتارهم، وإشاعة السب، والشتم، واللعن، والقذف، والغيبة، والنميمة، والتشهير، والشماتة، والتدابر، والتحاسد، والتباغض، والترويج لثقافة: "هلك الناس"، التي تبعث على الشعور باليأس من إصلاحهم، وتشجيع الفُجُور في الخصومة، والاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، وغير ذلك من ظواهر "إعلامية – مجتمعية" سلبية. هذا في وقت دعا الإسلام فيه إلى نبذ الحزبية والتعصب، والتحلي بالنزاهة والعدالة والإنصاف، ولو على النفس؛ مع التحلل من المظالم، وتحري صدق المعلومة قبل تداولها، وهو ما يسميه القرآن ب"التبين" أو "التثبت".. قال تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ".(الحجرات:6). إضافة إلى لين القول، وحلو المنطق، ولطيف الخطاب، وجميل الصحبة.. قال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: "اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى".(طه: 43و44). ولأن الموضوع مهم، فإننا نتناوله في مقالات متتالية.. نستعرض فيها ممارسات إعلامية سلبية، واضعين إياها على محك معايير إسلامية؛ لنؤكد أن: الإعلام الرشيد، والإسلام السديد.. يتفقان، ويتطابقان.. ولا يتناقضان أو يتعارضان.. في منطلقاتهما، وأهدافهما؛ لأجل تحصيل "ما ينفع الناس"، وهو ما "يمكث في الأرض"، بحسب القرآن الكريم. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد