لم تدم فرحة عبدالرحمن محمد كثيرا بدخوله كلية الهندسة وتحقيق حلمه وحلم أسرته، تكسرت الأحلام وهو على أعتاب العشرين من عمره ولم يَزل بعدْ بالفرقة الأولى «إعدادى هندسة»، إذ هجم عليه مرض التصلب المتعدد على حين غفلة منه، حين كان هو وأسرته مهمومين بمعاناة أخته بمرض فى الكُلى. عبدالرحمن الشاب العشرينى لم ينتبه لأعراض المرض فى بدايته، أسرته من انتبهت لكسر فى جفنه الأيمن «كسر فى العين» ثم جاءته الأعراض »تتري« بعد ذلك متمثلة فى تنميل فى القدمين ينتشر رويدا رويدا حتى وسطه « تحزيم الوسط» كما يُطلق عليه الأطباء . تطورت الأعراض عند عبدالرحمن إلى أبعد من ذلك: احتباس فى البول، عدم الوقوف على قدميه، وكمعظم المصريين كان عليه دفع فاتورة « كعب داير» على الأطباء حتى يصل إلى التشخيص السليم، فحين ذهب إلى طبيب المسالك لم يجد شيئا، وحين شكا له من الأعراض، رد الطبيب: « كل ده وعايش طب روح اتعالج» لتأتى الصدمة الكبرى والهلع الأكبر حين يذهب إلى طبيب مخ وأعصاب فيذهب إلى احتمال أن ما يعانيه هو ورم فى الحبل الشوكي. الآن يعيش عبد الرحمن مع مرض التصلب المتعدد منذ سبع سنوات هو ونحو 50 ألفا من الشباب المصرى ، يعانون وحدهم، يبكون حالهم، يخوض معظمهم رحلة التشخيص الخطأ ومن ثمّ العلاج الخطأ والتكلفة التى لا تتحملها كثير من الأسر المصرية، ثم عليهم مرة أخرى أن يخوضوا رحلة « الموت» الشهرية للحصول على علاج يوقف الهجمة على الجهاز العصبي، وإلا فمصيرهم الإعاقة الحركية، بل قد تصل إلى شلل رباعى وهم فى « عز الشباب» . حكاية المرض د. مى شعراوى رئيس جمعية رعاية للتصلب المتعدد تقول: إن هذا المرض يعد مرضاً مزمناً يسبب الإعاقة، ويوجد نحو 2.5 مليون شخص مصاب حول العالم، وفى مصر هناك تقديرات بين 40 و50 ألف مصاب. ومرض التصلب المتعدد يصيب المخ والحبل الشوكى (الجهاز العصبى المركزي) ويؤثرعلى قدرة المخ التحكمية فى وظائف الجسم، ويطلق عليه متصلبا، لأن المرض يصيب أنسجة المخ بتصلب ويستبدلها بأنسجة (غير فعالة) صلبة، والأعراض الشائعة تشتمل على الإرهاق، وحالات اختلال وظائف المثانة والأمعاء، ومشكلات فى النظر، والرعشة، والشلل التشنجي، واختلال التخاطب، وصعوبات فى البلع، والعجز الجنسي، وصعوبات فى إنجاز الأنشطة اليومية الأساسية « مثل الأكل والاستحمام وارتداء الملابس والمحافظة على نظافة المنزل» والإعاقة الإدراكية، ومشكلات فى الحركة، وآلام واكتئاب، ونتيجة لهذه الأعراض، فغالبا يؤثر مرض التصلب المتعدد تأثيراً ملموساً وسلبياً على نوعية حياة الفرد، إضافة إلى أن العديد من المصابين يضطرون إلى الانقطاع عن العمل و الاعتماد على الأقارب. وتشير د. مى إلى أن الجهاز العصبى هو ك «لوحة» مفاتيح تبعث بإشارات كهربائية عن طريق الاعصاب الطرفية إلى كل أنحاء الجسم، وهذه الاشارات (الرسائل) تتحكم بكل حركة يصدرها الجسم فى الوعى واللاوعي، ولهذا فالمرض يسبب اضطرابا فى مرور الاشارات العصبية بل يمنعها، ويتراوح أعمار أغلب المصابين بالمرض عند ظهوره ما بين 20 - 40 سنة ونادراً ما يصيب المرض الاطفال تحت 15 سنة أو الكبار فوق 50 سنة . وتضيف أن هناك مرضى يعانون من تكرار المرض، لكن القلة يصابون بمضاعفات كبيرة للمرض، فأغلبهم يعيشون حياة نشطة رغم الانتكاسة للمرض ويتكيفون مع المرض باتباع اسلوب ايجابى ونظرة ايجابية فى حياتهم، حتى هذه اللحظة وعلى الرغم من التطور الكبير فى علوم أمراض المناعة , فإن المسبب الرئيسى لهذا المرض مازال غامضا ويحتاج للكثير من البحث، والمرض يندرج تحت مظلة أمراض المناعة الذاتية ولا يوجد له علاج شاف حتى الآن، فهو كغيره من أمراض المناعة الذاتية يزيد فى النساء عنه لدى الرجال و تبلغ هذه النسبة فى الفئات العمرية المنخفضة (3 نساء مقابل رجل واحد) . صعوبة الحصول على العلاج الشباب والفتيات الذين أصيبوا بالمرض لا يستطيعون هم وأهلهم تحمل نفقات العلاج ويواجهون صعوبات كبيرة فى الحصول عليه، فلا يزال المهندس عبدالرحمن محمد بعد تخرجه العام الماضى من هندسة عين شمس يطوف على كل جهات الصحة سواء كان تأمينا أو علاجا على نفقة الدولة، فلا يكون الرد سوى أنه لا يمكن توفير سوى ألفى جنيه وكل ستة أشهر. لم تكن تلك الصعوبات التى واجهها الآن عبدالرحمن، ففى أثناء دراسته كان يخوض رحلة الموت « الحصول على العلاج « هذه شهريا، وبرغم ذلك فكر أن يبقى فى كليته لعلمه أنه لن يحصل عليه بسهولة إن هو تخرج ، «وفى كليته يوجد شباب كتير جدا بتتعمد ترسب على مادة، وفيه بنت بقالها 7 سنين فى سنة رابعة علشان لو اتخرجت مش هتلاقى العلاج» فالحصول على العلاج فى الجامعة شيء صعب جدا « كنا بنقابل أطباء يتعمدون عدم الصرف، أطباء بلا قلب، عاوزين يوفروا من الميزانية» ،» ميت حي» كان هذا الشعور المسيطر عليه إن لم يحصل على العلاج، أن يصاب بشلل نصفى أو رباعى أو فقدان للبصر، أيام مرت صعبة وعسيرة على عبدالرحمن، كان يرى فيها الاجتهاد لا قيمة له، وأنه لا محالة سيكون يوما عاجزا عن الحركة، ويبدو أن ما يفكر فيه هو ما يراه ماثلا الآن، فلا هو يستطيع الحصول على العلاج، ولا هو يستطيع الحصول على وظيفة، وإن وجد فنظرا لعدم قدرته فى الحصول على العلاج ينتهى به المطاف إلى أعمال كتابية. تدبير الموارد بحسب مصادر فى وزارة الصحة فضلنا عدم ذكر اسمها هناك 4 آلاف مريض يحتاجون إلى العلاج الشهرى منهم 800 يتعالجون بيولوجيا، بتكلفة تتراوح ما بين 7 آلاف جنيه شهريا لعلاج الهجمة التى تصيب الأعصاب الموجودة بالمخ، أو أدوية تمنع حدوث الهجمة تتراوح ما بين 15 و23 ألف جنيه. وترى المصادر أنه يجب توفير ما يقرب من 20% من ميزانية العلاج على نفقة الدولة لتوفير العلاج لمرضى التصلب المتعدد، خاصة أنه من المعروف أن ميزانية العلاج على نفقة الدولة سوف تتم زيادتها العام القادم، كما أفاد المصدر بأنه يمكن تدبير الموارد المالية المناسبة لعلاج المرضى دون إرهاق لميزانية الدولة وذلك بالاستعانة بآليات اقتصاديات الصحة وحسن إدارة الموارد المالية. النساء ثلاثة أضعاف الرجال لم يُعرف السبب الرئيسى المسبب لمرض التصلب المتعدد، وبالتالى لم يُعرف أيضا لماذا النساء ثلاثة أضعاف الرجال، لكن د. نشوى ربيع( إخصائى تحاليل) إحدى مريضات التصلب المتعدد ترى إنه ربما يكون العامل النفسى له دور فى ذلك، إذ النساء هن الأكثر عرضة للضغوط النفسية والكبت والاكتئاب. د. نشوى ليست أحسن حالا من المهندس عبدالرحمن، تعانى المعاناة نفسها فى الحصول على العلاج، ولكنها انضمت إلى جمعية رعاية مرضى التصلب المتعدد وأصبحت تساعد المرضى الجدد على تخطى الأزمات النفسية التى يحدثها تشخيص المرض. تقول» أقل شيء نطلبه هو توفير العلاج، ففلسطين المحتلة توفر العلاج لمرضاها، وعلى الأقل العلاجات التى تقلل حدوث الهجمات ومضاعفاتها» الناحية النفسية شاهدتها نشوى عن قرب» إحنا بنشوف بنات محطمة نفسيا بسبب المرض ده، وبنات بترفض الزواج لوجود إعاقة بإحدى قدميها، فيه بنت نعرفها كانت هتقطع شرايينها بسبب عجز فى إيدها» والأزمة التى تراها خاصة فى البنت هو تعامل الأهل مع أعراض المرض»قد تستيقظ البنت فتجد يدها لا تتحرك أو تنميل فى جسدها، فيحتار الأهل، وقد يذهبون بها إلى أحد الدجالين خوفا من أن يكون أصابها جن أو ما شابه، أو يعتقدون أن ذلك دلع بنات فيتأخر التشخيص وبالتالى تسوء الحالة دون أن يدروا» والأكثر إيلاما هو حين يتقدم أحد للزواج وقد حدث بالفعل مع د. نشوي» كتير اتقدموا لي، وكانوا حين يعرفون حالتى يذهبون ولا يعودون مرة أخري، لم أكن أتألم لذلك، كنت أرى أن من يوافق عليّ سيختارنى لقيمتي، حتى رزقنى الله بزوجى كريم طبيب التجميل الذى قال: من لا يشيلك فى مرضك لا يشيلك فى عافيتك» أكثر ما يؤلم فى المرض كما تروى نشوى هو كسر الطموحات »شيء صعب لما تبقى شاب ومحتاج حد يدخلك الحمام، والأصعب أن تفقد أحد والديك أو كليهما، ألم نفسى رهيب، إحنا عاوزين الحكومة تعرف مرضنا وتقرب مننا وتلحقنا قبل ما تبقى الإعاقة فى جسمنا كله».