اعتقد انه يتقافز على شفاه الكثيرين ممن تابعوا مجريات اول زيارة رسمية يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسى لروسيا . وليس سرا ان نبادر لنقول ان الكثيرين فى الداخل والخارج كانوا ينتظرون هذه الزيارة والاعلان عن موقعها، اما لتصفية حسابات من جانب «خصوم الامس» ممن كانوا يتحرقون شوقا لرد الاهانة التى تجرعوها بسبب الاستقبال «المهين» لزعيمهم السابق محمد مرسى، واما تخوفا من احتمالات ان تكون سوتشى مقرا للقاء مع الرئيس بوتين وهو ما قد يكون سببا لان يلقى السيسى نفس الاستقبال الذى لقيه الرئيس المعزول. وشددنا الرحال الى سوتشى مبكرا فى محاولة لاستيضاح ما يعده الجانب الروسى من مظاهر استقبال للرئيس، لا سيما ان «الاهرام» كانت المطبوعة المصرية الوحيدة في «سوتشى». ونأتى الى السؤال عنوان هذا «التقرير». فما شهدته الملايين من ابناء مصر والعالم غربا وشرقا، يقول بان الرئيس بوتين فاجأ ضيوفه قبل ان يفاجئ الداخل والخارج، بمثل هذا الاستقبال المهيب. فما ان ظهرت طائرة الرئيس السيسى فى سماء سوتشى تحيط بها مقاتلات «سوخوى»، حتى ادرك العالم انه امام صورة مغايرة «لاستقبال الامس»، وهو ما اكدته الابسطة الحمراء على ارض مطار «أدلر» (الاسم الرسمى لمطار سوتشي)، وحرس الشرف الذى اصطف على مقربة من مكان هبوط طائرة الرئيس. وعقدت الدهشة ألسنة الكثيرين حين ظهر سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية ليكون على رأس مستقبليه، هو مستوى غير مسبوق على غير العادة التى كانت تقضى بان يكون الجانب المضيف ممثلا فى شخصية «نائب وزير خارجية». اذن الزيارة «رسمية» كما اذاع الكرملين بموجب اتفاق الجانبين، وهو امر تشهده سوتشى لاول مرة فى تاريخها حسب مصادر الكرملين فى تصريحاتها ل«الاهرام». ولم يكتف الجانب الروسى عند هذا الحد!. فبعد استعراض حرس الشرف وعزف السلامين الوطنيين المصرى والروسي، صاحب لافروف ضيف روسيا الرسمى لتفقد نماذج من الاسلحة والمعدات العسكرية الحديثة جاء بها الجانب الروسى خصيصا الى ارض المطار فى ظاهرة تحدث ايضا لاول مرة. واذا كان الرئيس بوتين حرص على ان يستهل الضيف المصرى زيارته لسوتشى بتفقد عدد من المنشآت الاوليمبية العصرية، وهى الجولة التى اصر على ان يرافقه فيها بنفسه، فانه عاد وصحب الرئيس السيسى مرة أخرى بعد انتهاء الشق الرسمى للمباحثات، لتفقد الطراد «موسكفا»(موسكو) احد اهم القوى الضاربة للاسطول الروسى بما يحمله على متنه من معدات وصواريخ منها منظومات «اس-300» المضادة للطائرات والتى قال بوتين انها سوف تستبدل قريبا بمثيلاتها المتقدمة من طراز «اس-400» و«اس-500». ومضى بوتين فى مفاجآته حيث دعا الرئيس السيسى الى عشاء خاص فى احد مطاعم المدينة، اقتصر عليهما مع المترجم، وكان فاديم كيربيتشينكو نائب رئيس قسم مصر فى الخارجية الروسية وابن سفير موسكو الحالى فى القاهرة سيرجى كيربيتشينكو!. ولم يقتصر الامر عند هذا الحد، حيث كان بوتين ايضا فى صدارة مرافقى الرئيس السيسى والوفد المصري، لحضور العرض الفنى الموسيقى «أضواء المدينة»، فى استاد «ايسبيرج» فى سوتشي. ونأتى الى محاولة تفسير ما وراء هذا «التكريم» الذى خص به بوتين الرئيس السيسى فى اول زيارة رسمية له لروسيا. قد يقول قائل ان «توقيت الزيارة» يحدد الكثير من ملامح العلاقة الخاصة التى نشأت بين الزعيمين. وذلك صحيح، فكلا البلدين يتعرضان الى موجة حادة من الارهاب والضغوط التى تمارسها قوى خارجية، ما تنشأ معه الحاجة الى البحث عن الاصدقاء والحلفاء لمواجهة الاخطار المشتركة. وقد يقول آخر ان ملامح «كيمياء العلاقات الشخصية» ظهرت مبكرا بين الرئيسين وهذا صحيح ايضا، كان بوتين كان اول من قدم التهنئة بفوز السيسى بالرئاسة.ومن الصحيح ايضا ان بوتين توقف بالكثير من مشاعر الاعجاب ب» جنرال» خرج من حكومة النظام لينضم الى الجماهير المتدفقة من أبناء شعبه اعتراضا على سياسات الطغمة الاخوانية المتطرفة. وكانت المصلحة المشتركة للبلدين ولكل العالم المتحضر، تقتضى التصدى لهذا التنظيم الارهابى الدولي، الامر الذى كما يقول كثيرون فى روسيا يستحق ليس فقط الاعجاب والتقدير، بل وايضا الدعم والتاييد. ونأتى ختاما الى المشترك الذى يجمع بين الزعيمين واعتقد انه يمكن ان يكون اساسا لعلاقة شخصية، قد تمتد طويلا وتعيد الى الاذهان بعضا من مشاهد تاريخ الامس القريب يوم كان الزعيم عبد الناصر احد اهم الشخصيات التى تؤثر القيادة السوفيتية التعامل معها اعجابا وتقديرا. فالزعيمان متقاربان فى السن وينتميان الى نفس المدرسة الامنية اى جهاز المخابرات التى يقول اساطينها «ان رجل المخابرات لا يتقاعد»، وهو قول نقله فلاديمير بوتين عن هنرى كيسنجر المستشار الاسبق للرئيس الامريكي، كما ان الزعيمين يواجهان اليوم عدوا مشتركا، لا احد يصعب عليه تسميته، وهو ما يتطلب تنسيق الجهود، والبحث عن الكثير من المشترك لمواجهته بعيدا عن اعباء وقيود «الاحلاف الرسمية»، التى تقول ان الانضواء تحت راية اى منها، يعنى التفريط فى جزء من استقلالية القرار، وهو ما لا ولن يرتضى اى من الزعيمين القبول به !!. ونتوقف لنضيف ان الزيارة المرتقبة للرئيس بوتين تلبية للدعوة التى قدمها اليه الرئيس السيسى للقيام بزيارة رسمية للقاهرة، قد تكون فى اكتوبر او نوفمبر من العام الحالى، حسب مصادر رسمية روسية فى تصريحاتها «غير الرسمية» ل«الأهرام».