في خضم تداعيات جمعة قندهار الشهيرة وما شهدته مصر من أحداث مؤسفة ومشاريع لقوانين وبدع تعود بنا لعصور الجاهلية وتستهدف تقسيم المصريين لفسطاطين وقع بين يدي سيناريو لفيلم، من المؤسف أن عنوانه واسم كاتبه سقطا من ذاكرتي فلم أعد أذكر من هذا السيناريو العبقري- الذي لا أعرف ما آل إليه !!- سوي اسم مروان وحيد حامد الذي كان من المُفترض أن يُخرجه، ومشهد أسطوري يندفع فيه الشباب للقفز من شرفات قلعة الموت لتتناثر أشلاؤهم فوق الصخور تنفيذا لأوامر حسن الصباح زعيم طائفة الحشاشين... ولقد ظلت كلمات الصباح، فيما كان يُبشر أتباعه بقرب وصولهم للفردوس والتمتع بمباهجه لحثهم علي القتل والسلب واستباحة الأعراض بضمير نقي، تلاحقني في كل مرة يباغتني فيها نبأ مفزع من قبيل رجم النساء أو هدم الأضرحة والكنائس الأثرية في تونس ونيجيريا وليبيا والعراق وسوريا أو مع شيوع فيديوهات تؤرخ لبداية دوري كروي جديد ولكن برؤوس البشر!!.. واليوم ومع تصاعد العنف المُمنهج في الدول العربية والتهديد بنقله لأرض الكنانة، للمرة الثانية يهديني القدر ما أظنه أشبه بمذكرة تفسيرية ودليل للاستدلال علي ما يحدث وما قد يأتي به الغد عبر سطور مسرحية جنة الحشاشين للكاتب إبراهيم الحسيني. فالمسرحية التي كتبها مؤلفها مرة بالعامية وأخري بالفصحى في عامي 2005 و 2007استقي مادتها من التاريخ. ورغم أن الكاتب خصص مشهداً يروي كيفية استلاب الصباح لعقول أتباعه، الأمر الذي استلفت انتباهي في البداية، إلا أن المسرحية ككل تقدم رؤية أرحب للصراع بين شهوة القوة والسلطة وارتحالات الروح من خلال ثلاث شخصيات جمعتهم الدراسة في الطفولة هم، حسن الصباح زعيم الطائفة الإسماعيلية النزارية، (تعددت أسماؤها طبقا لمنظور من يؤرخ لهم، فهم الحشاشون والقتلة والعسعس والمحاربون والفدائيون)، والوزير نظام الملك، والفيلسوف وشاعر الرباعيات عمر الخيام الذي تخصص في الرياضيات والفلك واللغة والفقه والتاريخ، والذي قدمه المؤلف ليكون بمثابة المعادل الموضوعي في الصراع بين العقل وبين السلطة الممثلة في مُلك شاه ونظام الُملك، وفي المتسربلين برداء الدين بحثا عن السلطة في شخصية حسن الصباح وأتباعه. ولقد استلهم الكاتب من صفحات التاريخ ما يكشف أبعاد الشخصيات الثلاث وأسلوب الصباح في تجنيد أعوانه وإقناعهم بتنفيذ أوامره. ففي مشهد كاشف يروي أحد رجال الحاشية ما يدور في قلعة الموت واستلاب الصباح لعقول أتباعه بتناول الحشيش وتعاطى الأفيون. وبتداخل بين سردية القص واللعبة المسرحية (والسينما توغرافيا في أكثر من مشهد) يعايش متلقي العمل حالة أشبه بالتقمص.فبينما يتحدث فيها الصباح عن مباهج جنة اصطنعها من قصور وجواري وقنوات من العسل واللبن، يتناول الفتيان المخدر في شرابهم وحينما يفيقون يحدثون الناس عن ما شاهدوه بين الغفوة والصحو، وعن رؤيتهم للجنة ولأولياء صالحين يبشرون بحسن الصباح!! ورغم أن الكاتب يلتقط لحظة من تاريخ طويل لعب فيه الحشاشون أدوارا أدت لتدهور الأحوال في دولة السلاجقة والدولة الفاطمية في مصر واغتيال الوزير بدر الدين الجمالي ثم الخليفة الفاطمي الآمر بحكم الله في القاهرة علي يد عشرة من الحشاشين، إلا أنه بتقنية مسرحية عالية وظف اللحظة لتكون بمثابة نقطة فاصلة واصلة بين زمنين.فرغم أن أحداث المسرحية تدور في القرن الخامس الهجري وأن شخصيات العمل تتحرك بين مدينة أصفهان وقصر ملك شاه وقلعة الموت، إلا أن الكاتب استطاع أن يقفز بالمتلقي ما بين ماض سحيق وحاضر تحاصره فيه وجوه ورؤى تبدو وكأنها اخترقت حجب الزمن.. ولقد اختار الحسيني أن يضع لكل مشهد في العمل عنوانا يستشرف أفق النص ويشحذ ذهن المتلقي، وإن كنت أظن أن العناوين التي تضمنها النص العامي أكثر دلالة وحيوية من تلك التي استخدمها في نص الفصحى ورتبها هجائيا. فمع حرف الألف يوظف الكاتب تقنية سردية ليصف المكان ويرسم ملامح الماضي.. ومع تنامي الحدث وعبر عناوين فاصلة واصلة يتماهي الماضي مع الحاضر وتتلاشى الفواصل الزمنية والشخصيات التاريخية فلا يبقى سوي معالم الصراع الأزلي بين العقل وشهوة البحث عن الحقيقة وجوهر الكون وبين غواية السلطة ومحاولة الحفاظ عليها بالقوة أو الوصول إليها عبر تزييف الوعي.وعبر حوارات كاشفة يتشظي الماضي وتسقط الأقنعة فيظهر الصدام بين العقل والروح والسلطة الغاشمة، ويبدو الصباح وأتباعه رمزا لكل إرهاب تخفي وراء شعارات دينية وإن اختلفت المسميات. ولأن اللحظة ذرة في عمر الزمن، فمع دموع يذرفها الخيام علي جثمان حبيبة يردد الفضاء صدي صوتها وهروب الصباح، تظل النهاية مفتوحة.. تُجبرنا علي تخيلها واستيعاب مضمون العمل،عسي ألا نصبح وقودا لجهنم الحشاشين..