عادت من جديد أخبار فنزويلا تملأ صفحات الجرائد ووسائل الإعلام بعد أن كان قد هدأت تلك البلد الذى عانى من احتجاجات ومسيرات غضب وعنف إستمرت لعدة أشهر وأسفرت عن مقتل العشرات وجرح المئات. ولكن الحديث هذه المرة عن انتخاب الرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو رئيسا للحزب الاشتراكى الموحد فى أول مؤتمر للحزب منذ وفاة مؤسسه الزعيم الراحل هوجو تشافيز الذى أختير أيضا قائدا خالدا للحزب الذى يضم فى عضويته أكثر من 7 ملايين عضو فى فنزويلا البالغ عدد سكانها 30 مليون نسمة. وقبل انعقاد هذا المؤتمر وإعلان انتخاب مادورو رئيسا للحزب شكك بعض المحللين فى قدرته على الفوز بهذا المنصب نظرا للتحديات التى واجهت الرئيس الفنزويلى من تردى الوضع الاقتصادى والأمنى بعد مرور أكثر من عام على إنتخابه, وعدم وفائه بالوعود التى أطلقها أثناء حملته الإنتخابية بجانب انحرافه عن النهج التشافيزي, وكانت النتيجة أن ارتفع التضخم لنسب تقارب الستين بالمئة، وتعرضت العملة الصعبة لنقص حاد وعجز فى الميزانية يتجاوز ال15%, بجانب تقارير بعض المنظمات غير الحكومية والتى تحدثت عن مصرع نحو 25 ألف شخص بجرائم خلال عام 2013, وأخيرا وفى الرابع من فبراير الماضى أضيفت إلى المشهد حركة احتجاج شعبية بدأها الطلاب وواكبهم فيها أنصار المعارضة وإمتدت الحركة تدريجيا فخرج الاف المتظاهرين فى العاصمة كراكاس واندلعت أعمال عنف على هامشها أسفرت عن سقوط 41 قتيلا و600 جريح. ورغم كل الصعاب التى يواجهها مادورو هناك أيضا مسألة تضييق الحريات المدنية, فمع بدء محاكمة زعيم المعارضة المسجون "ليوبولدو لوبيس" والمتهم بإشعال احتجاجات فبراير الأخيرة المناهضة للحكومة, نشر موقع البى بى سى على الإنترنت تقريرا عن هذه القضية وإتخذ من جملة المعارض عنوانا للمقال حيث كتب "المحاكمة اختبار حقيقى للديمقراطية فى فنزويلا", ف"ليوبولدو" الذى لم يتوقف عن التنديد بالانحرافات الاستبدادية للرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو منذ وفاة تشافيز، تحول من مجرد زعيم للمعارضة إلى مشروع شهيد فى أعين مؤيديه منذ أن تعهد بأنه لن يترك مادورو يُكمل فترة ولايته التى تنتهى فى 2019، معتبرا أن فنزويلا لا يمكن أن تتحمل حكومة مادورو, فهو يرى أنه ليس من العدل أن تنتظر مقاومة الفقر ومكافحة الاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة والعصابات، التى تفتك بالنسيج الاجتماعى للبلاد، خمس سنوات أخرى. هذا الأربعينى هو واحد من رموز الجيل السياسى الجديد فى البلاد على غرار معلمه السابق إنريكى كابرليس، المرشح الذى فشل فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وبشعبيته الكبيرة، أصبح ليوبولدو لوبيز، الذى يعلن انتماءه ليسار الوسط ، يشكل خطرا على التشافيزية لأنه يمثل بديلا يتمتع بمصداقية. أصبح ليوبولدو، وقد وصفته الحكومة الحالية ب "الفاشي" هدفا المطلوب خنقه وإسكاته، خاصة وهو ما انفك يردد أن فنزويلا تنحرف بإتجاه الاستبداد، وأن الوضع أسوأ مما كان عليه زمن تشافيز، وأن طبيعة النظام قد تغيرت وأن الدولة تحاول إبتلاع كل شيء، وأن هناك سجناء سياسيين وحالات تعذيب وانتهاكات لحرية التعبير ووقف بث إذاعات وتليفزيونات، والاعتداء على النواب، مشددا على أن فنزويلا ليست دولة ديمقراطية وإنما تقترب من الديكتاتورية, على حد قوله. سليل سيمون بوليفار الذى أصبح بطل شريحة هامة من الشعب الفنزويلى أرهقها نقص المواد الأساسية والتضخم، وأنهكها انعدام الأمن والفساد يواجه إتهامات قد تودى به فى السجن لسنوات طويلة, لكنه من المؤكد أنه سيظل شوكة فى ظهر حكومة مادورو وذريعة لمنظمات حقوق الإنسان والحريات لمهاجمة نظام الرئيس الحالي, خاصة وأن "ليوبولدو"هو الذى بادر بتسليم نفسه للسلطات والتى قامت بدورها بوضعه فى السجن الحربى لحين محاكمته. مسمار أخير من الممكن أن يدق فى نعش النظام "المادوري" هى بوادر الإنشقاق والإنقسام داخل التيار التشافيزي, والذى كشفه قرار إقصاء وزير المالية خورخى جورداني, الماركسى المتشدد وأحد مهندسى السياسة الاقتصادية فى فنزويلا، من الحكومة بقرار من الرئيس نيكولاس مادورو. جوردانى الذى كان أحد أقرب مساعدى الرئيس الراحل هوجو تشافيز فى الفترة من (1999-2013), يحمله الكثيرون مسئولية التضخم القياسى الذى يضرب البلاد بسبب سياسته الصارمة لصرف العملات المطبقة فى هذا البلد النفطى منذ 2003, وهم بذلك يدافعون عن قرار مادورو بإقالته ومنهم المحلل السياسى جون ماجدالينو الذى صرح لوكالة "فرانس برس" أن رحيل جوردانى يندرج فى اطار استراتيجية تهدف إلى إضفاء الليونة على السياسة الاقتصادية, وأن الحكومة مجبرة لمواجهة هذا التضخم إلى إتخاذ مثل هذه القرارات, ولكن صحف أخرى رأت فى قرار الإقالة هذا محاولة من مادورو للتخلص " تدريجيا" من "الحرس القديم" وأن هدفه بناء إرث خاص به بعيدا عن " التشافيزية", بينما ذهب البعض الأخر وقال إن هذه الخلافات ماكانت لتظهر أبدا فى ظل وجود تشافيز فى الحكم, وأنها بدأت تطفو إلى السطح فى عهد مادورو الذى وصفوه بأنه غير قادر على السيطرة على الموقف نظرا لحضوره الضعيف بخلاف أبيه الروحى تشافيز. أيا كانت الأسباب من المؤكد أن مادورو يواجه طريقا متعثرا مليئا بالمطبات والحفر العثرة, فهل يستطيع سائق الحافلة والنقابى السابق أن يتجاوزه بأقل خسائر ممكنة؟