الغارات الإسرائيلية تدمر 6 مبان سكنية بشكل كامل في الضاحية الجنوبية لبيروت    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مدينة «البيرة» الفلسطينية    أردوغان: أفعال إسرائيل في غزة ولبنان تهدد الأمن العالمي    أصالة لجمهور حفلها في عُمان: «سنين طويلة وأنا باحلم باللقاء»    خبير: فشل النظام الدولي شجع دولة الاحتلال على القيام بالمزيد من الجرائم    ملف يلا كورة.. حكام السوبر المصري.. مران الأهلي الأخير.. واعتذار الزمالك    3 عقوبات تنتظرهم.. وليد صلاح يكشف الحكم الذي ينتظر ثلاثي الزمالك بالإمارات (فيديو)    ضحية السوبر.. الحضري يكشف مفاجأة عن مستقبل كهربا مع الأهلي    محافظ بورسعيد للمعلمين المحالين للمعاش: رسالتكم لم تنتهِ.. وأبناؤكم وأحفادكم أمانة فى أيديكم    تصل إلى 50 ألف دولار.. تعرف على قيمة جوائز مسابقة الأفلام الطويلة ب«الجونة السينمائي»    أزهري: ليس في الإسلام حد لشارب الخمر    وفاة و49 إصابة خطيرة.. اتهام ماكدونالدز أمريكا بتفشي مرض في الوجبات    ارتدوا الملابس الخريفية.. تحذير عاجل من الأرصاد بشأن طقس الأيام المقبلة    دول الخليج تستنكر الهجوم الذي استهدف شركة دفاعية في تركيا    إيران: ليس لدينا أي دوافع للتدخل في الانتخابات الأمريكية    ناصر القصبي يغازل فتاة روبوت في ثاني حلقات "Arabs Got Talent" (صور وفيديو)    قصف إسرائيلي يستهدف محيط مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة    جدول ترتيب دوري روشن السعودي قبل مباريات اليوم الخميس    «اتصالات النواب» توضح حقيقة رفع أسعار خدمات الإنترنت    محمد عبدالله: دوافع الزمالك أكبر للفوز بالسوبر المصري    أكروباتية خرافية من هالاند.. سيتي يقسو على سبارتا براج بخماسية في دوري أبطال أوروبا    النصر الليبي يعلن مواجهة الزمالك في مهرجان اعتزال أسطورته    تسلا تسجل أرباحا مفاجئة خلال الربع الثالث    حريق هائل يدمر شقة المطرب نادر أبو الليف بحدائق الأهرام    انقلاب مروع على طريق "القاهرة-الفيوم" يودي بحياة شخصين ويصيب 7 آخرين    «الأمن الاقتصادى»: ضبط 7787 قضية سرقة كهرباء ومخالفة شروط التعاقد خلال 24 ساعة    الذكرى ال57 للقوات البحرية| الفريق أشرف عطوة: نسعى دائما لتطوير منظومة التسليح العسكري    قصف جوي أمريكي بريطاني يستهدف مواقع للحوثيين في مطار الحديدة    حزب مستقبل وطن بالأقصر ينظم قافلة للكشف عن أمراض السكر بمنطقة الكرنك    نشرة التوك شو| موعد المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي.. وحقيقة رفع أسعار خدمات الإنترنت    الأزهر للفتوى يهدي طلاب جامعة عين شمس منحة لتلقي برنامج تأهيل المقبلين على الزواج (ًصور)    «شكرا أخي الرئيس».. كل الأجيال لن تنسى فضله    قصة عجيبة.. سيدة تدعو على أولادها فماتوا.. والإفتاء تحذر الأمهات من ساعة الإجابة    ما هي بدائل الشبكة الذهب؟.. الإفتاء توضح للمقبلين على الزواج    أذكار النوم: راحة البال والطمأنينة الروحية قبل الاستغراق في النوم    منها إجبارهم على شرب مياه ملوّثة .. انتهاكات جديدة بحق المعتقلين بسجن برج العرب    السكة الحديد تنظم ندوة توعية للعاملين عن مخاطر تعاطي المخدرات    برلماني: الحوادث في مصر 10 أضعاف المعدل العالمي    الأكاديمية الطبية العسكرية تنظّم المؤتمر السنوى ل«الطب النفسي»    مفاجأة بشأن موعد محاكمة ثلاثي الزمالك في الإمارات    إطلاق المرحلة الأولى لمبادرة «تشجير المدارس»    «جذع نخلة وماسورة مياه» وسيلة الوصول لمدارس 3 عزب بأسيوط    عاجل - "أفضل خيار لشراء سيارة سيدان أوتوماتيك لعام 2024 بسعر 250 ألف"    حظك اليوم| برج الدلو 24 أكتوبر.. «وقت التغيير»    حظك اليوم| برج الجدي الخميس 24 أكتوبر.. «فكر في طموحك وأهدافك»    «آركين».. «كل نهاية بداية جديدة»    بيان عاجل من هيئة السياحة حول تأشيرة الترانزيت للسعودية: ما الحقيقة؟    خبير اقتصادي: الهدف من مراجعة صندوق النقد تقليل وتيرة ارتفاع الأسعار    جامعة الأزهر تكشف حقيقة شكاوى الطلاب من الوجبات الغذائية    تهنئة بقدوم شهر جمادى الأولى 1446: فرصة للتوبة والدعاء والبركة    محافظ بورسعيد: نعمل سويًا مع الجامعة لرفع كفاءة الملاعب وتطويرها    سعر الذهب اليوم الخميس في مصر يواصل الارتفاع.. عيار 21 يحطم الأرقام القياسية (تفاصيل)    «المصريين الأحرار»: لا يوجد نظام انتخابي مثالي.. والقوائم تتجنب جولات الإعادة    تخلق عالمًا خاص.. 3 أبراج تدعم شريكاتها أثناء الحمل    حصاد 83 يوما .. حملة «100 يوم صحة» قدمت أكثر من 131 مليون خدمة طبية مجانية    وزير الصحة يبحث دعم خدمات الصحة الإنجابية مع إحدى الشركات الرائدة عالميا    لتغيبه عن العمل.. محافظ البحيرة تقرر إقالة مدير الوحدة الصحية بقرية ديبونو    محافظ المنيا: تقديم خدمات طبية ل 1168 مواطناً خلال قافلة بسمالوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«السياسات المتوازية»:
كيف يمكن لمصر الاستفادة من تجارب الدول الصاعدة؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 07 - 2014

على الرغم من أن النظم السياسية والتجارب الاقتصادية ليست سلعا قابلة للتصدير من دولة لأخرى، نظرا لاختلاف «السياق القاعدى» الذى ترتكز عليه الدولة فى نهضتها من موقع جغرافى وآرث تاريخى وشكل نظام سياسى وواقع اقتصادى ووضع اجتماعى وتكوين ثقافي، إلا أن استعراض خبرات الدول الصاعدة أو القوى البازغة فى النظام العالمي، وفقا لمؤشرات محددة، فى مناطق مختلفة من العالم
يمثل نوعا من الأفكار «نصف المضاءة» للدول التى تمر بظروف داخلية مشابهة وتحولات خارجية متقاربة، على نحو ما تشهده مصر، فى المرحلة الحالية، من تعقيدات فى تجاوز «العتبة الانتقالية»، بما تنطوى عليه من تحقيق التوافق الوطنى والاستقرار الأمنى والنمو الاقتصادى والعدل الاجتماعى والانفتاح الخارجى، مع إدراك إن وحدة المشتركات بين الدول قد لا تقود بالضرورة إلى وحدة فى المسارات، حيث ستتخذ كل واحدة منها مسارا مغايرا، تحكمه خصوصية الحالة، وطبيعة إدارة المرحلة الانتقالية والقوى السياسية المتحكمة فيها، والتحالفات القائمة فيما بينها، وحجم تركة الأنظمة السلطوية السابقة، فى سبيل الانتقال من الثورة إلى الدولة.
وهنا، تستعرض صفحة مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام نماذج عملية لا تطرح «خلطة سرية» وإنما تقدم رؤية استراتيجية فى تحديد البدائل أو الخيارات التى تكون متاحة لدولة معينة لإحداث التغيير وشعور قطاعات واسعة من المجتمع بحدوثه، مع الأخذ فى الاعتبار وجود تحديات تعترض مسار هذا التغيير، وهو ما تشير إليه د.أمانى الطويل رئيس وحدة العلاقات الدولية بالمركز فى تشخيصها لحالة جنوب افريقيا، بعد مرور عقدين من الزمن على تصفية النظام العنصري. فى حين ترى أ.أمل مختار الباحثة بشئون أمريكا اللاتينية بالمركز أن الاقتصاد هو مفتاح التغيير فى تجربة البرازيل، على شريطة استناده لأبعاد اجتماعية، بما يحسن أوضاع الطبقات الفقيرة ولا يفرض عليهم المزيد من الأعباء، مع تدشين سياسة خارجية نشيطة قائمة على تحالفات متوازنة سواء مع دول الجوار أو غير الجوار. فالديمقراطية الوليدة هى التى تتماشى فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مع الحقوق السياسية، ويتناغم فيها البعد الداخلى مع التمدد الخارجي، من خلال إتباع حزمة من «السياسات المتوازية» على نحو يقود إلى «جمهوريات جديدة».
المحرر
____________________________________________
أبعاد «الإعاقة الداخلية» فى النموذج الجنوب إفريقي
د.أمانى الطويل
تعيش جنوب إفريقيا أجواء إحتفالية هذا العام بمناسبة الذكرى العشرين لنهاية سياسات الفصل العنصرى وتمكن العنصر الأفريقى الغالب فى البلاد من الثروة والسلطة فى نظام وضع دستور هو الأشهر إفريقيا وربما عالميا بسبب حالة التوافق الاجتماعى التى بنيت حوله وذلك بعد فترة انتقالية مشهود لها بالنجاح ولعبت دورا ملهما لكثير من المجتمعات العربية والأفريقية فى لحظات التحول السياسى، التي غالبا ما تظهر خلالها تعقيدات وخلافات بين القوى السياسية، جعلتها تعيش مراحل انتقالية متعددة وليس مرحلة انتقالية واحدة.

القوة الصلبة
وفضلا عن هذه القوة الناعمة لجنوب إفريقيا فإن لديها أيضا عوامل لقوة صلبة لايستهان بها ممثلة فى مكانة متقدمة من حيث القدرات العسكرية، فإن جنوب إفريقيا تحتل المرتبة الأولى بين دول السادك فى الإنفاق العسكرى (1.8 مليارات دولار)، وكذلك حجم القوات المسلحة وهى الثانية فى إفريقيا بعد مصر من حيث ميزانية الدفاع حوالى 3 مليارات دولار. وعلى الصعيد الاقتصادى، تنتج جنوب إفريقيا 44% من الناتج الإجمالى لإفريقيا جنوب الصحراء وأكثر من 40% من صادراته الكلية أما الثروات الطبيعية فإنها المنتج الأول للبلوتونيوم، والذهب، والكروم على مستوى العالم، بالإضافة إلى الحديد، والنحاس وهى لا تعتمد فقط على تصدير هذه المواد فى صورة خام، وإنما يتم استخدامها فى الصناعات التحويلية، وهو ما يجعلها قوة صناعية أساسية فى إفريقيا مجتمعة، حيث تسهم الصناعة بنسبة 27% من حجم الناتج المحلى الاجمالى.
تحديات حادة
على أن هذه المعطيات الإيجابية والتى رشحت جنوب إفريقيا لصورة نمطية إيجابية فى الذهنية العالمية والعربية تواجه اليوم تحديات بالجملة قائمة على توترات عرقية ومستويات بطالة مذهلة وصلت الى ما يزيد على 25 % فضلا عن مستويات للفقر تصل الى حد الجوع حيث يعيش الفرد على أقل من دولارين يوميا فضلا عن مستويات فساد مذهلة أيضا طالت الرئيس نفسه وحزبه المؤتمر الوطنى الذى أسسه الزعيم الراحل نيلسون مانديلا.
كما أن هناك تدنيا لمستويات الأمن الى حد تراجع القدرة على جذب مزيد من الاستثمارات الاجنبية وإغلاق بعض المؤسسات مثل المدارس مثلا فى بعض الأنحاء بسبب عدم قدرة الدولة على تأمين الطلبة. ويضاف الى ذلك توترات عرقية وعنصرية شهدتها جنوب أفريقيا خلال الاعوام الثلاثة الماضية على خلفية التفاوت الطبقى الهائل فى جنوب إفريقيا، والذى يهدد على نحو ما بنية الدولة ذاتها خصوصا وأنها قد انتهجت العنف والقتل فى إضراب عمال المناجم عام 2012 فى منجم لونمين للبلاتينيوم.
وعلى الرغم من تصدر حزب المؤتمر الوطنى (الحاكم) المشهد السياسى إلا أن إمكانيات إنحساره السريع قائمة بخروج بعض الأقاليم المحلية من دائرته الانتخابية وانضمامها إلى حزب التحالف الديمقراطى المعارض، كما حدث فى إقليم الكاب الغربى (كيب تاون) بسبب قضايا الفساد. كما أن توازن سياسات الحزب بين الأقطاب العالمية لم يعد متاحا بالقدر المطلوب محليا فى ضوء صعود كل من الصين وروسيا والاحتكاك مع سياسات الولايات المتحدة الامريكية على الصعيد العالمى بما يبشر باستقطاب غير مسموح فيه بالتوازن بين فريقين كما جبلت على ذلك سياسات جنوب إفريقيا.
وقد أنعكس هذا التطور داخليا فى عدم ثبات التركيبة الحزبية حيث ظهر فى دورة انتخابات (2010)، إنشقاق بعض الليبراليين عن المؤتمر الوطنى الحاكم، كما أنه فى دورة انتخابات (2014)، أنشق اليسارى المُتشدد (جوليوس ماليما) عن المؤتمر الوطنى الحاكم، وأسس حزب (مناضلون من أجل الحرية الإقتصادية). وفى ظل تململ إتحاد العمال الجنوب إفريقى (كوساتو) ربما يكون انشقاقه هو الآخر متوقعا فى الانتخابات القادمة.
وإنطلاقا من هذه المتغيرات الخارجية والتحديات الداخلية ربما تواجه جنوب إفريقيا معوقات على مستوى أدوارها الإقليمية حيث إن لجنوب إفريقيا دورا مشهودا خلال العقدين الماضيين على المستوى الاقليمى من حيث الفاعلية والانجاز فى العديد من الأزمات الإفريقية وقد دعم الرئيس الجنوب إفريقى إمبيكى هذا الدور بمبادرته المسماة النهضة الإفريقيةAfrican Renaissance والتى تدعم تعزيز السلام والديمقراطية والتنمية المستدامة ومعطيات الحكم الرشيد المتفق عليها عالميا.. وهذا ما يفسر جهود جنوب إفريقيا فى تطوير منظمة الوحدة الأفريقية ليخلفها الاتحاد الأفريقى ودعم مبادرة الشراكة من أجل التنمية فى إفريقيا «نيباد» وذلك ضمن خمس مؤسسين منها مصر.
علاقة ملتبسة
وعلى صعيد العلاقات المصرية الجنوب إفريقية فيمكن القول إنها ملتبسة الى حد كبير بسبب تنازع الإرادة السياسية فى البلدين ما بين أمرين الاول علاقات تنافسية فرضتها بعض الملفات مثل عضوية مجلس الأمن واستضافة كأس العالم واستضافة برلمان عموم إفريقيا وأيضا الموقف من إزاحة الأخوان المسلمين عن الحكم فى مصر 2013 والثانى العلاقات التعاونية التى يفرضها الوزن الأقليمى لكل من مصر وجنوب إفريقيا والمسئوليات السياسية والاقتصادية والأخلاقية تجاه القارة الأفريقية من ناحية، والعوائد المنتظرة للتعاون بين البلدين خصوصا على الصعيد الاقتصادى.
وربما يكون من الأمانة القول بوجود تقاعس مصرى تاريخى إزاء جنوب إفريقيا على عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك فلم يحضر الأخير حفل تنصيب نيلسون مانديلا المناضل الأفريقى الاعظم عام 1994 وأرسل وزير خارجيته السيد عمرو موسى كما أن جهود التواصل على الصعيد الاقتصادى فى مرحلة ما قبل ثورة 25 يناير لم تلق تفاعلا مصريا جيدا. وبالرغم من ذلك، فإن فرص تعزيز التعاون بين البلدين مازالت قائمة ومطلوبة ويدعمها أن عوامل التنافس بين البلدين هى عوامل مؤقتة، وأن الصراع غير وارد بسبب تباعد المجال الحيوى لكلا البلدين عن الاخر فبينما حوض النيل وتجمع الكوميسا هو مجال مصر الحيوى فإن جنوب الصحراء الأفريقية وتجمع الساداك هو مجال جنوب أفريقيا الحيوى.
وبطبيعة الحال يمكن التجاوز مصريا عن موقف جنوب إفريقيا من نظام 30 يوينو بعد عودة الفاعلية لعضوية مصر فى الاتحاد الأفريقى منذ قمة ماليبو فى غينيا الاستوائية الشهر الماضى وربما يمكن تفهم الموقف الجنوب إفريقى الأخير من مصر فى ضوء المعطيات الداخلية بجنوب إفريقيا وطبيعة تأثير علاقات القوى السياسية والأحزاب على الموقف الخارجى لجنوب إفريقيا حيث إن تركيبة الأحزاب الجنوب إفريقية تقوم على أسس عرقية واضحة.
فالمؤتمر الوطنى الحاكم ذو الأغلبية السوداء يميل اليه قطاع من المسلمين ينشط فيهم الإخوان، وحزب التحالف الديمقراطى المعارض ذو الغالبية البيضاء يميل اليه قطاع من الأقلية اليهودية. وهذه التركيبة العرقية لها دور واضح فى تواصل الأحزاب المحلية مع بعض الدول الخارجية وفق مصالح سياسية قائمة على التوافق العرقي. كما أن خلو الدستور الجنوب إفريقى من نص يمنع قبول الأحزاب المحلية الدعم الخارجى قد ساعد على تفاقم ظاهرة التواصل الحزبى مع الخارج.
فرص متاحة
وربما تدفع المتغيرات العالمية كلا من جنوب إفريقيا ومصر لنوع من التعاون الاقليمى يتيح لكليهما فرصا اقتصادية كبيرة بعيدا عن الأستقطابات العالمية وفى إطار التجمعات الاقليمية الأقتصادية فلدينا نحن الافارقة سوق هائلة تقدر بمليار نسمة وطاقة جبارة ممثلة أن معظم سكان القارة من الشباب ومواد وثروات طبيعية فضلا عن موقع القارة المتوسط فى العالم بما يتيح إمكانات تجارية وأيضا قدرات صناعية لايستهان بها وقادرون بالتأكيد على تجاوز كل التحديات اللوجستية المرتبطة بتطوير علاقات مصر بجنوب إفريقيا فمتى نغتنم فرصنا المتاحة لنواجه تحدياتنا المشتركة.
------------------------------------------------------------------------------------------
«الأسس الاجتماعية للإصلاحات الاقتصادية».. مفتاح النموذج البرازيلى
أمل مختار
تمثل البرازيل نموذجا للدول المتوسطة التى تمتلك رؤية طموحة فيما يخص وضعها الدولى يصل الى حد سعيها للحصول على مقعد دائم فى مجلس الامن، وذلك بعد أن كانت البرازيل شأنها شأن العديد من دول الجنوب تعانى من مشكلات اقتصادية واجتماعية تكاد تعصف بها خلال العقود السابقة، بالإضافة الى تدهور حاد فى الحريات العامة واحترام حقوق الانسان وزيادة معدلات الفقر والجوع وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية خلال فترة الحكم العسكرى الديكتاتورى وما تلاه من فترات انتقالية بعد التحول الديمقراطى فى عام 1985. لكن الأوضاع أخذت فى التغير التدريجى، حتى وصل رئيس حزب العمال اليسارى لولا دا سيلفا الى الحكم فى عام 2003.
وخلال العقد الماضى، تبنت البرازيل سياسة خارجية نشيطة تجاه جوارها الاقليمى، وكانت صاحبة دور ريادى فى توحيد صفوف كل الدول اللاتينية حتى وصلوا الى حد إنشاء منظمة «سيلاك» فى عام 2011، تلك المنظمة الإقليمية التى تجمع فى عضويتها 34 دولة تقع فى القارتين الأمريكيتين فيما عدا الولايات المتحدة وكندا، وهو الأمر الذى اعتبر سابقة تاريخية حيث تمكنت الدول الأمريكية اللاتينية من اعلان وحدتها فى كيان واحد دون وجود الولايات المتحدة. على جانب آخر، امتد نشاط السياسة الخارجية البرازيلية إلى خارج اقليمها فشكلت تجمع «البريكس» مع الصين وروسيا والهند ثم انضمت لهم جنوب افريقيا بعد ذلك.
تحالفات متوازنة
إذا، فالبرازيل تقدم نموذجا للقوة المتوسطة التى تتبنى سياسة خارجية لا تقع فى خطيئة التهوين والتقليل من الذات وتتنازل طواعية عن القيام بدور فعال فى المشهد الدولى، أو تقع فى خطأ التهويل من الذات وتصور أنها يمكن ان تتحدى الدول العظمى. ولكنها فضلت التواجد فى النظام الدولى من خلال تحالفات اقليمية مع جيرانها من الدول اللاتينية أو من خلال تحالفات غير اقليمية مع دول متوسطة أو صاعدة أو كبرى أخرى مثل تحالف البريكس. غير أن السياسة الخارجية النشطة لا يمكنها بمفردها أن تساعد على نهوض دولة.
فقد أدركت النخبة الحاكمة البرازيلية أن الاقتصاد مفتاح التقدم بعد أن وصل الدين الخارجى للبرازيل فى عام 2002 الى ما يزيد على 240 مليار دولار. وبسبب هذه الديون وفوائدها العالية وشروط صندوق النقد وصلت معدلات النمو فى الفترة ما بين 1999 و2003 الى الصفر تقريبا. كما تراجع التصنيف الائتمانى للدولة وفقا لمؤسسة ستاندرد اند بور، وتراجع مؤشر الثقة فى الاقتصاد وعزف المستثمرون الأجانب والمحليون عن ضخ أموالهم داخل البرازيل، كما شهد الريال البرازيلى تراجعا أمام الدولار. وما زاد من تعقد الأمور هو أن هذا العام كان من المفترض أن يشهد انتخابات رئاسية فى شهر اكتوبر، وأشارت معظم استطلاعات الرأى إلى إمكان فوز المرشح اليسارى رئيس حزب العمال لولا دا سيلفا، والمعروف عنه وعن حزبه اليسارى رفضه الشديد لسياسة الاقتراض من الصندوق وإعلانه السابق عن ضرورة التوقف عن سداد الديون الخارجية واستخدام هذه المدفوعات فى إقامة المشروعات التنموية والانفاق على برامج الإعانات الاجتماعية.
لهذه الأسباب، شهد شهر يوليو من عام 2002 قمة الانحدار فى سعر العملة وهبوط أسعار الاسهم والسندات. لكن فى شهر اغسطس وقبل شهرين من الانتخابات الرئاسية تبدل الموقف تماما حينما اعلنت حكومة الرئيس كاردوسو عن التوصل لاتفاق نهائى مع صندوق النقد الدولى على اقراض البرازيل قرض ب 30 مليار دولار، وهو القرض الأضخم فى تاريخ الصندوق. وما حدث هو أن قام حزب العمال اليسارى بإرسال خطابا إلى صندوق النقد الدولى يعلن فيه عزمه أنه حال فوز مرشحه لولا دا سيلفا فى انتخابات الرئاسة ستقوم البلاد بسداد جميع الالتزامات المالية التى أقرها الرئيس السابق.
سياسات تقشفية
فى الواقع كان الأمر شديد الصعوبة على الرئيس لولا وحزب العمال اليسارى، الذى ظل لسنوات ينتقد سياسات الاقتراض التى كانت تنتهجها الحكومات اليمينية السابقة له، وكانت الملايين الفقيرة التى كانت سببا فى فوزه تنتظر منه تنفيذ وعوده فيما يخص تحسين مستواهم المعيشى وتوفير فرص عمل لهم والقضاء على الفقر والجوع، ولكن لولا كان مضطرا للالتزام بشروط صندوق النقد، وقد كان منها توقف الانفاق على مشروعات البنية التحتية، والتى كانت تعانى تدهورا حادا فى المناطق الفقيرة، كما اشترط الصندوق إصلاح نظام المعاشات المثقل بالديون والأنظمة الضريبية، واشترط تحقيق فائض فى الميزانية وهو الأمر الذى يعنى اتباع سياسة تقشف مرهقة للشعب، لدرجة أنه فى العام الرئاسى الأول قام بتخفيض نفقات الحكومة بقيمة 8 مليارات دولار.
كما قام لولا بمصارحة المواطنين بأنه لا مفر من اتباع سياسات تقشفية للوفاء بالتزامات الصندوق، لكنه فى نفس الوقت وضع خطة طموح لسداد القروض فى موعد اقصاه عام 2005 أى قبل الموعد المتفق عليه بنحو عامين وبالفعل نجح لولا وحكومته فى إدارة هذا الملف، وكان يرى انه لا يمكن تحقيق تقدم اقتصادى إلا إذا تحررت البرازيل نهائيا من هذه الديون.
ومن جانب آخر، عمدت الحكومة البرازيلية على التوسع فى الزراعة وخاصة قصب السكر وأيضا استخراج الفحم، وذلك لزيادة صادراتها من المواد الخام للحصول على عملة أجنبية تسهم فى دفع مستحقات الدين الخارجى. كما تبنت حكومة لولا رؤية اقتصادية اكثر انفتاحا على الاقتصاد العالمى واستخدمت سياسة خارجية نشيطة للدخول فى تحالفات وتكتلات جديدة بعيدا عن الولايات المتحدة مثل منتدى أبسا مع الهند وجنوب افريقيا وكذلك تحالف البريكس مع الصين وروسيا والهند ثم جنوب افريقيا، وهو الأمر الذى ساعد على زيادة الصادرات البرازيلية ومن ثم زيادة الاحتياطى الاجنبى.
إعانة اجتماعية
سبق ان تبنت الحكومة البرازيلية فى 1983 اثناء الحكم العسكرى سياسة تقشفية بناء على مطالب من صندوق النقد الدولى ولكن هذه السياسة أدت إلى تسريح مئات الالاف من المزارعين من أعمالهم وزيادة مدن الصفيح (العشوائيات) وزيادة نسبة البطالة مما أدى الى عواقب اقتصادية واجتماعية خطيرة. لكن لولا داسيلفا الذى اعلن فى خطاب فوزه بالرئاسة فى 2002:» نحن نضمن الاصلاح... ونضمن ان يحصل المواطنون على ثلاث وجبات يوميا» حيث أطلق فى عامه الرئاسى الاول برنامج (الجوع صفر). كما قام بضم مجموعة من برامج التحويل النقدى فى برنامج واحد عملاق عرف باسم (بولسافاميليا) أو منحة العائلة، يقوم على أساس عمل تحويلات نقدية مباشرة من خلال بطاقات الكترونية وليس عن طريق الحصول على سلع غذائية.
وقد استهدف البرنامج الأسر التى تصنف ضمن الفقر المدقع والفقر المتوسط. ونظرا لضخامة عدد السكان الذى يقترب من 200 مليون وهم فى أغلبهم فقراء، ونظرا لاتساع مساحة الدولة، تم تنفيذ البرنامج بصورة لا مركزية من خلال رؤساء البلديات. وتم وضع رقابة شعبية وفيدرالية على عمل تلك البلديات لضمان نزاهة العمل فيها. إلى جانب ذلك، قامت الحكومة باتخاذ قرارات بزيادة ملحوظة فى الحد الادنى للأجور ورفع مرتبات العمال، وتسهيل الاقتراض لصغار المزارعين، وأيضا توفير منافذ بيع للسلع الغذائية بأسعار مخفضة داخل العشوائيات والمدن الفقيرة. كل تلك السياسات وفى مقدمتها برامج التحويل النقدى المباشر أدى إلى رفع القدرة الشرائية بمعدلات كبيرة، وهو ما أدى بدوره الى تحسن سريع فى الاقتصاد البرازيلى وايضا إلى تحسين وضع الطبقات الفقيرة ورفع ملايين الأسر من مستويات الفقر الى الطبقة الوسطى.
مسارات متناغمة
كما اتسمت سياسات الحكومة بقدر كبير من التناغم لتحقيق نفس الهدف الا وهو تخفيف العبء عن الفقراء فى فترة التقشف وعملية اعادة بناء الاقتصاد الوطنى. فعلى سبيل المثال، دشنت الحكومة برنامج الأغذية المدرسية الذى يقدم وجبة أو وجبتين لتلاميذ المدارس فى الاحياء الفقيرة لتخفيف العبء على أسرهم، وفى ذات الوقت اشترطت الحكومة على البلديات شراء المواد الغذائية المقدمة فى تلك الوجبات من صغار المزارعين والتجار للمساهمة أيضا فى تحسين أوضاع الطبقات الفقيرة.
فى واقع الأمر، استطاعت البرازيل ان تخرج من الكبوة الاقتصادية وتسدد كل ديونها وتسد عجز الموازنة من خلال البرنامج الاقتصادى المتكامل والذى حمل فى طياته سياسات تقشفية قاسية ولكنه فى ذات الوقت حمل حزمة من السياسات الاجتماعية التى أدت إلى تحسين أوضاع الطبقات الفقيرة وليس تحملهم مزيدا من الأعباء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.