حكايات كثيرة وأحداث مثيرة نقرأها ونسمعها عن أقدم مؤسسة دينية تعليمية فى العالم الإسلامي، تاريخه وعمارته ومدارسه، والحياة بداخله كالاحتفالات ومجالس العلم وحلقاته عبر العصور، وكنوزه من تحف ومصاحف ومخطوطات ووثائق . منذ أكثر من ألف سنة يقف الجامع الأزهر الشريف شامخاً في قلب مدينة القاهرة المحروسة بمآذنه الخمس ومدارسه الثلاث وأروقته التي احتضنت طلبة العلم من كل بقاع الأرض، والذين جاءوا إليه ليتعلموا ثم يعودوا إلى ديارهم لينشروا نور الله والإسلام. الأزهر الشريف الذى كان وما زال شاهدًا على تاريخ هذه الأمة وتلك الديار منذ أن قام بتشييده القائد الفاطمي أبو الحسن جوهر بن عبد الله الرومي الصقلي الكاتب؛ ليكون مسجدًا جامعًا لمدينة القاهرة ،التي وضع حجر الأساس لها لتكون عاصمة للدولة الفاطمية في مصر (358 - 567 ه/ 969 – 1171 م) ، واختار له موقعًا في الجنوب الشرقي من المدينة على مقربة من القصر الكبير الذي كان موجودًا حينئذ بين حي الديلم وحي الترك في الجنوب. وقد حظي الجامع الأزهر الشريف باهتمام الأئمة الفاطميين كالإمام الحاكم بأمر الله (996-1021 م) الذي بقي من عمارته للجامع باب خشبي ضخم، وكان أول من أوقف الأوقاف على الجامع الأزهر الشريف بموجب وقفية تدل على مقدار المخصصات المالية التي خصصتها الدولة للإنفاق على الجامع من أجل القيام برسالته، والإمام الآمر بأحكام الله (1101-1130م) الذي كان قد بقي من أعماله منبر خشبي دمر خلال التفجير الذي حدث بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة عام 2014م. ومع قضاء الناصر صلاح الدين (1169-1193م) على الدولة الفاطمية - الإسماعيلية المذهب - أغلق الجامع الأزهر الشريف لمحاربة المذهب الشيعي بين الشعب المصري، غير أن الأزهر الذي عاش في وجدان المصريين الذين لا يفرقون بين المذاهب ويمقتون التطرف الديني والمذهبي سعوا لإعادة فتح الجامع مرة اخري، ولكن بعد ما يقارب من المائة عام عندما امر الملك الظاهر بيبرس البندقداري (1260– 1277 م) بإعادة صلاة الجمعة إلى الجامع الأزهر يوم الجمعة 18 من ربيع الأول سنة 665 ه/ 1267 م بعد انقطاعها مدة تقارب مائة سنة، منذ هذا التاريخ والأزهر في قلب المصريين حكامًا وشعبًا، ويشاركهم في ذلك المسلمون في كل بقاع الأرض ممن يبحثوا عن الوسطية ورقي العلوم الدينية والتعايش. وفي عصر دولة المماليك الجراكسة استحدث منصب ناظر الأزهر لتولي شئون رعاية الجامع ،واسند هذا المنصب إلي الأمراء وحاجب الحجاب، بل كان من هؤلاء النظار من وصل إلي منصب السلطان كالظاهر جقمق (1438 – 1453 م). ويعد السلطان الظاهر برقوق اول من استحدث مرسوما لتنظيم أموال مجاوري الأزهر الشريف ممن مات دون وارث شرعي ،واثبت ذلك في نقش كتابي على يسار الداخل من باب المزينين المؤرخ بسنة (784 ه/ 1382 م)، بحيث تؤول أمواله إلي الجامع الأزهر؛ كذلك انشأ الأمير جوهر القنقبائي خازندار الأشرف برسباي مدرسة سنة 1440 م عند الطرف الشرقي للجامع الأزهر. أما السلطان الأشرف قايتباي (1468 – 1496 م) فقد اهتم بالجامع الازهر، فانشأ له مدخلا جيدا يعد من اروع المداخل المعمارية على مستوي العالم، وامر بإنشاء رواق للطلبة الأتراك، وتجديد رواق الطلبة المغاربة، وامر الخواجة مصطفي بن محمود بن رستم الرومي بتجديد عمارة الجامع كله في سنة 1494م، واقامة مئذنة ما تزال باقية، ومع قرب نهاية دولة المماليك أمر السلطان الأشرف قنصوه الغوري بإقامة مئذنة ذات راسين تميز واجهة الجامع الأزهر الشريف. مع أفول نجم الإمبراطورية المصرية التي سادت العالم شرقًا وغربًا ووقوع مصر تحت سلطة دولة آل عثمان التركية بدأت مرحلة جديدة من تاريخ الأزهر الشريف. وكان الأزهر الشريف قد حصن اللغة العربية ومدرسة الوسطية وشعلة الوطنية خلال فترة الاحتلال العثماني لمصر، كذا عندما طرق الفرنسيون بقيادة نابليون بونابرت أبواب مصر محتلين كان للأزهر دوره التاريخي والنضالي. وقد كان الأزهر الشريف محط أنظار الأوروبيين، ففي سنة 1820م وضع باسكال كوست أول رسم لتخطيط الجامع الأزهر؛ حيث استطاع التحايل على شيخ الجامع ودخل الجامع وألقى نظرة عامة عليه من الداخل، ورسم بعض التفاصيل، وخاصة تفاصيل باب المزينين، وفي أواخر عهد محمد علي باشا في سنة 1842 م زارت مصر السيدة صوفيا لين بول أخت المستشرق إدوارد لين بول، وسجلت مشاهداتها في مصر، ومنها مشاهدتها للجامع الأزهر الذي زارته، كذلك قدم لنا الرحالة بيرتون الذي زار مصر سنة 1853 م في أواخر عهد عباس حلمي باشا الأول وصفًا للجامع الأزهر والحياة فيه، وفي سنة 1855 م نشر جيرو دي برانجي تخطيطًا آخر للجامع من الداخل وصورة للصحن الغربي. كما كان الجامع محط اهتمام حكام أسرة محمد علي باشا ،فقد قام الخديو إسماعيل بتجديد باب الصعايدة الكبير مع ما فوقه من المكتب بمباشرة ناظر الأوقاف أدهم باشا ناظر الأوقاف سنة 1865م. وأمر الخديوي عباس حلمي الثاني بتشييد الرواق العباسي، والذي يقع عند طرف الواجهة الشمالية الغربية، وقد قام الخديو عباس حلمي الثاني بافتتاح الرواق في حفل مهيب في 18 مارس سنة 1898 م. وفي سنة 1931م في عهد الملك أحمد فؤاد الأول أزيلت المباني التي كانت تحجب الجامع الأزهر من ناحيته الغربية البحرية إلى حده البحري، فصار بينه وبين باب المشهد الحسيني رحبة متسعة، كما أصلح الجناح الغربي البحري لرواق الحنفية وفتح له بابًا آخر وسد بابه الذي كان محتجبًا بكتلة المباني. وفي عهد الرئيس جمال عبد الناصر تم انشاء الواجهة المطلة على شارع الأزهر سنة 1970 م، وقام رئيس باكستان السابق ضياء الحق بإهداء الجامع سجادًا حديثًاً من نوع المحاريب. وفي نهاية القرن العشرين وبالتحديد في سنة 1998م قامت شركة المقاولون العرب بتدعيم الأروقة التي أضافها عبد الرحمن كتخدا، وعمل أساسات للجدران بعمق 20 م، لحماية الجامع من تأثيرات النفق الذي تم شقه تحت شارع الأزهر. ومع تلك الإضافات والعمارات بلغت مساحة الجامع الأزهر الحالية 11500 م2 تقريبًا أي 2.75 فدان تقريبًا. الجامع الأزهر الشريف ليس بناءًا حجريًا كسائر الجوامع لكنة شاهد على تاريخ وطن وأمة، هذه سطور من كتالوج «الجامع الأزهر الشريف» الذى صدر مؤخرا عن مركز دراسات الحضارة الإسلامية بمكتبة الإسكندرية في طبعة فاخرة ملونة من جزأين بلغ عدد صفحاتها 786 صفحة، وبتصدير من فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، وبتقديم وإشراف من الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير المكتبة وبتصميم فني من الفنانة هبة الله حجازي والفنانة جيهان أبو النجا، وبإشراف تنفيذي من الدكتور خالد عزب رئيس قطاع الخدمات والمشروعات المركزية بالمكتبة . ويرصد هذا الكتالوج تاريخ الجامع الأزهر الشريف وعمارته والحياة بداخله منذ نشأته حتي العصر الحديث ،والذى طاف خلاله الباحثون محمد السيد حمدي وشيماء السايح في رحلة عبر الزمان والمكان بين أروقة الجامع الأزهر الشريف ومدارسه، كاشفين الغبار عن كنوزه من تحف ومصاحف ومخطوطات، خلال ثلاث سنوات استطاع فريق العمل الذي تكون من باحثين ومهندسين ومصورين وخطاطين من مكتبة الإسكندرية ومشيخة الأزهر الشريف ومتحف الفن الإسلامي بالقاهرة ومن دولة العراق انجاز هذه الموسوعة العلمية الشاملة عن الجامع الأزهر الشريف عمارته وتاريخه، بأسلوب علمي توثيقي قائم على التسجيل الأثري والتدقيق التاريخي وتقديم الدليل المصور الذي يؤكد ما جاء في الكتالوج. ولم يتوقف الكتالوج عند عمارة الجامع الأزهر الشريف فحسب بل تخطاها إلى مشاهد من الحياة في الجامع الأزهر الشريف عبر العصور كالاحتفال بالمولد النبوي ،والاحتفال بشهر رمضان ومجالس وحلقات العلم، ثم تطرق الباحثون لواحدة من أهم دعائم الأزهر وهي أوجه البر والإنفاق والجرايات والأوقاف التي حرص أهل مصر وحكامها وسلاطين المسلمين على توجيهها لرعاية شئون الأزهر وأعانته على رفع راية الإسلام. ويفرد الكتالوج الصفحات لتاريخ الجامع الأزهر الشريف في كفاح شعب مصر والذود عن ثوابته عبر التاريخ من خلال مجموعة من الوثائق والصور. والمتصفح للكتالوج يملك بين يديه متحفا في كتاب حيث ألحق بالكتالوج متحف مفتوحً للجامع الأزهر الشريف حيث تأخذنا الصفحات في رحلة تبهر الأبصار بروعة الألوان وجمال الفن الإسلامي عبر مجموعة من المصاحف النادرة والمخطوطات القيمة والمحاريب والثريات وقطع القاشاني كلها ارتبطت باسم الجامع الأزهر الشريف.فهو يستحق أن يرصد له مئات المجلدات لتسجيل تاريخه ودوره في العالم الإسلامي.