عندما اشتكي البابا كيرلس السادس بابا الأسكندرية للرئيس الراحل جمال عبد الناصر من عدم امتلاك الكنيسة القبطية للأموال اللازمة لبناء كاتدرائية جديدة تليق بمصر وبهم ، أصدر عبد الناصر قرارا فوريا بأن تساهم الدولة بمبلغ 167 ألف جنيه فى بناء الكاتدرائية الجديدة ، وأن تقوم شركات المقاولات العامة التابعة للقطاع العام بعملية البناء للكاتدرائية الجديدة وهي المقر البابوي الحالي والموجودة في العباسية وتشكل أحد المعالم البارزة للقاهرة . ورغم أن هذه القصة تعكس مدي أهتمام ثورة الثالث والعشرين من يوليو بالأقباط وأحترام ديانتهم وطقوسهم إلا أنها تعد مجرد نموذج واحد للتأكيد علي مبدأ التسامح الديني واعتبار أن الدين لله والوطن للجميع الذي تبنته ثورة يوليو حيث يروي التاريخ أن عبد الناصر سأل البابا كيرلس السادس في لقائهما عن عدد الكنائس التى يرى من المناسب بناؤها سنويا ، وكان رد البابا ( من عشرين إلى ثلاثين ) ، فما كان من عبد الناصر إلا أن أمر بأن يكون عدد الكنائس التي يجري بناؤها سنويا خمسا وعشرين كنيسة ، وأن يكون التصريح بها بتوجيه من البابا نفسه إلى الجهات الرسمية . وشهدت العلاقات بين الكنيسة وثورة 23 يوليو تعاونا غير مسبوق منذ الفتح الإسلامي لمصر حيث أمر جمال عبد الناصر بعقد اجتماع أسبوعى كل يوم اثنين بين سامى شرف - وزير شئون رئاسة الجمهورية - والأنبا صمويل - أسقف الخدمات وسكرتير البابا - لبحث وحل اى مشاكل تطرأ للمسيحيين . كما حاول الرئيس جمال عبد الناصر حل المشكلات العالقة بين الكنيستين القبطية المصرية والأرثوذكسية الأثيوبية التي كانت حتي الخمسينيات من القرن العشرين تابعة للكنيسة المصرية ولذا أبدي إهتماما شديدا بتوثيق العلاقات بينه وبين الإمبراطور هيلاسيلاسى حاكم الحبشة ( إثيوبيا) ، ودعا الإمبراطور هيلاسيلاسى لحضور حفل إفتتاح الكاتدرائية المرقسية فى العباسية عام 1964 ، كما دعم إعادة توحيد الكنيستين المصرية والأثيوبية تحت الرئاسة الروحية للبابا كيرلس السادس . وفى عهد جمال عبد الناصر لم تقع حادثة واحدة طائفية بين المسلمين والمسيحيين، ولم تنتشر دعاوى تكفير الآخر ومعاداته وكان البابا كيرلس السادس مقربا منه وكثر اللقاء به ولذا ربما لم تكن مصادفة أن يرحل البابا كيرلس عن دنيانا بعد رحيل عبدالناصر بشهور قليلة . وتفسر تلك العلاقة بين الرجلين سر قيام الكنيسة القبطية في عهد كيرلس السادس بحظر سفر أتباعها للقدس وإسرائيل عقب حرب الخامس من يونيو 1967 وسيطرة قوات الإحتلال الإسرائيلي علي المسجد الأقصي المبارك ومدينة القدس بالكامل.