يبدو ان ارتفاع الأسعار فى يناير 1977 مازال يصيب الناس «بعقدة» الارتفاع فى الأسعار، رغم أن التاريخ يذكر أن ردود الأفعال آنذاك كانت قاسية على الرئيس السادات وتباينت ردود أفعال قراره الذى تراجع عنه،، لكن ما أشبه الليلة بالبارحة، ربما تختلف الظروف فى هذا التوقيت، خاصة ان الأوضاع الاقتصادية التى تمر بها البلاد تزامنت مع حرب داخلية وخارجية يقودها الشعب والرئيس، إلا أن التعامل مع ملف الدعم فى هذا التوقيت كانت له أصداء فى الشارع جعلتنا نعود الى عقدة يناير 77، الأمر الذى دفعنا للسؤال.. ما هى حقيقة القرارات التى اتخذت بشأن الدعم؟ وهل هى مناسبة أم لا؟ وما تداعياتها فى المستقبل؟ وما أهمية أن نتكاتف حكومة وشعبا للعبور من هذه الأزمة؟ ربما تختلف الرؤى وتتباين وجهات النظر،، لكن من المؤكد أن القرارات سوف تصب فى الصالح العام، من أجل الوصول إلى الاستقرار وتعافى الاقتصاد المصري. فى هذا التحقيق نفتح الملف ونجيب عن هذه الأسئلة.. الدكتور حسام عرفات رئيس شعبة المواد البترولية بإتحاد الغرف التجارية وصف ملف المواد البترولية بأنه شائك نظرا لصعوبة الاقتراب منه طيلة عقود طويلة سابقة، موضحا أن البنزين 80 على سبيل المثال لم يتم المساس به منذ عام 92 والسولار منذ عام 2008 وايضا الأنواع الاخرى من البنزين،، كل ذلك فى الوقت الذى أصبح فيه العجز فى الموازنة أمرا يستحيل معه الاستمرار بهذا الشكل خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الحرجة التى تمر بها البلاد وبالتالى فلم يكن هناك مفر من تطبيق هذا القرار الذى أثار غضب الكثيرين رغم انه تأخر كثيرا كما يقول دكتور حسام مؤكدا انه كان ينبغى صدوره منذ سنوات ولكن الأجندات المختلفة سواء للحزب الوطنى أو الإخوان كانت حائلا أمام تنفيذه كسبا لإرضاء الشعب ومغازلته حتى لو كان ذلك على حساب الصالح العام، مما أدى فى النهاية الى وصول عجز الموازنة إلى هذه الدرجة المؤسفة. وفى السياق نفسه يؤكد رئيس شعبة المواد البترولية أن الرئيس السيسى جاء باكتساح شعبى وبلا أجندة أو حسابات ولا يشغله سوى الصالح العام ومن هنا فلم يجد أمامه إلا تحريك الأسعار لمواجهة العجز فى الميزانية، مشيرا إلى ان ذلك يعد خطوة من خطوات الاصلاح الاقتصادى التى سوف تساعد كثيرا فى رفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطن المصرى لما سيتحقق من وراء تلك الخطوة من زيادة تقدر بنحو 55 مليار جنيه سنويا تصب فى سد العجز الموجود بالميزانية، ومن ثم تحقيق إصلاحات فى مجالات عديدة منها الصحة والتعليم والضمان الاجتماعى والمعاشات. ويطالب د.حسام عرفات الحكومة بضرورة تفعيل وتشديد الرقابة لضبط السوق ومنع التلاعب فى الأسعار لكى يشعر المواطن بإيجابية تلك القرارات، مؤكدا أن ذلك لن يتم الا بتفعيل القانون والقرارات الوزارية بكل صرامة وحزم. ويشير عرفات إلى نقطة مهمة وهى ضرورة إلزام المواطنين أصحاب المركبات باستخراج الكارت الذكى فى مهلة محددة حتى يمكن السيطرة والرقابة على «شارع» المواد البترولية مع ضرورة وضع حلول ممكنة وقابلة للتحقيق للأغراض الزراعية والصناعية والتجارية التى لم تدخل بعد إلى منظومة الكارت الذكى فى التعامل مع المواد البترولية مما يساعد فى ضبط آليات السوق من خلال منظومة ترشيد دعم المواد البترولية. كما يناشد عرفات الجهات السيادية بضرورة وضع آلية قابلة للتحقيق لإدخال المركبات غير المرخصة «التوك توك والموتوسيكل» وهى نحو مليونى مركبة منظومة المركبات المرخصة وبالتالى تطبيق نظام الكارت الذكى فى تعاملها مع البنزين 80، مما يساعد فى تحديد وضبط الكميات المقدمة لها، بدلا من الحصول عليه بشكل عشوائى وإهداره فى غير محله. ويتفق رأى الدكتور مصطفى السعيد مع الكلام السابق حيث قال إن هناك عجزا فى الموازنة العامة وصل الى مرحلة تتجاوز امكانية الاستمرار فيها، ولابد من معالجتها وإلا أدى ذلك الى التأثير على القدرة الاستثمارية للدولة فى مجالات مهمة مثل الصحة والتعليم والمرافق الاساسية من طرق وصرف صحى الخ، كما ان استمرار هذا العجز يؤدى بالضرورة الى حدوث تضخم وارتفاع الاسعار نتيجة التمويل بالعجز، ونتيجة ضعف الاستثمار وضعف الانتاج. فكان لابد من الاختيار،، اما استمرار الأوضاع الحالية بآثارها السلبية على الاستثمار والإنتاج والأسعار، وإما علاج هذه الحالة علاجا جذريا يتعافى به الاقتصاد. ويضيف السعيد أن مخاطر الدعم لا تقتصر فقط على التأثير بزيادة عجز الموازنة العامة ولكنها تحدث خللا فى العلاقات النسبية للأسعار من خلال تداول سلع بأقل من قيمتها الحقيقية، الأمر الذى يؤثر على كفاءة الاقتصاد وتوزيع الموارد. ويؤيد رضا عيسى الباحث الاقتصادى رفع دعم الطاقة ليس فقط لمعالجة جزء كبير من عجز الموازنة، وانما ايضا لاسترداد حق الشعب من الشركات الضخمة التى تحقق ارباحا بالمليارات نتيجة حصولها على الطاقة باسعار رخيصة رغم انها تبيع منتجاتها بالاسعار العالمية، مؤكدا ان قرار رفع الدعم لابد ان يطبق على الاغنياء قبل الفقراء. ومن هنا يطالب عيسى بضرورة الغاء الدعم عن الشركات كثيفة الاستخدام للطاقة كالأسمنت، والحديد والسيراميك، والبتروكمياويات، مشيرا الى ان ذلك لابد ان يرتبط بإلغاء القوانين الصادرة من عصر مبارك ولاتزال سارية، والتى تمنع الدولة من التدخل فى تحديد هوامش الارباح أو اسعار البيع للمنتجات،، مؤكدا ان الغاء تلك القوانين يساعد فى تمكين الدولة للقيام بدورها كمنظم للسوق المصرية ومنع الجشع والاحتكار والاستغلال.