يأتي دائماً رمضان محملاً بنسائم التسامح وأريجها، يأتي ليضمد الجراح الغائرة ويهدئ النفوس فتسرّ له، وترتوي من نفحاته الروح، وبرغم أن الشياطين تصفد -برحمة من الله عز وجل- في هذا الشهر الفضيل، إلا أننا اكتشفنا أن الشياطين «مظلومة وبريئة» من أفعال الجماعة الغاشمة؛ نتيجة أنفسها الأمارة بالسوء. المملوءة حقداً وكراهية وسواداً؛ ليستقبلوا رمضانَ أسوأ استقبال، لا بالتسامح والسكينة، بل بإلقاء القنابل والقتل، جماعات الجهل والتخلف والظلام الذين يغتالون أرواح أطفال أبرياء في عمر الزهور لا ذنب لهم ولا جريرة.. جماعة استباحت الدم؛ لتنال اللعنة في الدنيا، والعذاب في الآخرة. ها هو الحادث الغادر الذي استقبل به الخونة رمضان بتفجير سنترال 6 أكتوبر، والضحية طفلة، بأي ذنب قتلت؟ بأي ذنب يقتل طفل آخر في أحداث الثالث من يوليو؛ يوم ذكرى المعزول.. ثم بأي ذنب يقتل جنود مساكين يحرسون نقطة شرطة أو منشأة؟! إن تلك الأفعال لا تصدر من أشخاص عاقلين مسلمين، بل بفضل توجه معين برعاية جماعة سلبت به عقولهم وحركتهم ب«الريموت كنترول»، ولكي يصبح الفرد كذلك فإن الجماعة تبدأ أولاً بإثارة مشاعر الإحباط والتذمر لديه، أو تستغلهما لاستقطابه، وسلخه من أسرته ومن مجتمعه؛ باعتباره مجتمعاً غير إسلامي، أو مجتمع الكفر والمعصية، وبذلك تلغي هويته وتعطل تفكيره، وتعزله عن المؤثرات الخارجية وتصب ثقافتها الخاصة في رأسه، وتحدد له قنوات التلقي؛ ماذا يقرأ، وما يجوز مشاهدته والاستماع إليه، وما لا يجوز، وبذلك تقضي على نزعة الانفتاح الذي تعتبره عدو الجماعة ومصدر تخلخلها.. والجماعة من أجل تماسكها أيضاً تربي العضو فيها على السمع الطاعة والاستسلام التام والاستعداد للتضحية؛ لكي تبقى موحدة وقوية.. وهو بالتالي يستمد مصلحته من كونه عضواً في الجماعة الموحدة القوية، لذلك يدافع عنها ويتبعها كما أُمر. إذن ليس غريباً على «القطيع» -ذلك السلوك الحيواني الذي انتقل إلى المجال البشري- الذين تراهم مجرد تابعين فاقدي الاستقلالية لا يفكرون خارج صندوق «الجماعة»، أن تصدر منهم تلك الأفعال.. وكأن على أعينهم غشاوة فلا يرون، وتصاب آذانهم بالصمم؛ فلا يسمعون.. حتى نداء القرآن؛ الذي حرَّم قتل النفس بغير حق.. وفي رمضان شهر القرآن والرحمة؟! عن أي إسلام بعد هذا يتحدثون؟! أطالب بعقد محاكمات سريعة ناجزة، والإعدام الفوري لكل قاتل؛ حتى لا يتمادوا في غيهم، وحتى يكون العقاب رادعاً قوياً، يفكر فيه الجبناء ألف مرة قبل أن يقدموا على أفعالهم النكراء. لمزيد من مقالات أحمد مصطفى سلامة