البرازيل دولة ظلت لسنوات طويلة تعانى مشكلة تردى الاحوال المعيشية لغالبية السكان والانتشار الواسع للجريمة . الجانب المضيء للبرازيل كبير وأخذ يتشكل تدريجيا بعد عملية التحول الديمقراطى التى شهدتها البلاد فى 1985 بانتخاب أول رئيس مدنى بعد نهاية الحكم العسكرى الديكتاتورى، ولكن الظلام لم يختف فجأة، ومع انتخاب الرئيس كاردوسو فى 1995 وعلى الرغم من كونه رئيسا يمينيا الا انه اعلن منذ البداية انه لا يمكن لهذه الدولة ان تتقدم دون برامج اجتماعية للفقراء. وقد كانت الدفعة القوية فى التحول والإصلاح، يل ليس فقط على مستوى تحسين الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، وانما ايضا على مستوى الاقتصاد الكلى للدولة وحل مشكلة الديون الداخلية والخارجية ، التى جاءت مع انتخاب الرئيس اليسارى لولا دا سيلفا فى 2003 ففى نهاية عام 2010 تم اعلان البرازيل سادس اكبر اقتصاد على مستوى العالم. الجانب المظلم للبرازيل هو الجانب الذى ورثه النظام الحالى من تركة خلفها نحو 21 عاما من الحكم العسكرى الديكتاتورى، الذى ارتبط بالولايات المتحدة فى فترة عرفت باسم الشرايين المفتوحة فى كافة دول امريكا اللاتينية كناية عن وجود انظمة حاكمة تسمح للقطب الامريكى الشمالى باستغلال موارد الدولة، كما ان هذه الانظمة ارتبطت بتحالفات قوية مع رجال الاعمال المحليين ومن ثم عملت على حماية مصالحهم فى الوقت الذى لم تهتم اطلاقا بمصالح الغالبية العظمى من ملايين الفقراء. ومن ثم نشأت مشكلات مزمنة ومتشابكة من الفقر والجوع والمرض والبطالة والتسرب التعليمى والجهل واطفال الشوارع فى وقت ازدهرت فيه تجارة المخدرات . ومن ثم تشابكت حلقات الدائرة وأُحكمت تماما داخل العشوائيات أو ال «فافيلا» كما تسمى فى البرازيل. وسط هذه الأجواء تشكلت «فرق الموت» او «اسكوادريو دى مورتى» فى نهاية الستينيات فى ظل الحكم الديكتاتورى وبنصيحة من الحليف الامريكى بهدف التخلص من المعارضين السياسيين وأيضا من المجرمين وأفراد العصابات تحت مبدأ القصاص او تنفيذ الاعدام خارج نطاق القانون والمحاكمة. وبعد انتهاء فترة الحكم الديكتاتورى بقيت فرق الموت، وانتهى دورها السياسى وظل تمويلها يأتى من رجال الاعمال بهدف حماية ممتلكاتهم واعمالهم من المجرمين وهم غالبا من الفقراء وسكان العشوائيات. تعتبر حادثة «كنيسة كانديلاريا» والتى وقعت فى 23 يوليو 1993عندما تعرض عدد من اطفال الشوارع وهم نائمون امام الكنيسة لاطلاق نار عشوائى من قبل مجموعة من الملثمين، أدى إلى مقتل ثمانية اشخاص. ولكن القصة لم تنته، فقد بدأت الإدانات فور حدوث الجريمة. والتحقيقات التى استمرت نحو ثلاث سنوات انتهت بمعاقبة ثلاثة من رجال الشرطة العسكرية الذين ثبت بالدليل تورطهم فى هذا العمل الاجرامى وصدرت ضدهم احكام تراوحت بين 204 300 عام لكل منهم. وقام نشطاء وحقوقيون برسم ثمانى اجساد فى مكان وقوع الجريمة وتلوينها باللون الاحمر لتظل الى الان وبعد مرور 21 عاما اعتراف رسمى وشعبى بأن ما حدث هو جريمة اخلاقية وقانونية مكتملة الاركان. أما ما يمكن وصفه ببرنامج اصلاحى للحكومة البرازيلية لحل مشكلة اطفال الشوارع فهناك عدة نماذج على سبيل المثال لا الحصر: بدايةً فيما يخص مواجهة مشكلة «فرق الموت» فقد أنشأت الشرطة الفيدرالية فى 2011 وحدة لمواجهة هذه الفرق، وقد نجحت فى الأعوام القليلة السابقة فى تقديم العديد من الضباط المتورطين للمحاكمة. وفى عهد الرئيس كاردوسو انطلق برنامج «القضاء على عمل الأطفال» والذى كان يقوم على أساس إعطاء إعانات مالية لهؤلاء الأطفال حتى لا يضطرون للعمل فى الشارع ومن ثم حمايتهم من التعرض للعنف او تسببهم فيه. وفى عهد الرئيس لولا بدأ تم الجمع بين عدة برامج للإعانات الاجتماعية فى داخل برنامج واحد عملاق أطلق عليه (بولسا فاميليا) وقامت الدولة بتوسيع نطاق إنفاقها على المشروع حتى وصل عدد المستفيدين له بعد سنوات قليلة الى 11 مليون اسرة، ويقوم على اساس فكرة الإعانة المشروطة، بحيث يشترط للحصول عليها إرسال الأطفال الى المدرسة وذلك بهدف كسر الحلقة المحكمة التى تؤدى الى زيادة عدد الأطفال الذين يعملون فى الشارع، فى حقيقة الأمر تبقى المشكلة الأصعب فى قضية أطفال الشوارع ذلك الجزء الذى لا ينتمى إلى اى أسرة او منزل إيواء ويبيت فى الشارع والذى يصل إلى 20% من الأطفال العاملين فى الشارع، وهم فى الغالب يعملون فى المخدرات والسرقة والدعارة. إذن فإن خيار القيادة السياسية البرازيلية هو دفع تكلفة مادية باهظة لتحسين حياة الفقراء وتطوير العشوائيات من اجل حل مشكلة الفقر الذى يتسبب فى خروج الأطفال الى العمل فى الشوارع، وليس قتل الأطفال فى الشارع. لمزيد من مقالات امل مختار