أدعوك اليوم إلي التركيز( الشديد) فيما سأعرضه عليك, غافرا لي قليل من الإطالة في المقدمة, فيما رأيته تمهيدا ضروريا لتفسير جانب( خطير وخبيث) يضاف إلي ما يلم بهذا البلد من أحداث جسيمة: فمن أقوي دعائم أي إعلان في الدنيا هو قدرة مصمم الإعلان أو مبتكره علي صياغة شعار لإعلانه,أو ربما شعار لحملته الإعلانية بالكامل فيما يعرف في( علم) الإعلان باسم الSlogan; وهو الشعار الذي تتكامل فيه الرسالة الإعلانية وتتلخص, فتكون كمثل العدسة الجامعة لضوء الشمس في نقطة بعينها علي سطح الورقة..( فتحرقها)!! تتعدد النماذج الإعلانية للحملة وتتعدد الوسائل ما بين صحف, ومجلات, ونشرات, وإعلانات طرق, وإعلانات تليفزيونية, وإذاعية.. إلي آخره, ولكن يظل الشعار ال(Slogan) واحدا لا يتغير ولا يتبدل; وكأنه البصمة الجينية المحددة والمميزة والرابطة لحلقات الحملة الإعلانية بأسرها!! كبرت الشركات أم صغرت!! ولا شك أن الشركات الكبري وبخاصة( العالمية) منها لا تدخر جهدا من أجل البحث عن وكالات إعلانية قادرة علي تلبية مطلبها في تحقيق غاياتها الإعلانية والتي ترصد لها من الأموال طائلها وصولا إلي التأثير علي المستهلك!! غير أنه وفي السنوات ربما( العشر الماضية) لجأت الشركات( العالمية) ذات العلامات التجارية الشهيرة وبخاصة الشركات المنتجة للسلع الاستهلاكية غير المعمرة كمثل شركات المشروبات والمأكولات وسلاسل المطاعم العالمية الشهيرة إلي إسناد حملاتها الإعلانية إلي وكالات إعلانية( عالمية أيضا) للاضطلاع بحملاتها المزمعة, أو ربما لجأت هذه الشركات إلي تأسيس شركات إعلانية خاصة بها تكون صاحبة حق الامتياز في الاضطلاع بهذه المهمة لصالحها,مغلقة بذلك الأبواب أمام التعامل مع وكالات الإعلان( المحلية) تماما علي جودة هذه الشركات المحلية, وشهرتها الواسعة, وإلمامها بمتطلبات السوق المصرية, وخبرتها بلغة الخطاب الإعلاني في هذه السوق!! ومن ثم فقد انسحبت وكالات الإعلان المصرية إلي حدود الترويج للخدمات والمنتجات المصرية تاركة حملات الشركات العالمية العاملة في مصر إلي الوكالات الإعلانية( العالمية) التي وقع عليها الاختيار من قبل( الإدارات العليا) لتلك الشركات!! هبطت الوكالات الإعلانية العالمية بحملاتها وإمكانياتها الضخمة إلي السوق المصرية, إما بنفسها أو من خلال وكالات تمثلها في السوق المصرية مدعمة بالقدرات المالية( الرهيبة) للشركات العالمية أو ربما( متعددة الجنسيات) الراغبة في الإعلان,لتخرج هذه الوكالات إلي السوق المصرية بنماذج إعلانية مختلفة( قيل) إنها بغرض توحيد حملات هذه الشركات العالمية علي مستوي العالم بأسره!! كلام يبدو منطقيا!! غير أنه,وبنظرة سريعة خاطفة علي شعارات الحملات القادمة من الخارج, المنتشرة في جميع وسائل الإعلام المصرية( صحف ومجلات وإعلانات طرق وتلفاز.. إلخ) لا يملك المرء سوي أن يتوقف كثيرا بنوع من التأمل العميق ليفتح اليوم ملفا أراه في( منتهي الخطورة), إذا صحت نظرتي وصحت توقعاتي, بالقياس إلي شعارات هذه الحملات من ناحية,وإلي ما يدور في الشارع المصري من أحداث من ناحية أخري!! وأنا في ذلك لا أتهم أحدا أو أتهم أيا من الشركات التي سأذكر شعاراتها عليك في السطور القادمة أو الوكالات الإعلانية المروجة لها بأي جرم أو الشروع في جرم أو التحفيز عليه, ولكنني قد أعزو ما توصلت أنا إليه من تحليل لمضمون هذه الشعارات( مجتمعة) إلي الصدفة البحتة, ولكن يا لها من صدفة غريبة مؤثرة نافذة قلما تتكرر في سوق واحدة, ثم يا له من( تزامن) نادر الحدوث مع ما تشهده هذه السوق بالذات من أحداث!! ولقد رصدت فيما سأعرضه عليك7 شعارات محددة استوقفتني بحق حين تنبهت إليها وبيانها كالتالي:( استرجل),( إكبر وسيطر),( عبر مين قدك),( دوق طعم التغيير), شيكولاتة( كذا) بتقولك( طور بلدك) وأخيرا..( ولعها), ثم آخرا( بدون أفورة)!! غريبة هذه الشعارات بعض الشيء, أليس كذلك ؟! وبالطبع لا يخفي علي قارئي الكريم, من فرط( تكرار) هذه الشعارات ليلا ونهارا علي الأسماع والأعين, إلي أي شركة عالمية يروج هذا الشعار أو ذاك ولكنها( الصدفة الغريبة) سيدي كما أسلفت!! ولأنني واحد من المتيمين بالرموز, وبفك شفرات الرموز, فإنني أسعي كل السعي إلي التقاطها بحساسية شديدة; ذلك لأنني أؤمن بأن الرمزية هي أعلي مراتب التعبير, كما أنني أؤمن بأن في فهمها تجسيد لأعلي درجات الفهم; فضلا عن أنني أؤمن بأن الفهم لا يميز فحسب بين الإنسان والحيوان, إنما الفهم يميز بين الإنسان وأخيه الإنسان, فلما يكون أعتي علماء النفس قد أفردوا مجلدات و مجلدات حول الرمزية ودلالاتها, إلي درجة القول بإن البشرية قاطبة تشترك في فهم الرموز بالفطرة, إذن فإن الاستهانة بالرمز, وما يوحي به الرمز, و( ما يحفز عليه) الرمز,هو نوع من الجهل الشديد, أو قل ضعف القدرة علي التمييز!! وبالعودة إلي ملفنا الذي نراه( خطيرا), فإننا نكاد نؤكد أن الحملات الإعلانية( العالمية) في السوق المصرية( الملتهبة) تشوبها أطياف رموز, و( رسائل رمزية) من حولنا ربما تم توجيهها لعموم الناس,وربما تم توجيهها( لفصيل معين) منهم( يتلقي الإشارة) فسرعان ما يتحرك بنفس مطمئنة إلي( جدية) ومدي ثقل التوجيه, أو ربما للإثنين معا( عموم الناس وذاك الفصيل)في غفلة ربما منأصحاب الحملات الإعلانية أنفسهم; فمنها تأجيج لعموم المشاعر, ومنها إشارات تهدي الفصيل إلي الأهداف!!( ولعها) فتشتعل الدنيا, ثم( بدون أفورة) فتهدأ( نسبيا لحين إشعار آخر)!! فلما يكون معظم مستهلكي السلع التي يتم الترويج لها علي هذا النحو هم من الشباب وبخاصة( الصغار منهم) بحكم طبيعة السلعة نفسها, ثم لما تكون معظم الأحداث وقودها هذه الفئة العمرية شديدة الانفعال شديدة التأثر,فئة يعميها الحماس عن رؤية أي شيء بما في ذلك الموت نفسه;ثم لما تكون شعارات الحملات لا ترتبط بأي حال من الأحوال بمزايا المنتجات التي يتم الترويج لها كدأب حملات الإعلان دائما, وإنما ترتبط بمعاني شديدة العمومية, فإذا هي تم فصلها( تماما) عن اسم المنتج الذي تروج له, لما استشعر متلقوها أي علاقة بين الاثنين أو اختلاف,ولما تأثرت المنتجات نفسها في شيء; إذ لا تتكلم هذه الشعارات عن كون هذا المنتج يروي العطش مثلا أو يسمن من الجوع, ولا هي تعدد نكهات مذاقه اللذيذ, وإنما هي تتناوله إعلانيا من زوايا لها صلة بالقدرة علي التعبير,والرجولة,والنضج,و(السيطرة),و(التغيير), وجميعها معاني فضفاضة لا تقنعني بأنها ترتبط رمزيا في العقل الجمعي البشري بمنتجات البطاطس والمشروبات الغازية و الشيكولاتة بأي حال من الأحوال!! فلما يكون الأمر كذلك,إذن فإن الأمر يحتاج إلي وقفة كبيرة من جانبنا وكثير من الانتباه!! وربما يقول قائل بأن عقلي قد شط, أو أن الصواب قد جانبني حين ربطت بين شعار مكتوب علي لافتة أو( لافتات تملأ الشوارع والتلفاز) وبين تصرفات غريبة وجديدة علي مجتمعنا تجري علي أرض الواقع, ولمثل هذا القائل أسوق أقوي مثال يؤيد رؤيتي: أوليس مجرد شعار علي لافتة حملها مشجعو النادي الأهلي في قلب استاد بورسعيد كان خير فتيل لأقذر قنبلة أشعلت الاستاد ثم أشعلت من بعده البلاد ؟ أو لم أقل لك عزيزي بإن الشعارات المركزة تكون بمثابة العدسة الجامعة لعموم ضوء الشمس في نقطة بعينها علي سطح ورقة..( فتحرقها) ؟