الحدث العراقى تداخل مع الحدث السوري، ليس فقط لأن الطيران السورى يساعد فى قصف المدن العراقية، بل لأن الأمر يطال إيران كذلك، التى هى "الحامي" للنظامين فى سورية والعراق. وبالتالى يتشابك الصراع فى كل المنطقة، وربما يصل إلى لبنانوإيران ذاتها. بعد عامين من الثورة فى سوريا بات النظام فى حاجة إلى دعم بعد أن تدمرت القوى العسكرية التى يعتمد عليها، أى الحرس الجمهورى والفرقة الرابعة، وشُلّ دور الشبيحة. بهذا دخل حزب الله، وكتائب طائفية عراقية (عصائب أهل الحق وأبو الفضل العباس وفيلق بدر وغيرها) وقوات من الحرس الثورى الإيرانى لحماية السلطة، ومنعها من السقوط. وهذا ما أشار إليه قبل أشهر قليلة حسن نصرالله، وقادة عسكريون من الحرس الثورى الإيراني، الذين أكدوا أنهم من يحمى النظام السورى من السقوط، دفعت النظام السورى لأن “يوضح” لكى يخفف من وقع التصريحات. ولقد ظهر ذلك فى أن كل المعارك التى خاضها النظام السورى كانت بقوات من حزب الله والكتائب الطائفية العراقية والحرس الثوري، وفى كل مناطق سوريا. وبعد عام من التدخل لحماية السلطة أخذ يتوضح بأن الأمر ينقلب على المتدخلين، حيث بات الوضع السورى ينعكس سلباً على المتدخلين لحماية النظام، وأن الأزمة السورية باتت تجرّ المنطقة لصراع أشمل. لبنان بات يحتقن، وتصاعد الانتقاد لدور حزب الله فى سوريا. كما وصل الاحتقان المناطق “الشيعية” التى هى البيئة التى يتكئ عليها حزب الله. وبات لبنان بلا رئيس نتيجة السبب ذاته، ورُبط التوافق على رئيس بتوافق إقليمي، سعودي/ إيراني. وهذا يوصل إلى طرح التوافق فى سوريا، لكنه لا يضمن عدم تفجّر الوضع اللبناني. الوضع الأخطر كان فى العراق، بالضبط لأن العراق شهد تحركاً شعبياً كبيراً قبل أكثر من عام، تكرر فى الأشهر الأخيرة. وكان سحقه بالقوة دون حل مشكلاته سبباً للتحوّل إلى شكل آخر من الصراع، كان قتال المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركى يوفّر البنية التحتية له. ومن كان يتابع وضع العراق فى الأشهر الأخيرة، خصوصاً بعد فرض اعتصام الأنبار بالقوة ومحاولة اقتحام الفلوجة، كان يعرف بأن الأمور تسير نحو انفجار مسلح. وهو ما حصل أخيراً، وبات يهدد العاصمة بغداد. النظام الإيرانى الذى يشرف على ترتيب دور القوى التى تشارك فى حماية النظام السوري، وباتت تمسك بالقرار إلى حدّ كبير، باتت متورطة فى العراق، حيث أن النظام هو نظامها، وهى التى تمسك بالقرار كذلك. وإذا كانت تقول بأنها تدافع فى دمشق عن نظامها فى طهران، فقد وصل الأمر إلى جوارها، وباتت معنية بالشغل فى جبهتين. هل تستطيع الحفاظ عليهما معاً؟ أو أنها ستكون مضطرة للتخلى عن دمشق لكى تحمى حدودها؟ لكن ربما أن الأمر لن يقف هنا، بل يمكن أن نتوقع أن الانفجار ربما يصل طهران ذاتها، حيث أن وضعها الاقتصادى صعب، وحالة الفقر الشديد مستشرية، وآثار سحق ثورة سنة 2009 لم تندمل بعد. هى مضطرة للتخلى عن برنامجها النووى لكى تقبل حليفاً للدول الإمبريالية، ولكى تُعطى دوراً فى الخليج. وهى مضطرة كذلك لكى ينتهى الحصار الاقتصادى المفروض عليها، رغم أن تحولات الصراع فى المنطقة تدفع الولاياتالمتحدة لأن تخففه، خصوصاً وهى الآن تحتاج إلى التنسيق المشترك لكبح تطورات الصراع العراقي. لكن ربما تكون التطورات الإقليمية محفزاً لتحرك شعبى إيرانى ليس بعيد المنال. كل ذلك يشير إلى الترابط الذى يحدث فى المنطقة، والتشابك الذى يفرضه منطق الصراع ذاته. وهو الصراع الذى بات يؤسس لاصطفافات ربما كانت تبدو مستحيلة، أو كان يُظنّ أنها مستحيلة، نتيجة “التقسيم الذهبي” للصراع العالمي، والتحديد المسبق للاصطفافات دون رؤية المصالح، ودون لمس التحولات العالمية التى ربما تفوق التصوّر. حيث يبدو التوحّد على أن الأمر يتعلق بتنظيم داعش يقود إلى الوحدة فى المواجهة، لنجد أن أمريكا تتقارب مع إيران، وتصبح “حليفاً” للنظام السورى فى التصدى لهجمة “داعش”. وتعود فكرة التحالف ضد الإرهاب لتسيطر على كل سياسة أخرى. يصبح الخبراء الأمريكان هم من يقود جيش المالكى فى التصدى لمسلحى الشعب العراقي، وتدخل داعش على الخط كقوة تخويف وتخريب، حيث أنها عنصر التوحيد بين “المختلفين” وهى عنصر تخويف الشيعة لكى يلتفوا حول المالكي، وعنصر إظهار بشاعة كل حراك شعبي. ويتدخل طيران النظام السورى لكى لا يسقط المالكي، ويستقر الوضع من أجل أن تعود الكتائب الطائفية العراقية التى انسحبت من سوريا دفاعاً عن النظام الطائفى هناك، لكى تدافع عنه، خصوصاً أن حزب الله لا يستطيع حمل عبء الدفاع عن النظام وحدة، وفى وضعه اللبنانى المحتقن. الحرب ضد داعش، التى باتت البديل عن تنظيم القاعدة، ووفق الآليات ذاتها التى ضخمت ذاك التنظيم، هى التى توحد قوى كانت مختلفة، وبغير ذلك سيكون صعباً التدخل السورى أو الإيرانى فى العراق، وأيضاً سيكون صعباً عودة التدخل الأمريكى. لهذا كان يجب أن يصوّر الحراك داعشياً، ويجب أن تصبح داعش هى “كلمة السر” لمقاومة حراك الشعوب، رغم أن كل دورها يتعلق بتخريب حراك الشعوب. فهى تنظيم من فئات مهمشة (بكل المعاني) ومؤدلجة من قبل “خبراء”، لكنها مخترقة لأجهزة أمنية متعددة، هذا ما كشفه على الأقل ضابط فى السى آى أيه منذ أشهر قليلة، حيث أصدر كتاباً يسرد فيه كيف أصبح أميراً فى “دولة العراق الإسلامية”، ونفّذ عمليات متعددة. وكيف أن الناطق الإعلامى لداعش أكد بأن قرار تنظيم القاعدة المرسل لهم ألا يخوضوا صراعاً ضد إيران لأن هناك علاقة معها. وكيف أن المالكى قد أطلق سراح عناصرها المعتقلين فى سجن أبو غريب وأرسلهم إلى سورية كما قال وزير العدل العراقي. لمزيد من مقالات سلامة كيلة