ينشغل الجميع بماذا سيفعل الرئيس الجديد فى مواجهة المشاكل الاقتصادية التى تتراكم، وبالطبع يحاول المهتمون بالشأن الاقتصادى تحديد السياسات الجديدة، ويلاحظ ان الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حواراته قبل الانتخابات وفى خطابه يوم التنصيب قد تكلم عن الكثير من المشروعات الكبيرة فهل ما زال السيسى فى مرحلة الوعود وإطلاق الشعارات؟ وكيف يمكن تفسير الحديث عن الحاجة الى ترليون جنيه لإصلاح الاقتصاد بينما هناك دعوة من السعودية لمؤتمر للمانحين، فهل سيكون هذا المؤتمر محددا للسياسات المطلوبة للحصول على المنح والمعونات ام إطارا لتحديد دور الجهات المانحة فى تنفيذ السياسات التى يضعها النظام الجديد؟ فى خطاب السيسى فى قصر القبة أول أيام حكمه خاطب بسطاء الوطن «أقول لهم تحملتم الكثير وتضاعفت معاناتكم فى السنوات الأخيرة وأعد البسطاء بحياة أفضل» مما يثير المزيد من ثورة التطلعات لدى هؤلاء البسطاء، فكيف يكون ذلك مع الحديث عن تقليص الدعم الذى سيلقى بآثاره على البسطاء؟ وكيف يكون ذلك مع الحديث عن التقشف وما قاله السيسى فى أحد حواراته انه يعرف ما يريد الفقراء ولكن أردف قائلاً «ما عنديش ما أعطيه» . لذلك أقول ان الخطوة الأولى هى ان يفرق الرئيس الجديد بين الأفضل الذى يريده وبين الممكن، فعند الحديث عن البرامج والمشروعات الجديدة يكون السؤال هل نقدر وهل لدينا تكلفة هذه المشروعات، وإلا سنستمر فى البدء بالمشروعات ثم التوقف لعدم وجود الاعتمادات او عدم القدرة على مواجهة أصحاب المصالح؟ كل المسئولين يتحدثون عن ترشيد الدعم كإحدى وسائل علاج العجز المتزايد فى الميزانية، ولكن لم تجرؤ أية حكومة حتى الآن على البدء بالتنفيذ، وهوما يستدعى الحديث عن مراحل التنفيذ وهوما يدخل فى نطاق الممكن، فلماذا لا تبدأ الحكومة برفع أسعار الغاز للصناعات كثيفة الاستهلاك دون ان تتحجج بضرورة الالتزام بتنفيذ التعاقدات، ولماذا لا تنفذ منظومة الكروت فى الحصول على البنزين وترفع أسعاره وتترك السولار لمرحلة تالية حتى تنظم القطاع الذى يستخدمه بما لا يؤدى الى موجة كبيرة من ارتفاع الأسعار. عند محاولة الحكومة فرض ضريبة على التعاملات فى البورصة، هاج أصحاب المصالح الكبار وطالبوا بإصلاح منظومة الضرائب ككل، فهل الوقت مناسب لذلك، بالطبع لا، إنما الممكن العمل على زيادة المتحصلات ومنع التهرب الضريبى من الكبار، مما يزيد من الموارد دون اللجوء الى طلب التبرعات من رجال الأعمال، كما ان فرض ضريبة على من يتجاوز دخله المليون جنيه من الأفراد او الشركات يتطلب وضع الآليات التى تمنع تحويل عبء الضريبة الى المستهلك عن طريق زيادة الأسعار،فهل تقدر الحكومة على ذلك؟ الحديث عن خريطة جديدة لمصر وزيادة عدد المحافظات، يدخل فى نطاق الأفضل ولكن هل له الأولوية الآن فى ظل الفساد المتغلغل فى المحليات وتحويل كل المشروعات لأصحاب الحظوة دون ان يستفيد العاطلون، الأولوية الآن هى محاربة الفساد وتوفير الآليات الصحيحة لاختيار المسئولين وليس الحديث المجرد عن إعطاء الفرصة للشباب للعمل مع الوزراء والمحافظين، وهل من المناسب البدء فى مشروعات جديدة لإصلاح الأراضى ام مواجهة التعديات على الأرض الزراعية، لماذا لم تتعظ كل الحكومات بما حدث فى مشروعات الاستصلاح الزراعى التى تحولت الى منتجعات على طريق الاسكندرية الصحراوى والاسماعيلية الصحراوى ولماذا فشلت الحكومة فى إلزام من قاموا بالتربح من ذلك بدفع حق المجتمع، فلماذا لا تكون هذه هى البداية الممكنة والتى توفر المليارات لميزانية الدولة؟ ورغم دعوتى الى اختيار الممكن وليس الأفضل كبداية للعمل الجاد، فإن هناك ما هو مطلوب ان نبدأ فى البحث عن الأفضل وليس الممكن، وهوالخاص بهيكل الأجور فى الدولة، فالحكومة تحاول ترقيع نظام الأجور بأن تعطى مسكنات مالية لكل فئة تضغط من أجل زيادة الدخول، وكان آخرهم الأطباء الذين وضعت لهم الوزارة لائحة جديدة للحوافز بما يزيد من دخلهم، وهذا الأمر مرشح للتزايد مع فئات أخرى، مما يتطلب وضع نظام جديد للأجور يربط بين الانتاجية والأجر، ويضع حدا أقصى للدخل وتستطيع الحكومة فرضه على الجميع وليس ما يحدث الآن من استبعاد كل أصحاب الدخول العالية من التطبيق مما يجعل الحديث عن التقشف بلا معنى. فليبحث النظام الجديد عن الممكن الذى يمكن تنفيذه كأولوية أولى للاصلاح الاقتصادى ثم بعدها فليحدثون عن الأفضل وكيف تكون النهضة الشاملة، فلنقف على أقدامنا أولا قبل الحديث عن دخول السباق لنلحق بمن سبقونا اقتصاديا. لمزيد من مقالات د. محمد صفوت قابل