رنة مميزة على تليفونى المحول تعلن وصول رسالة قصيرة تحمل الجديد. "شاهد أفضل تسع رقصات على لقطات فيديو من الإنتخابات المصرية"! تعجبت من الرسالة. وتابعت ما نقله التليفزيون ووسائل الإعلام العالمية عن الإنتخابات الرئاسية المصرية أيام 26 و27 و28 مايو 2014. وكانت دهشتى كبيرة عندما وجدت مراسل إحدى القنوات التليفزيونية الأوروبية يقف أمام إحدى لجان الإنتخابات المصرية ويقول بإنفعال ملحوظ أن المصريين أصابهم "هوس إنتخابى" فراحوا يرقصون فى الشوارع حول اللجان الإنتخابية وصولا إلى أبواب اللجان. وبالفعل كان المنظر مبهجا وعجيبا فى ذات الوقت، فبدون مقدمات واضحة ذهب القلق من نتيجة الإنتخابات واختفى وذاب الخوف من وقوع هجمات إرهابية أمام الموسيقى الراقصة والرقصات التى شارك فيها الناخبون، وكان للمراسل الأجنبى كل الحق فى التعجب من المشهد غير المتوقع. فمن المتعارف عليه أن الإنتخابات الرئاسية فى أى مكان بالعالم تكون محفوفة بالقلق والترقب المصحوب بتفكير متعمق فى برامج المرشحين. وبالتالى يظهر الناخبون عند لجان الإقتراع وهم يقفون فى حالة ترقب وربما خوف وربما تفاؤل، ولكن غالبا ما يختفى الرقص أثناء العملية الإنتخابية ليظهر بعد إعلان النتائج! أما فى مصر فقد كان الرقص هو سيد الموقف قبل الإنتخابات بأيام قليلة ثم أثناء الإنتخابات وفور إنتهاء عمليات التصويت وبعد إغلاق لجان الإنتخابات فى اليوم الأخير، ثم إستمر الرقص خلال الأيام التالية أيضا! ولم أجد ما أفسر به الظاهرة سوى إستعادة بعض الحقائق حول الرقص فى الثقافة والتراث الشعبى المصرى والعربى. فالرقص المصرى يعد من وسائل الفرح والإبتهاج. وقديما كان الرقص من أفعال العبادة ظنا من الراقص أنه سيقربه من الإله فى المعبد. وفى عصور تالية إستمر الرقص الدينى على يد الدراويش وإن كان بشكل محتشم ومنظم ومصحوب بذكر الله. وهناك الرقص الشعبى الذى يعبر عن الروح القومية والملامح الوطنية وهو وسيلة حية لترجمة مشاعر ومعتقدات وطباع وثقافات وأعراف الشعوب. وهناك رقصات للفلاحين وأخرى للصيادين وأخرى للعمال وهناك أيضا رقصات للحرب مازالت معروفة حتى اليوم فى حلايب وشلاتين. وعلى مر الزمان ظهرت بمصر رقصات بين البسطاء للتخلص من أمراض الجن والعفاريت ! ولكن الجديد فى الأمر هو ظهور نوع جديد من الرقص وهو "الرقص الإنتخابى". وقد حملت رقصات الناخبين الكثير من المعانى. فهناك من رقص إبتهاجا وتقليدا للآخرين ممن تأثروا بحالة البهجة التى بثتها وسائل الإعلام قبل وأثناء الإنتخابات. وهناك من رقصوا تعبيرا عن سعادتهم بالنجاة من نظم مستبدة وفاسدة وعميلة، وهناك من رقصوا إبتهاجا بعصر جديد قادم يمثل لهم طوق نجاة وفرصة جديدة لتحقيق أمانيهم. وأيضا هناك من "رقصوا على السلالم" وهم الذين فشلوا فى اللحاق بأى مكاسب من النظام المطاح به، وفشلوا فى ركوب الموجة أثناء الحكم الإنتقالى وأخيرا فشلوا فى خداع الرئيس القادم!! دارت تلك الأفكار فى ذهنى وأنا أشاهد فيض الأغانى الإنتخابية الراقصة. وعندها نحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت.