بينما تستعد البلاد للإعلان رسمياً عن نتائج انتخابات رئاسة الجمهورية، وسط توقعات مؤكدة بفوز المشير عبدالفتاح السيسى برئاسة الجمهورية، يجرى الإعداد لتهيئة البيئة السياسية التى سيعمل فيها الرئيس الجديد. ويأتى فى مقدمة العوامل التى ستشكل هذه البيئة مشروع قانون انتخابات مجلس النواب الذى طرحته للحوار المجتمعى اللجنة المكلفة بإعداده برئاسة المستشار محمد أمين المهدى وزير مجلس النواب والعدالة الاجتماعية، ولم تنتظر اللجنة نتائج مناقشة المشروع بل أرسلت به إلى مجلس الدولة لمراجعة صياغته القانونية والتأكد من دستوريته، وقد اعترض على هذا المشروع حتى الآن ثمانية أحزاب كانت ممثلة فى مجلس الشعب الأخير بعدد معتبر من المقاعد، وترى هذه الأحزاب وبعض القوى الشعبية الأخرى أن هذا القانون سوف يكون له تأثير معوق لعملية التحول الديمقراطى فى مصر، وأنه مهما تكن مبررات اللجنة التى أصدرته فسوف يسهم فى تشكيل مجلس نواب مساير لرئيس الجمهورية، مجلس نواب يفتقد الطابع السياسى، ولا يمثل أغلبية الشعب، بل سيكون عماد هذا المجلس أعضاء يمثلون أغنياء الريف والعائلات الكبيرة ذات النفوذ، ورجال الأعمال وكبار الموظفين، ويحرم فى الوقت نفسه العمال الحقيقيون والفلاحون والنساء والأقباط والشباب من التمثيل العادل فى مجلس الشعب، التمثيل الذى يتناسب مع حجمهم ودورهم فى المجتمع. ويسهم هذا القانون الكارثى فى الوقت نفسه فى تهميش التعددية السياسية ويفتح الباب واسعاً أمام استمرار النظام السياسى السلطوى . أهم ما يلفت النظر فى تشكيل اللجنة التى صاغت مشروع القانون عدم وجود أى ممثل للأحزاب السياسية، ولم تستمع إلى رؤية هذه الأحزاب قبل أن تشرع فى إعداد القانون . بل إن مناقشات اللجنة كان يغلب عليها العداء للتعددية الحزبية وتنطلق من أن الأحزاب ضعيفة ومعظمها لا يملك مقومات الحزب الحقيقية، وبدلاً من أن تبحث عن النظام الانتخابى الذى يعزز التعددية الحزبية ويقوى هذه الأحزاب الضعيفة اختارت النظام الانتخابى الذى يجهز عليها، فقررت أن يكون الانتخاب بالنظام الفردى على 80% من مقاعد مجلس النواب، وأن يكون الإنتخاب بنظام القائمة المطلقة على 20% من المقاعد وتشمل القوائم الفئات التى نص الدستور على تمثيل مناسب أو ملائم أو عادل لها. ومعنى هذا أن الأغلبية الكبرى من الدوائر التى ستجرى الانتخابات فيها بالنظام الفردى والتى لا تقل نفقات الحملة الانتخابية عن نصف مليون جنيه فى أحسن الأحوال فى الدائره، وهو ما يعنى استبعاد أغلبية الشعب الكادح الذى تصل نسبة الفقر فيه إلى 50% من المواطنين. لن يتمكن عامل أو فلاح أو موظف أو مهندس أو محام من المشاركة فى هذه الانتخابات. وسيغيب الطابع السياسى عن الانتخابات لأن المفاضلة بين المرشحين ستكون على أساس الميزات الشخصية للمرشح ومدى قدرته على خدمة الناخبين (نائب الخدمات)، وتتم المنافسة بين القادرين مالياً وذوى النفوذ اجتماعياً ووظيفياً. ولن تتشكل أغلبية برلمانية ذات طابع سياسى فى الغالب، مما يجعل هذا المجلس أداة طيعة للسلطة التنفيذية ورئيس الجمهورية، وتعود البلاد مرة أخرى إلى هيمنة السلطة التنفيذية على العملية التشريعية، وتغيب الرقابة الحقيقية على أدائها . ومن عيوب هذا النظام أيضاً أنه يكفى فوز المرشح الحصول على نصف أصوات الناخبين +1 وإهدار النصف الآخر . ولا يختلف نظام القائمة المطلقة عن هذا الوضع ،لأنه أسوأ نظام إنتخابى اخترعته النظم الدكتاتورية، حيث تفوز القائمة بكل المقاعد إذا حصلت على نصف الأصوات +1، ويهدر النصف الباقى ، بل هناك فى حالات الإعادة بين أعلى قائمتين إهدار لثلثى الأصوات إذا تمت الإعادة بين قائمة حصلت فى الدورة الأولى على 20% من الأصوات وأخرى حصلت على 15% من الأصوات . يضاف إلى هذا كله زيادة عدد أعضاء المجلس إلى 630 عضوا وهو يشكل عبئاً على مناقشات المجلس الذى لن تكون له الفاعلية الكافية فى ظل هذا العدد ، وستضعف فرص الأعضاء فى المشاركة فى المناقشات، وفى القيام بأدوارهم البرلمانية مثل تقديم الاستجوابات وطلبات الإحاطة وغيرها. ولا توجد حالياً قاعة تستوعب هذا العدد بما يسمح بانتظام العمل فى المجلس ومناقشاته . من هذا كله فإن غالبية الأحزاب والقوى السياسية والديمقراطية لن تقبل المشاركة فى انتخابات فى ظل النظام الانتخابى المقترح، ولا بديل عن إجراء الانتخابات بنظام القائمة النسبية المفتوحة على ثلثى مقاعد المجلس على الأقل، وبحيث يكون للمستقلين والأحزاب حق تشكيل القوائم وحق الترشح الفردى. بهذا نضمن التمثيل العادل لكل فئات الشعب، وتعزيز الحياة السياسية، وإنضاج التعددية الحزبية التى لايمكن بناء نظام ديمقراطى بدونها، ونضمن كذلك تمثيلا عادلا بشكل حقيقى للمرأة والأقباط والشباب والعمال والفلاحين وذوى الإعاقة. إن الهدف الأساسى للثورة المصرية هو إقامة نظام ديمقراطى، دون الانتخابات بالقائمة النسبية وتعزيز التعددية الحزبية لن يتحقق هذا الهدف، وستظل مصر فى حالة قلق واضطراب إلى أن يتحقق ذلك، فهل تتدارك اللجنة أمرها وتعود إلى رشدها وتأخذ بالنظام الإنتخابى الذى يفتح الباب أمام التطور الديمقراطى؟ لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر