هل ينمو اقتصاد ألمانيا علي حساب اقتصاديات شركائها الأوروبيين؟ هذا السؤال تسبب في تعكير الأجواء بين ألمانياوفرنسا ودول أوروبية أخري. بعد أن تطوعت وزيرة المالية الفرنسية كريستين لاغارد بالإجابة عليه متهمة ألمانيا بأنها أحد أسباب الأزمة الاقتصادية لعدد من دول الاتحاد الأوروبي واختلال التوازن الاقتصادي لدي بعضها, وذلك بسبب الفائض الهائل في الميزان التجاري الألماني. الوزيرة الفرنسية اعتبرت قوة ألمانيا التصديرية تضر بالدول الأوروبية الأخري, وطالبت الحكومة الألمانية بتشجيع الطلب الداخلي علي السلع والاستهلاك المحلي في ألمانيا, لخفض الفائض الضخم في الميزان التجاري الألماني, مما يتيح للدول الأوروبية الأخري استعادة قوتها التنافسية وإعادة التوازن لميزانياتها, واعتبرت لاغارد أن قوة ألمانيا التصديرية تعود إلي تطوير قدرتها التنافسية وقيامها خلال العقد الماضي بضغط تكاليف الأجور بشدة, منتقدة هذا الأسلوب الذي يفيد ألمانيا ويضر بجيرانها. المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل ورموز ائتلافها الليبرالي المحافظ سارعوا برفض الانتقادات الفرنسية وأي محاولة لتحميل ألمانيا جزء من مسئولية الأزمة المالية. وأعلنت المستشارة أمام البوندستاج أن ألمانيا لن تتخلي عن قوتها الاقتصادية وقدرتها التنافسية متهكمة علي من يطالبون بلادها بأن تبطئ من سرعتها ليلحق بها الآخرون, في حين وصف سياسيون ألمان فرنسا بالغيرة من قوة اقتصاد بلادهم مؤكدين أن ألمانيا قامت بأداء واجباتها بشكل أفضل وعلي الآخرين أن يحذوا حذوها. كذلك ردت الحكومة الألمانية بأن اقتصادها هو قاطرة أوروبا وقت الأزمة ويستفيد من ذلك الفرنسيون أنفسهم كما أن ألمانيا أكبر ممول لميزانية الاتحاد الأوروبي. كما أوضحت أن الحكومة لا تتدخل في تحديد مستوي الأجور وقوة الاستهلاك, بل وحدهما جاذبية السلع الألمانية وجودتها. أما اتحاد المصدرين الألمان فسارع بنفي أن يكون نجاح ألمانيا في المنافسة يتم باستحواذها علي حصص دول أخري, مؤكدا أن سر تفوق الصادرات الألمانية يعود إلي طبيعتها كسلع استثمارية مثل الآلات والماكينات والصناعات الكيماوية في حين تعتمد فرنسا في صادراتها علي المنتجات الاستهلاكية. وعلي الرغم من التوقعات بزيادة صادرات ألمانيا في العام الحالي بنسبة9% بقيمة875 مليار يورو وأن يصل الفائض في الميزان التجاري الألماني إلي161 مليار يورو, فإن الاقتصاد الألماني لا يزال يعاني تبعات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية, وتراجع معدل النمو بنسبة5% في ظل عجز قياسي في ميزانية الدولة تجاوز5%, بيد أن الاقتصاد الألماني لا يزال الأقوي لأسباب منها استقرار سوق العمل. فمعدل البطالة الذي تجاوز7% أفضل منه في فرنسا مثلا(10%) وإسبانيا(20%) بل تتوقع المعاهد الاقتصادية تحسنا كبيرا في سوق العمل علي المدي المتوسط, حيث يتراجع عدد السكان باطراد ويتقاعد سنويا نحو مائتي ألف عامل دون أن يتم تعويض العمالة المفقودة بنسبة مقاربة من الشباب. وتمكنت ألمانيا من إيجاد فرص عمل جديدة تتيح العمل كل أو نصف الوقت في قطاعات التعليم والخدمات الصحية. كما أن القطاعات الصناعية لجأت لخفض ساعات العمل مقابل تحمل الدولة جزءا من رواتب وتأمينات العاملين وهو ما كلف الموازنة العامة خمسة مليارات يورو, وساعد علي تنفيذ ذلك قوة النقابات والتوجه العام لاقتصاد السوق الاجتماعية في ألمانيا. وبالنظر إلي الانتقادات الأوروبية لألمانيا يشير معهد بحوث الاقتصاد الألماني إلي أن القوة التنافسية الكبيرة للاقتصاد الألماني في قطاع التصدير تعود إلي استقرار تكاليف الأجور, بل إلي انخفاضها منذ بدء العمل باليورو عام1999 بنسبة13.5 في المئة, في حين ارتفعت في دولة مثل اليونان بنسبة15 في المئة, كما أن ألمانيا استفادت من العملة الأوروبية الموحدة بفضل اعتماد اقتصادها علي التصدير حيث شكلت عوائد الصادرات35% من إجمالي الناتج القومي عام2009. ألمانيا تري أنها ليست مسئولة عن الأزمة المالية, لذلك فإن الحل لاستعادة التوازن من وجهة نظر وزير المالية فولفجانج شويبلة لا يكمن في مطالبة الدول ذات الفائض الكبير مثل ألمانيا ومن بعدها هولندا وفنلندا والنمسا بتشجيع الطلب الداخلي, بل أن تبدأ أولا الدول التي عاشت في مستوي أعلي من إمكاناتها علي حد تعبيره بإصلاح هذا الخلل عبر زيادة صادراتها وربط الأجور بالإنتاج, ثم بعد ذلك وضع استراتيجية نمو مشتركة وتنسيق السياسات الاقتصادية وسياسات الأجور داخل دول الاتحاد بصورة أفضل عبر المفوضية الأوروبية.