أثناء دورة الألعاب الأوليمبية فى لندن عام 2012 إنصب إهتمام الجماهير على التنافس الرياضى بين الرياضيين والأمم المشاركة. ولكن فى بريطانيا كان هناك من يتابع الفرق البريطانية لغرض آخر بحثا عن إجابة لأسئلة حيوية تتعلق بمستقبل البلاد. فقد لاحظ المتابعون أن قائمة الأبطال البريطانيين ضمت لاعبين من أصول غير بريطانية وتم تركيز الضوء على بطلة ذات أصول جامايكية إيذانا بتنامى مجتمعات الأقليات العرقية السوداء فى البلاد. وكانت دراسة حديثة قد كشفت أن الأقليات العرقية ستشكل ثلث عدد السكان فى بريطانيا بحلول منتصف القرن الجارى أى بعد 36 عاما من اليوم. فقد أوضحت الدراسة الصادرة من مؤسسة “بوليسى إسكتشينج” أن صغر سن الأقليات العرقية نسبيا أصغر 20 عاما من متوسط عمر البريطانيين ذوى البشرة البيضاء بجانب إرتفاع معدل المواليد فى صفوف الأقليات العرقية المقيمة بالبلاد, يعنى أنه من المحتمل أن يتضاعف عددهم من ثمانية ملايين شخص حاليا(14% من إجمالى عدد السكان حاليا) ليصل إلى 30% من السكان بحلول منتصف القرن الحالى أى عام2051. فعلى مدى العقد الماضى, ظل تعداد سكان بريطانيا من أصحاب البشرة البيضاء ثابتا كما هو، فى حين تضاعف عدد السكان من الأقليات. وتقترح الدراسة إمكانية إنخفاض صافى عدد المهاجرين بشكل بسيط فى المستقبل إلا أنها توقعت أن تثبت عند مستوى 165 ألف شخص فى العام. وللتقرير آثار إجتماعية واقتصادية وسياسية خطيرة, لأن زيادة عدد الأقليات العرقية يعنى أن تصبح المدن البريطانية أكثر تنوعا من الناحية الثقافية, مما قد يعنى رحيل العائلات البيضاء, الأمر الذى يمثل مشكلة فى التماسك والترابط الاجتماعى بالبلاد. وحذر التقرير من أنه على الحكومات البريطانية أن تبذل جهدها فى المستقبل لتوفير فرص أفضل للتوظف بدلا من فرص التوظيف الفقيرة المتاحة للأقليات العرقية, الذين غالبا ما يحققون نتائج أفضل فى المدرسة ويكتسبون قدرات أفضل من الأطفال ذوى البشرة البيضاء إلا أنهم لا يحصلون على أفضل الوظائف. وقد كشفت الإحصائيات أن العاصمة البريطانية لندن أصبحت بمثابة سادس أكبر مدينة يقطنها الفرنسيون بعد أن وصل تعدادهم هناك إلى 400ألف فرنسى. وقد أشارت الدراسة إلى أن أكبر الأقليات وضوحا فى بريطانيا هى: الأقليات الهندية، ثم الباكستانية، والأفارقة، وزنوج الكاريبى ثم البنجلاديشيون. ولوحظ أن الأقلية البنجالية التى تعيش على الأراضى البريطانية هى أكبر مجتمع بنجالى خارج بنجلاديش ذاتها. وقد أسهمت المجتمعات السوداء والأقليات الإثنية ب80% من الزيادة السكانية فى بريطانيا. وتتراوح أعمار غالبية أفراد تلك المجتمعات بين 22 و39عاما. ولوحظ ان غالبية الأقليات تعيش بكثافة شديدة فى عدد محدود من المدن البريطانية الكبيرة جدا مثل لندن الكبرى وبرمنجهام الكبرى ومانشستر الكبرى حيث تستضيف تلك المدن مجتمعة أكثر من 50% من إجمالى سكان بريطانيا من الأقليات العرقية. وتستضيف لندن وحدها 50% من إجمالى السكان السود بالبلاد. ومن العجيب أن الإحصائيات والأبحاث أظهرت أن غالبية أبناء الأقليات العرقية السوداء يتمسكون بأن هويتهم «بريطانية فقط» إلا الأفارقة السود. وفيما يتعلق بالممارسات الدينية فعلى النقيض من البريطانيين البيض تم رصد إهتمام أبناء الأقليات العرقية بالدين وممارستهم لشعائرهم الدينية بإنتظام ويميلون إلى الإعتقاد بأن الدين يلعب دورا مهما فى حياتهم. وفيما يتعلق بالجوانب الإقتصادية أظهرت الدراسة أنه على الرغم من تركز الهنود فى المهن التى تتطلب أعلى قدر من الكفاءة متنافسين فى ذلك مع سكان البلاد من البيض، فإن غالبية أبناء الأقليات العرقية يمارسون أنشطة إقتصادية بمعدلات متدنية وتنتشر البطالة بينهم ومستويات متدنية من العمالة الدائمة مقارنة بالسكان البيض. وتعانى غالبية الأقليات من البطالة حيث تصل معدلاتها لديهم إلى ضعف متوسط معدلات البطالة فى المجتمع البريطانى الأبيض(6.6%) فعلى سبيل المثال يصل متوسط معدل البطالة بين الأفارقة السود فى بريطانيا إلى 14.8% إلا أن الهنود تصل معدلات البطالة بينهم إلى 8% فقط نظرا لمهاراتهم المهنية. وعند التوظف فإن أبناء بنجلاديش وباكستان يحبون أن يكونوا أرباب أعمالهم الخاصة بينما يعمل 50% من البنجاليين فى وظائف بنظام جزئى. وفيما يتعلق بالتعليم فإن أبناء الأقليات العرقية يمثلون 30% من الطلبة بالمدارس الإبتدائية المدعومة من الدولة. وفى قطاع الإعلام فإن أبناء الأقليات العرقية فى بريطانيا يشاركون ويتعاملون مع وسائل الإعلام الرئيسية فى البلاد بالإضافة لوسائل الإعلام ذات الطابع العرقى. وقد إنتشر الإعلام الآسيوى فى بريطانيا بشكل واضح حيث أصبحت هناك 50 قناة تليفزيون آسيوية مختلفة تقدم مختلف أشكال الرسائل الإعلامية. ولكن وسائل الإعلام الخاصة بالسود تعد هى الأدنى من حيث الإنتشار وإن ظلت صحيفة «ذا فويس» أقوى وأنجح صحيفة خاصة بالأقليات العرقية فى بريطانيا. ويمثل أبناء الأقليات العرقية 5.4% من العاملين بقطاع الإعلام فى بريطانيا ولكن لوحظ أن الفترة الزمنية بين عامى 2009 و2012 شهدت نموا فى أعداد العاملين بالصناعات الإبداعية بمقدار 4 ألاف شخص بينما تراجعت أعداد العاملين فى ذات القطاع من أبناء الأقليات العرقية بمقدار ألفى شخص.أما فيما يتعلق بميدان العمل السياسى، فقد ظهر تماثل فى مستويات الإنتماءات السياسية بين كافة الأقليات العرقية. إلا أن أقل معدلات للتسجيل ظهرت بين أبناء بنجلاديش ولكنهم يتسمون بأعلى معدلات للمشاركة فى الإنتخابات (78%). كما أن 83% من الباكستانيين مسجلين كناخبين مقارنة بالبيض (91%). ويميل غالبية أبناء الأقليات أكثر من البيض إلى الإعتقاد أن بإمكانهم التأثير على القرارات ذات التأثير على مناطقهم المحلية وعلى بريطانيا. وخلال إنتخابات عام 2010 أعطى 68% أبناء الأقليات العرقية أصواتهم لحزب العمال، و16% للمحافظين، و14% لليبراليين الديمقراطيين. وقد أعطى 87% من الأفارقة السود أصواتهم لحزب العمال بينما أعطاهم البيض31% فقط. ويظهر أبناء الأقليات الآسيوية إهتماما أقل بالسياسة على النقيض من الأفارقة السود الذين يظهرون إهتمامهم بها. ولكن يلاحظ أن أبناء الكاريبى السود يظهرون قدر أقل من الثقة فى مؤسسة الشرطة البريطانية والبرلمان على النقيض من الأفارقة السود وأبناء بنجلاديش الذين يظهرون مستويات مرتفعة من الثقة فى المؤسستين. وهكذا تحولت بريطانيا إلى دولة يتقلص فيها البيض الأصليون أمام زحف أبناء العرقيات السوداء أو المختلطة من أفريقيا وآسيا والكاريبى التى كانت يوما ما قطع صغيرة فى جسد الإمبراطورية البريطانية التى لاتغيب عنها الشمس.