«إن تسليم معدات الاتصال وعلب الإسعافات الأولية اللازمة لضمان سلامتهم لم يحدث فى الوقت المنشود لأسباب إدارية رغم مطالبتنا المتكررة. ورغم جهودنا إلا أنه لم تتحقق الشروط المطلوبة، وانتشار البعثة فى الوقت المحدد لم يعد ممكنا.» كانت هذه هى المبررات التى صدرت عن الاتحاد الاوروبى للقرار الذى أعلنه أمس الأول بخفض عدد البعثة التى يتم الإعداد لها منذ شهر تقريبا لمراقبة الانتخابات الرئاسية يومى 26 و27 من مايو الجاري. وينص القرار المفاجئ على خفض عدد البعثة وتغيير طبيعة عملها فى مصر من مراقبة الانتخابات لمجرد تقييمها، مع قصر عمل البعثة المتبقية على القاهرة فقط. وجاءت مبررات القرار غير مفهومة، ففى الثامن عشر من إبريل الماضي، بدأ توافد أعضاء البعثة التى كان من المقرر أن يبلغ قوامها 150 شخصا لمراقبة الانتخابات فى عدد من المحافظات المصرية. وكان من المقرر أن تقوم البعثة بعمل تحليل شامل للعملية الانتخابية بناء على متابعة طويلة المدى ووفقا للمعايير الدولية. وبدأت البعثة عملها فى مصر بصورة رسمية فى الشهر الماضي، وصرح رئيس البعثة آنذاك ماريو ديفيد بأن البعثة جاءت استجابة لدعوة السلطات المصرية لمراقبة الانتخابات وهى المرة الأولى التى يرسل فيها الإتحاد الأوروبى بعثة رسمية لمراقبة انتخابات الرئاسة منذ ثورة 25 يناير. واكد ديفيد آنذاك أن البعثة لن تتدخل أو تشرف على العملية الانتخابية، فهى انتخابات خاصة بالشعب المصري، وأعرب الإتحاد الأوروبى عن أمله فى أن تساهم عملية التقييم التى سيقومون بها بصورة محايدة وموضوعية فى عملية التحول الديمقراطى فى مصر. ورحبت مصر بالاستجابة من جانب الإتحاد وإرسال البعثة لإثبات شفافية العملية الانتخابية ليصبح ممثلو الإتحاد شاهدا أمام العالم على نزاهة الانتخابات الرئاسية فى مصر. وكالعادة، أعطت أوروبا لنفسها الحق فى مطالبة مصر بالتزامات من حين لأخر، وطالب الإتحاد الأوروبى مصر بإجراء انتخابات تتسم بالشفافية والمصداقية من خلال السماح بوجود مشاركة دولية وفقا للمعايير الدولية، وهو الأمر الذى رحبت به مصر بالفعل من خلال دعوة عدة أطراف دولية منها الاتحاد الأوروبى لمراقبة الانتخابات. ووقع الجانب الأوروبى ووزارة الخارجية المصرية واللجنة العليا للانتخابات مذكرة تفاهم تسمح بتحرك المراقبين الأوروبيين فى أنحاء البلاد دون عائق بالإضافة لإمكانية وصولهم لكافة المحاورين السياسيين و القانونيين. وكان من المقرر أن يعمل فريق العمل الأوروبى بصورة مستقلة لتقييم العملية الإنتخابية بناء على معايير انتخابية مماثلة، على أن يصدر التقرير الخاص بالبعثة بعد أسابيع قليلة من إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية. ولم يعد البيان الصادر عن الإتحاد الأوروبى بشأن تعديله لطبيعة عمل البعثة مقنعا لاحد، خاصة وأن الوقت أصبح متاخرا جدا، ليس كما اعلن البيان الاوروبى لكن آن التراجع الأوروبى جاء متأخرا هو الآخر. اما الإبقاء على فريق تقييم الانتخابات ليعد شاهدا على رغبة الإتحاد الأوروبى فى المحافظة على التزامه فى العملية الانتخابية، فهو ايضا كلام مرسل بعد القرار المشار اليه، لانه لن يفيد فى عملية المراقبة بحذافيرها كما هو متفق عليه سلفا. وأما قول البيان أن البعثة مازالت تعول على دعم السلطات المصرية التام لتسهيل عمل البعثة المتبقية وتوفير السلامة اللازمة لها، فهذا كلام مرودود عليه بنص المذكرة الموقعة بين الطرفين ، وكذلك عدم انسحاب بقية المراقبين الدوليين الذين يتواصل قدومهم الى مصر. ويظل اتخاذ القرار وفكرة التراجع عنه غير مفهوم، فهل جاء لاعتبارات أمنية رغم تواجد أعضاء البعثة منذ فترة كافية فى مصر بصورة تؤهلهم لدراسة الوضع الامنى وتقييمه ؟ اما المقصود من القرار إثارة الشكوك حول عملية الانتخابات فى وقت تسعى مصر لإثبات نزاهة تلك الانتخابات أمام العالم ؟!