يستحق المناضل والسياسى والمرشح الرئاسى حمدين صباحى كل التحية والتقدير نظراً لشجاعته وبسالته فى التمسك بأهداف الثورة المصرية، ودخوله حلبة المنافسة الرئاسية على منصب رئيس الجمهورية، فى ظروف دعت الكثيرين ممن يملكون هذا الطموح إلى التخاذل والارتداد وعدم الاهتمام، بمصير ومستقبل وأهداف الثورة، وخلقت مناخاً غير مؤات للثورة أو لأهدافها ومشبعاً بالانحيازات ضدها. ولا شك أن اقتناعى بجدارة حمدين صباحى لخوض هذا السباق ليس مبعثها أنى أنتمى لجيل حمدين وإن كنت لا أنكر أن هذا الانتماء له بعض التأثير- ولكن الباعث على هذا الاقتناع يعود إلى الآثار والتداعيات التى يحملها ترشح صباحى فى الانتخابات الرئاسية الحالية. وإذا افترضنا جدلاً عزوف حمدين صباحى عن هذا الترشح وجريه على السنة التى استنها ذوو الطموحات الرئاسية السابقون، فإن صورة مصر بالخارج بين موجتين ثوريتين فى 25 يناير عام 2011 و 30 يونيو عام 2013، سوف يصيبها قدر كبير من الاهتزاز والتشوش، حيث ستصبح هذه الانتخابات مجرد استفتاء معدل على شخصية المرشح الرئاسى المنافس المشير عبد الفتاح السيسى، وسوف يعيد المصريون وغيرهم من العالم أجمع اجترار ذكريات الاستفتاءات السابقة وبالنسب العالية المعروفة، وسيبدو للكافة أن مصر والمصريين قد أدمنوا تلك النوعية من الاستفتاءات التى تبقى على كل شئ كما هو، وتحجب إرادة المواطنين فى غياهب النسيان، وترسخ تلك التقاليد السيئة فى الممارسة السياسية فى مصر، ولا تليق بمصر والمصريين قبل ثوراتهم أو بعدها. لقد أنقذ ترشيح صباحى وتجاوزه البناء لألسنة السوء والغمز واللمز، صورة مصر الثورة والدولة والشعب، وأصبح ترشيحه إعلاناً عن بقاء الثورة وأهدافها، وأنها أى الثورة لا تزال خارج السلطة والدولة، لم تحكم ومن ثم بقيت خارج إطار الحلف الطبقى الرأسمالى والبيروقراطى الذى لايزال يحكم بعد الثورة. يحمل ترشيح حمدين صباحى للانتخابات الرئاسية معنى أكثر رقياً للسياسة فى مفهومها العام؛ أى الاشتباك مع الواقع بمختلف جوانبه وطرح الرؤى والتصورات لمعالجة أوجه الخلل الظاهرة والمسكوت عنها، وإعادة بناء واقع جديد يحقق المصالح الوطنية وأهداف الثورة فى آن واحد، السياسة كما فهمها ثوار 25 يناير وثوار 30 يونيو، أى التغيير مع الناس وبالناس ومن أجلهم كذلك بعيداً عن التنظيرات والأفكار المجردة والمعزولة عن الواقع. إن هذا المفهوم للسياسة يرفع أهداف الثورة فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية من واقع الشعار والحلم إلى الواقع المحدد بتعقيداته وتوازناته المختلفة، ويدخل بالثورة وأهدافها إلى مفتاح التغيير الحقيقى والممكن، أى الوصول للسلطة، وحتى لو كان ذلك غير ممكن فى اللحظة الراهنة، فيكفى أن صوت الثورة والبسطاء لم يتوقف عن المطالبة بأهدافها، ولن تتمكن أية سلطة من إسكات صوت الثورة وإدخاله دائرة الصمت، فى 10 يونيو عام 2012 وبعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية كتبت مقالاً فى جريدة الأهرام بعنوان الكتلة التاريخية للتغيير قلت فيه إن هذه الانتخابات (2012) قد منحت للثورة قيادة جديدة ممثلة فى شخص حمدين صباحى وأصبح للثورة عنواناً واضحاً من خلاله يمكنها أن تتفاوض وتبعث برسائلها لمن تشاء. وقد اعتبرت ذلك مكسباً مهماً للثورة المصرية وأهم ضمانة لوصول الثورة إلى أهدافها فى المستقبل، ولا يخلو ذلك الرهان من مصداقية فى هذه الانتخابات الرئاسية الحالية فسواء فاز حمدين أو لم يفز، ففى الحالتين لن يخسر بل سيكسب تشكيل كتلة للتغيير تلعب دوراً مهماً فى المرحلة الراهنة، وذلك فضلاً عن المعارضة الثورية وبقائها فى فضاء السياسة المصرية، والتوازن الذى يمكن أن تدعمه بين مصالح الفئات المتنفذة ومصالح جمهور المواطنين والبسطاء. إن ثمة بعض المعارك لا يمكن الاقتصار فى تقييم نتائجها على مبدأ الفوز أو الخسارة، بل من الممكن أن يكون أساس هذا التقييم دخول المعركة ذاتها؛ لأنها تتعلق بقضايا كبرى تتضاءل إزاءها الحسابات الضيقة، وقد لا أكون مبالغاً إذا ما قلت أن قبول هذا التحدى وتلك المعركة الرئاسية وإدارتها قد تكون أهم فى التقويم من نتائجها التى ستظهر لاحقاً. من الآن يمكن تلمس بعض العناصر الإيجابية التى ارتبطت دون شك بإقدام حمدين صباحى على الترشح فى هذه الانتخابات الرئاسية، يأتى فى مقدمة هذه العناصر التغير الإيجابى الذى لحق بصورة مصر فى عيون العالم وربما أيضاً فى عيون أبنائها، حيث وضع ترشيح صباحى حدا للاستفتاءات والتزكية وأصبح لدينا درجة معينة من التنافسية فى هذه الانتخابات رغم ضآلة عدد المرشحين واقتصاره على اثنين فقط مقارنة بانتخابات 2012، أما ثانى هذه العناصر فهو الحرص على إدارة العملية الانتخابية بطريقة مقبولة حتى الآن والحؤول دون ظهور الانحيازات أو أغلبها حتى الآن، واختبار مصداقية الدولة وحيادها، وأخيراً وليس آخرا انعكاس ذلك على العملية السياسية والديمقراطية ووجود معارضة مؤثرة فى النظام الذى سيعقب إعلان نتائج هذه الانتخابات. إن هذه العناصر الإيجابية وغيرها سوف تسهم فى تشكيل مستقبل مصر وانتقال صورة المستقبل هذه من عالم الحلم والتخيل إلى عالم الواقع والمعاش. لمزيد من مقالات د. عبد العليم محمد