ما من شك ان الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تعد تلك القوى التى تستطيع بالذكاء والدهاء، اكتساب أصدقاء جدد أو توطيد علاقات قديمة فهذه الرغبة المحمومة فى فرض ثقافتها على حضارات أخرى تختلف عنها، افقدتها مؤخرا مساحة واسعة من العالم وكلما تراجع النفوذ الأمريكى، اكتسب منافسوها الروس والصينيون ارضا جديدة وهو ما كشفته مؤخرا جولة كيرى لثلاث دول إفريقية فى مقابل جولة رئيس الوزراء الصينى الافريقية، حيث انتهت زيارته الأولى بفشل فى فرض الشروط الأمريكية على الدول التى زارها فى الوقت الذى نجح فيه الصينيون فى توطيد علاقاتهم بالقارة، من خلال تبنى مشروعات تنموية تعود عليهم وعلى شعوب إفريقيا بالنفع مع احترام ثقافتهم وحضارتهم وارادتهم. لماذا فشل كيرى فى جولته الإفريقية رانيا رفاعى بدا واضحا أن الولاياتالأمريكيةالمتحدة لم تعد تألو جهدا لتعويض الخسائر الفادحة التى منيت بها مؤخرا على الساحة السياسية العالمية والتى تصب يوما بعد الآخر فى صالح الدب الروسى وحليفتها الصين. والمتأمل فى حال تحركات الخارجية الأمريكية سيجد أن تحركاتها هذه الأيام «مكوكية» بمعنى الكلمة لإعادة شىء ولو قليل من التحالفات التى خسرتها فى القارة الافريقية لا سيما بعد أحداث الربيع العربى. ومن هذا المنطلق قام جون كيرى وزير الخارجية الأمريكية مؤخرا بجولة فى ثلاث دول افريقية أولاها اثيوبيا حليفها الأول فى القرن الإفريقى وشرطيها فى المنطقة لدعمها فى الحرب على الارهاب، كما زار الكونغو وأنجولا.. ووفقا لبيان وزارة الخارجية الأمريكية عن جولة كيرى، فإن الهدف من زيارة كيرى لاثيوبيا كان مطالبتها بالافراج عن المعتقلين السياسيين و سجناء الرأى وافساح المجال أكثر لكفالة حقوق الانسان التى تتراجع بشكل ملحوظ فى أديس أبابا. وفى قاموس السياسة الخارجية الأمريكية فإن الحديث عن حقوق الانسان دائما هو «العصا» التى تلوح بها واشنطن لمن تغضب عليهم حتى وإن كانوا من حلفائها ، لتعلن بذلك أنهم ليسوا رجال هذه المرحلة. أما «الجزرة» فهى الاشادة بالدورالاثيوبى فى الحرب على الارهاب فى مواجهة تنامى تنظيم القاعدة فى القارة الإفريقية. وعلى كل حال، فإن حالة الاستنفار فى الصحافة الاثيوبية ضد مصر سواء فى الأخبار الملفقة أو فى مقالات الرأى العدائية تعكس بصورة أو بأخرى حالة اليأس التى وصل لها صناع القرار فى اثيوبيا من اقناع الحليف الأمريكى بالتوقف عن دعوة اثيوبيا بضرورة التفاوض مع مصر فيما يتعلق بقضية السد خاصة فى ضوء ما نشرته «وكالة رويتر» عن قيام الهيئات المالية الدولية الكبرى مثل البنك الدولى و صندوق النقد الدولى بايقاف تمويل المشروع نتيجة ضغوط أمريكية. كان جون كيرى قد كتب مقالا للرأى نشرته واشنطن بوست فى أول أيام جولته الافريقية، قال فيه إن الدول الافريقية ترتبط مع بلاده بروابط تاريخية و اقتصادية عميقة، فقد استثمرت واشنطن بلايين الدولارات فى مجالات الرعاية الصحية والتنمية و مكافحة الايدز والملاريا، كما أن القوات الأمنية الأمريكية تعمل مع نظيراتها الإفريقية لمكافحة التطرف داخل القارة. لكن الحقيقة المؤكدة التى ربما لا تعترف بها الخارجية الأمريكية حتى الآن هى أن بعض القادة الافارقة رفضوا الالتفات الى مطالبات كيرى، ومن ثم وضعوا إدارة أوباما أمام خيارين: إما أن تواصل البحث عن الفرص الاقتصادية مع حكومات إفريقية لا تحترم حقوق الانسان ولا تطبق القانون، أو أن تظل فى المقعد الخلفى فى المنافسة العالمية القائمة من خلال تجنب دول منطقة افريقيا جنوب الصحراء المتعنتة. وأوضحت الصحيفة أن أكبر دليل على فشل جولة كيرى تمثل فى الاعلان عن اتفاق مؤقت لاعادة اطلاق محادثات السلام المتوقفة فى جنوب السودان»، حيث أكد مسئولون أمريكيون استمرار القتال لأكثر من ستة أشهر بين قوات الرئيس سيلفا كير ونائبه السابق المعارض رياك ميشار، وهو ما تسبب فى إغراق البلاد فى آتون حرب أهلية. وأشارت (واشنطن بوست) إلى أنه قبل مغادرة كيرى إفريقيا، وبعد التهديد بفرض عقوبات مالية وحظر للسفر على كلا الزعيمين وقاداتهما العسكريين، وكذلك تهديده بإرسال قوات تابعة للأمم المتحدة لوقف القتال، إلا أنه تم التوصل إلى اتفاق علي تعهد الطرفين بتشكيل حكومة انتقالية إلا أن حتى هذا الاتفاق يظل مرهونا بالوضع على الأرض. وبالنسبة لثالث جبهة يخسرها كيرى بعد أن رفضت عرضه، قالت الصحيفة إن كيرى تعهد بتقديم 30 مليون دولار امريكى على الأقل لمساعدة الكونغو الديمقراطية- التى نجت بالكاد من قتال مسلح استمر عشرين عاما على الأقل بين الحكومة والميليشيات المعارضة- على إجراء الانتخابات الرئاسية عام 2016 شريطة أن يتنحى الرئيس جوزيف كابيلا فى نهاية مدة رئاسته، وفقا للدستور. واستطردت تقول:» إن رد حكومة كابيلا على ذلك كان فاترا وهزليا، حيث أعلن المتحدث باسم حكومته لامبرت مندى أنهم سوف يحترمون الدستور، ولكن قد تطرأ بعض التعديلات عليه، المفاجأة هذه المرة أن سياسة «سيف المعز و ذهبه» لم تجد قبولا حقيقيا لدى أبناء القارة السمراء وفقا لتقرير نشرته واشنطن بوست عقب جولة كيري.حيث اصطدم بتحديات جديدة، خاصة فيما يتعلق بفرص الاستثمار، حيث تحتل واشنطن مرتبة متأخرة فيما وصفته الصحيفة بالسباق العالمى لجنى الفوائد الاقتصادية فى إفريقيا.ومن الواضح أن الاشارات القوية بتراجع الدور الأمريكى فى القارة الإفريقية وصلت بالفعل لصناع القرار فى واشنطن، مما دفع بالاعلان عن ان الرئيس الأمريكى باراك أوباما سيستضيف قمة فى شهر أغسطس القادم يحضرها قادة من أكثر من 40 دولة إفريقية، فى محاولة لبناء روابط مالية اقوى مع دول القارة السمراء. .. وكيف ثبتت الصين أقدامها فى القارة محمد عثمان 10مليارات دولار إضافية قروض من الصين لافريقيا حسبما أعلن رئيس مجلس الدولة (رئيس الوزراء) الصينى لى كه تشيانج الذى يقوم حاليا بجولة افريقية تضمنت اثيوبيا حيث مقر الاتحاد الافريقي, ونيجيريا وأنجولا وكينيا.الاعلان عن القروض الإضافية نقلته وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن رئيس الوزراء الصينى لى كه تشيانج يوم الاثنين الماضى يعد مثالا على ما تعتبره الصين تعاونا استراتيجيا مع القارة السمراء ذلك التعاون الذى يواجه اتهمات بكونه استعمارا جديدا خاصة مع تركيز الصين على الدول الافريقية الغنية بالموارد الطبيعية. الجولة تعد الأولى لتشيانج فى إفريقيا، بعد تولى منصب رئيس مجلس الدولة الصينى، كما أنها أول زياراته الخارجية هذا العام تعكس مدى الاهتمام الذى توليه الصين للقارة الافريقية ..» وفى تصريحات للمسئول الصينى نقلها القسم الاعلامى للسفارة الصينية بالقاهرة وصف هذه الجولة بأنها رحلة للتناقل والتعاون والتضامن وسيرعلى طريق الصداقة الذى فتحه الجيل السابق من القيادات الصينية حيث تجدد الصين للشعوب الإفريقية البالغ عددها مليار نسمة على أن الشعب الصينى الذى يبلغ عدده مليارا وثلاثمائة مليون نسمة دائماً وأبداً سيكون صديقها المخلص وشريكها الموثوق ، وأن الجانب الصينى حريص على العمل مع الجانب الإفريقي. وقال رئيس مجلس الدولة «هناك مثل إفريقى يقول: من يمشى بمفرده يمشى سريعاً، ومن يمشى مع الآخرين يمشى بعيداً. إن الصداقة والمشاعر العميقة التى ظلت صامدة أمام اختبارات الزمان وما يبنى عليها من التعاون الشامل المتميز بين الصين وإفريقيا يستحقان كل الحرص من شعوبنا» وردا على دعاوى ممارستها لنوع جديد من الاستعمار لافريقيا، قال لى كه تشيانج رئيس مجلس الدولة الصينى إن ما يسمى ب «قيام الصين بممارسة الاستعمارية الجديدة فى إفريقيا» لا يتطابق مع المناهج الصينية التقليدية والحضارة الصينية من جهة، ومن جهة أخرى، لا يعكس حقيقة التعاون المشترك الصينى الإفريقى وما يحققه هذا التعاون من المنفعة المتبادلة والكسب المشترك. ومما لاشك فيه ان الواقع يشير الى ان التعاون الصينى الإفريقى قدم للتنمية فى إفريقيا مساهمات فعالة تركزت على المجالات الاجتماعية والمعيشية،من اجل تحسين البيئة الاستثمارية ومستوى معيشة الشعوب فى إفريقيا وجعل عمليات الإنتاج والحياة اليومية أكثر سهولة ويسراً جراء العدد الكبير من مشاريع البنية التحتية التى بنتها الصين فى إفريقيا دون مقابل. هذا بالاضافة الى قيامها بتقليص وإعفاء الديون الصينية المستحقة على إفريقيا بقيمة عشرين مليار يوان صينى حتى نهاية عام 2013من أجل تعزيز قدرة الدول الإفريقية على تحقيق التنمية الذاتية. وقد عمل الجانب الصينى على تدعيم التعاون الصيني- الإفريقى فى المجالات التصنيعية والمالية، والمساهمة فى بناء نظام مستقل ومتكامل للتصنيع الحديث والزراعة الحديثة فى الدول الإفريقية ، وتوطيد أسس التعاون باستمرار. وقال رئيس مجلس الدولة : «إن التعاون الصينى الإفريقى يوفر الفرص للجانبين ويحقق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك. وقد بلغ حجم التبادل التجارى بين الصين والدول الإفريقية فى عام 2013، 21 مليار دولار وهو ما يشكل ألفى ضعف من ذى فى عام 1960، كما تبقى الصين أكبر شريك تجارى لإفريقيا لخمس سنوات متتالية. وتجاوز عدد الشركات الصينية العاملة فى إفريقيا 2500 شركة وفرت أكثر من مائة ألف فرصة عمل للمجتمعات المحلية، أما عدد السياح الصينيين فى إفريقيا، فقد تجاوز مليوناً وأربعمائة ألف سائح فى العام الماضي، الأمر الذى جاء بعائدات كبيرة للنقد الأجنبى للقارة. وبناء على التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي، إن نسبة المساهمة للتعاون الصينى الإفريقى فى النمو الاقتصادى فى إفريقيا قد تجاوزت 20%، وإن «العامل الصيني» أخذ يبرز فى التنمية الإفريقية وردا عن ممارسة الصين الاستعمار الجديد فى إفريقيا قال تشيانج إن الصين والدول الإفريقية أخوة وشركاء فى السراء والضراء ويعملون على تحقيق التنمية المشتركة. ويلتزم الجانب الصينى دائماً بالمساواة والمنفعة المتبادلة والجهود العملية والفعالة والصدق والوفاء فى التعاون مع إفريقيا دون وضع أى شروط سياسية لتقديم المساعدات لإفريقيا، هذا هو ما التزمنا به منذ العشرات سنين دون تغيير.