هل يجوز أن أعطي ما أَملِك لِبَنَاتي وزوجتي في حال حياتي أم لا؟ أجابت دار الإفتاء المصرية، قائلة: يجوز للإنسان في حال حياته، وكمال أهليته بالبُلُوغ والعَقل والاختيار وعَدَم الحَجر عليه أن يتصرف في ملكه تَصرُّفًا ناجِزًا بِشتَّي أنواع التصرفات المشروعة كما يشاء حسبما يراه مُحَقِّقًا للمَصلحة. فإذا تصرف الإنسان ذلك التصرف الناجِز ثم مات فإن هذه التصرفات -سواء أكانت هِبَاتٍ أم تنازُلاتٍ أم بُيُوعًا أم غيرَ ذلك- هي عُقودٌ شرعيةٌ صحيحةٌ نافِذَةٌ يُعمَل بها، ولا تَدخُل الأشياءُ التي تَصَرَّف فيها بهذه العُقود ضِمنَ التركة، بل تكون حَقًّا خالِصًا لِمَن كُتِبَت له لا يُشارِكُه فيها غيرُه مِن ورثة الميت، ولا حَقَّ لهم في المُطالَبة بشيءٍ منها. وقد يَخصُّ الإنسانُ بعضَ مَن يَصيرون ورثتَه أو غيرَهم بشيءٍ زائدٍ، لمعنًي صحيحٍ مُعتَبَرٍ شرعًا، كمُوَاسَاةٍ في حاجَةٍ، أو مَرَضٍ، أو بَلَاءٍ، أو كَثرَةِ عِيَالٍ، أو لِضَمَانِ حَظِّ صِغَارٍ أو لمُكافأةٍ علي بِرٍّ وإحسانٍ، أو لمَزيدِ حُبٍّ، أو لمُساعَدَةٍ علي تَعليمٍ، أو زواجٍ، أو غيرِ ذلك، ولا يكون بذلك مُرتكِبًا للجَور أو الحَيف، لوجود عِلَّة التفضيل، وبهذا يُعَلَّل ما وُجِد مِن تفضيلِ بَعضِ الصحابةِ رضي الله تعالي عنهم لِنَفَرٍ مِن ورثتهم علي نَفَرٍ آخَر، كما رُوِي ذلك عن أبي بَكرٍ وعائشة رضي الله تعالي عنهما وغيرِهما، وبهذا يُفهَم اختيار الجمهور لاستِحباب المُسَاواة بين الأولاد في العَطِيَّة وعَدَمِ قولِهم بالوجوب. ويجوز لك شرعًا أن تُعطِي ما تشاء مِمَّا تملك لِمَن تشاء، سواء لِبَنَاتِك أو لِزَوجتك أو لِغَيرِهِنَّ، لِمَصلَحةٍ تراها، ولا إثم عليك في ذلك، لأنك إنما تتصرف فيما تَملك حسبما تراه مُحقِّقًا للمَصلَحة. البشعة ليس لها أصلٌ في الشرع ما حكم الشرع في البشعة، وهي عبارةٌ عن نارٍ توقد في الخشب ويوضع عليها إناءٌ نحاسيٌّ يَتم تسخينه إلي درجة الاحمرار، ويقوم المُتَّهَم بالسرقة بِلَعْق هذا الإناء: فإن كان بريئًا لم يُصِبه شيءٌ في لسانه، وإن كان مُدَانًا يُصاب في فمه؟ البشعة ليس لها أصلٌ في الشرع في إثباتِ التُّهَمِ أو مَعرِفة فاعِلِها، والتعامل بها حرامٌ ولا يجوز شرعًا؛ لِمَا فيها مِن الإيذاء والتعذيب، ولَمَا فيها مِن التَّخَرُّص بالباطل بدعوي إثبات الحَقِّ، وإنَّمَا يجب أن نَعمَل بالطُّرُق الشرعية التي سَنَّتْها لنا الشريعة، مِن التراضي أو التقاضي، مُستَهْدِينَ بنحو قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: (البَيِّنةُ علي مَنِ ادَّعي واليَمِينُ علي مَن أَنكَرَ) رواه الدار قطني. وقد رَسَمَت لنا الشريعةُ السَّمْحَة طُرُقَ المُطالَبَةِ بالحَقِّ وإثباته، أو نَفي الادِّعاءِ الباطل، وهذا ما يجب علي المسلمين أن يَتمسَّكوا به دون سواه مِن الطُّرُق السيِّئة التي لا أصلَ لها في الشرع؛ فإن الشرع لم يَجعل إثباتَ التُّهَمِ مَنوطًا بغيرِ ما رَتَّبه طريقًا لإثباتِ ذلك مِن إقرارٍ أو بَيِّناتٍ أو نَحوِها.