أعتقد أننا فى أشد الحاجة للاستعداد لمواجهة أزمة ظلام حقيقية تؤكد كل الشواهد والحسابات أننا مقبلون عليها لا محالة فى الشهور القليلة المقبلة طبقا لتصريحات وزراء الكهرباء والطاقة والبترول والثروة المعدنية فى حكومة ترى أن المصارحة والمواجهة هى أفضل أساليب حل المشكلات العالقة وتقدر التقارير الرسمية عجز الطاقة الكهربائية فى مصر بما يقرب من 3000 الى 4000 ميجاوات وهو ما يعنى انقطاع التيار يوميا بين 3 و 6 ساعات لأسباب عديدة فى مقدمتها عاملان أساسيان الأول تهالك المحطات الحالية التى تجاوز بعضها العمر الافتراضى والبعض الآخر فى حاجة الى عمليات صيانة واحلال واستبدال لقطع غيار مكلفة للغاية فضلا عن أن هناك بعض المحطات سواء من الغاز الطبيعى أو السولار أو المازوت ويحذر الجميع من أننا مقبلون على صيف مزعج قد يضطر البعض فيه الى اللجوء الى ما يتيسر من البدائل المتاحة ابتداء بالشموع وانتهاء بالاستعانة بوحدات الاضاءة عند الطوارئ كل حسب قدرته المادية وثقافته فى مواجهة الأزمة ويحذر المسئولون من أنه لابد من ترشيد الاستهلاك لمواجهة محدودية الموارد وقلة الإمكانات المتاحة لتوليد الكهرباء، ولابد أن نوائم أنفسنا مع الظروف لأنه فى حالة زيادة الاستهلاك عن الانتاج لن يكون هناك مفر من قطع التيار الكهربائى حتى لا تنهار شبكة الكهرباء بالكامل وهى كارثة لا تتحملها دولة يعيش فيها أكثر من 90 مليون مواطن. ويتعين التفكير فى حلول عاجلة غير تقليدية لأن تداعيات تلك المشكلة على المستويين المؤسسى والشعبى ستكون بالقطع كارثية فنقص الطاقة الكهربائية سيؤثر سلبيا على معدلات النمو ويهدد خطة الدولة للتنمية الشاملة فى وقت لا يحتمل توقف عجلة الانتاج وإغلاق بعض المصانع أو خفض انتاجها لأن ذلك يعنى تفاقما حتميا فى أزمة البطالة وانخفاضا فى الدخل القومي.. أما على المستوى الشعبى فالمشكلة طالت الحرفيين والمهنيين وأصحاب الصناعات الصغيرة وأثرت سلبيا على دخولهم اليومية ومع ذلك فإننى على ثقة من أن الشعب المصرى الذى تعود لعقود طويلة فى عهود سابقة على سياسة ربط الأحزمة على البطون دون أمل فى مستقبل أفضل قادر الآن على دعم خريطة طريق مصر الحديثة والمتطورة وقبول انقطاع التيار لفترة محدودة كل يوم بشرط أن تقدم الحكومة اطارا واضحا وصريحا لحل الأزمة وخطة زمنية لحلها والحرص على اخطار المواطنين بمواعيد محددة لقطع التيار على مستوى محافظات الجمهورية حتى يمكنهم جدولة أنشطتهم اليومية طبقا لها.. ومن المهم نشر ثقافة ترشيد الاستهلاك بصرف النظر عن الامكانات المادية للمستهلكين وتجريم الاستهلاك غير المسئول للكهرباء فى المؤسسات الحكومية والشوارع نهارا واستخدام الخلايا الالكترونية التى تتحكم فى فصل الكهرباء نهارا عن الشوارع والميادين وكذلك محاسبة رجال الأعمال وأصحاب المحال عن الاستهلاك المجنون للكهرباء فى مهرجانات واحتفالات دعائية تمتد أحيانا الى الصباح خاصة خلال الشهر الكريم. ولابد أن للقضية شقا يتعلق بنقص الموارد المالية لوزارة الكهرباء مما يتطلب تدخلا حكوميا لدعم ميزانية الوزارة والزام المؤسسات الحكومية بدفع مستحقات قطاع الكهرباء وفرض غرامات رادعة على المستهلكين المتأخرين عن السداد فى خطوة تحذيرية ثم قطع التيار عن المستهلك اذا استمر فى عدم السداد ومحاسبة المقتدرين بنظام بطاقات السداد المقدم ويمكن دراسة فرض سعر أعلى للشرائح العالية لمصلحة الشرائح الدنيا للبسطاء وغير القادرين ويجب أن يشعر الجميع أننا أمام مشكلة محورية معقدة ومتشابكة الأطراف تتطلب المزيد من الحزم فى تطبيق القانون وعدم التهاون فيها بدعوى أننا فى فترة صعبة وأن الدخول قد تأثرت بما يجرى من أحداث فنتسامح مع بعض المتخلفين عمدا عن السداد وغيرها من أعذار واهية تدفع الأزمة الى سيناريوهات كلها تؤدى الى الانهيار.. وعلى صعيد آخر يجب أن تشكل الحكومة مجلسا لشئون الطاقة يضم خبراء مصريين فى الداخل والخارج لدراسة تنويع مصادر الطاقة ووضع خطط وحلول عملية على المدى القريب والبعيد وحسم القضايا التى تشهد جدلا واسعا الآن لاستخدام بدائل أرخص للطاقة مثل الفحم والمازوت وعلاقته بالتلوث البيئى ونسترشد بتجارب الدول الأخرى التى سبقتنا فى هذا المجال وتقول الاحصاءات إن 50 فى المائة من انتاج الكهرباء على مستوى العالم يتم بواسطة محطات لتوليد الكهرباء على درجة عالية جدا من التقنية التى تساعد فى تقليل الانبعاثات الى الحدود البيئية المقبولة وهناك دول كثيرة تعتمد على الطاقة الشمسية والطاقة النووية لتوليد كهرباء أرخص بكثير من غيرها ولم يعد لدينا وقت للبكاء على اللبن المسكوب وندب حظنا لأننا تأخرنا كثيرا فى علاج المشكلة حتى أصبحت غير قابلة للحل مثلما يتردد عن مشكلة المرور ثم ننام ونستريح على وسائد من الأعذار ونكتفى بتعليق المشكلة على شماعات الأجيال السابقة والحل واضح وصريح وهو أن نبدأ فورا فى اتخاذ الخطوات الجادة لإدخال الطاقة المتجددة والمتنوعة ومن الواضح أن هناك اصرارا شديدا من جانب وزارة الكهرباء والطاقة على مواجهة المشكلة على أرض الواقع والتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه للوصول الى حلول عاجلة للحد من تكرار انقطاع التيار الكهربائى قبل حلول الصيف المقبل.. نحن فعلا فى أشد الحاجة الآن الى قاهر لظلام قادم نقف خلفه وندعمه حتى يحقق هدفه العاجل وهو الخروج بمصر من نفق مظلم لا تجدى معه التصريحات الرنانة أو الحلول المؤقتة أو التعلل بأعذار لا تسمن ولا تغنى من جوع. د.هانى عبدالخالق أستاذ إدارة الأعمال