حديثى اليوم حول زيارة وفد مجلس اللوردات البريطاني، لأنه يحمل بين طياته قضيتين أهتم بهما هما: دور المصريين فى الخارج، ومسألة الإعلام الخارجي. كان الوفد الإنجليزى يتشكل من بارونة شابة أعتز بها كثيراً وعدد من اللوردات وأعضاء البرلمان البارزين يمثلون جميع الاتجاهات السياسية والفكرية. قام بتنظيم الزيارة ثلاثة: رجل أعمال مصرى فى لندن، مع صاحب قلعة صناعية تصحح صورة مصر بالإنتاج وليس بالكلام، وسفير سابق له منصبه فى مؤسسة أكاديمية، عاصرت إنجازاته فى مجلس حقوق الإنسان، كلهم يفضلون أن يعملوا فى صمت دون ذكر الأسماء. ويرجع نجاح الزيارة للشخصيات التى التقى بهم الوفد وشرحوا لهم الحقائق فتركوا انطباعاً إيجابياً جعل بعضهم يقول نحن عند وصولنا لمصر كنا نختلف تماماً عند المغادرة كانت معلوماتنا مغلوطة وانطباعنا خاطئا. عبروا عن إعجابهم الشديد بالرئيس عدلى منصور وبما يتصف به من حكمة وهدوء وصدق وذكاء. كما التقوا « بالمشير» السيسى ووزير الداخلية وتحدثوا عن أهمية الأمن كما أعربوا عن ثقتهم فى قدرة مصرعلى تجاوز الأزمة التى تمر بها بما لها من قدرات وكفاءات وخبرة وأشاروا إلى لقاء كل من الإمام الأكبر الذى أنصف الإسلام، والبابا تواضروس - الذى أكد أن الجرائم التى ترتكب ليس- صراعا بين فريقين من المصريين ولكنها بين المصريين جميعاً والإرهاب. كان مفروض أن يكون لقاؤهم «بالمشير» السيسى نصف ساعة لكنه استمر أكثر من ساعتين. فى بداية اللقاء كسر الحواجز بإشارة إلى ذكرياته الإيجابية فى إنجلترا عندما كان يدرس فى كلية «كامبرلي» قالوا إنه شجعهم على توجيه أى سؤال يريدون فتناولوا معه جميع القضايا والتحديات والأهداف والإمكانات، وأن إجاباته كانت صادقة وموضوعية لا تنكر المشاكل لكن تبعث على التفاؤل. إلى هنا والزيارة تبدو وكأنها مثل عشرات بل مئات الزيارات التى تتم وتنتهى بانتهائها.. لكنها تختلف عنها كثيراً بما لها من نتائج هى الهدف الحقيقى لهذه الزيارات. لدى عودتهم كتب كل عضو تقريره ثم تجمعت فى تقرير واحد شامل عرض فى مجلس اللوردات لمناقشة استمرت خمس ساعات وشارك فيها الكثيرون. بدأ لورد «ستون» التقرير بأن مصر بحلول شهر يونيو سوف تكون دولة مستقرة لها تأثيرها الايجابى فى المنطقة، وأن المصريين جادون فى تنفيذ برامجهم لدعم الديمقراطية والحريات المدنية والدينية وحقوق المرأة وتوفير الاستقرار الذى هو ركيزة السياحة والاستثمار وأنه رغم كل التحديات فإن مصر لديها رصيد كبير من الخبرات والمواهب ولها مركز متميز إستراتيجى بين إفريقيا وأوروبا، وهى جزء من الشرق والغرب فى آن واحد، وأعلن أن «نتيجة لهذه الزيارة فإننا سوف نشكل جماعة صداقة برلمانية لمصر». أما لورد «مارلفورد» فأسهم بإسهاب - لم نتوقعه فى شرح أحداث مصر وكيف أن سياسات الإخوان أدت إلى الانفلات الأمنى والانهيار الاقتصادى، وأكد أن مصر بكل المعايير دولة لها أهمية عالمية «ونحن مدينون لأنفسنا وليس فقط للمصريين أن نتعاون معهم فى هذه الظروف الصعبة» بهدف أن «تستعيد مصر أمجادها».. ثم أعلن أنه شخصياً بعد مقابلة المشير السيسى مقتنع تماما بأنه يتمتع بكل الصفات التى تجعله رئيسا ناجحا لمصر ومنها الكفاءة والرؤى والكرامة والنزاهة. اهتمت الصحافة الإنجليزية بالتقرير ومناقشته. قال وزير خارجية سابق إن هذه الزيارة نقطة تحول فى العلاقات المصرية البريطانية. بالإضافة إلى ذلك فقد تم بسبب الزيارة تشكيل لجنة فى البرلمان تعرف باسم «APPG» «جماعة البرلمانيين من كل الأحزاب» تتكون من مجموعة من البرلمانيين ينتمون لكل الأحزاب هدفها مساندة دولة معينة. وهو تقليد معروف فى البرلمانات كان موجودا فى البرلمان الإنجليزى بالنسبة لكل الدول ماعدا أربعة... مصر واحد منها، وهى ثغرة تمت معالجتها. المفروض لتشكيل المجموعة أن ينضم إليها 20 عضوا، مجموعة مصر انضم إليها 28 عضوا وفى جلسة عامة أعلن لورد «باخ» موافقة المعارضة على هذه اللجنة وأوضحت البارونة «وارسي» باسم الحكومة مجالات التعاون المحتمل. أعود للزيارة لأقول إن هذه الزيارة تتجاوز العلاقات المصرية البريطانية، يمكن أن يكون لها نتائج فى أوروبا بل فى واشنطن التى تتأثر أحياناً بمواقف البرلمان الإنجليزى، ولعل آخر مثل لذلك قراره برفض الهجوم على سوريا وتغيير واشنطن قرارها بالتدخل العسكري. لذلك فإننا لم نكتف بمطالبة الأعضاء بتصحيح الصورة فى بلادهم للساسة والشعب بل أن يتجاوز ذلك ليشمل دورهم فى أوروبا وأيضا فى تبصير وتوعية حليفتهم عبر الأطلنطى بالحقائق ومخاطر السياسة الأمريكية التى تلحق الضرر بالمعسكر الغربى كله. رغم ضرورة الاهتمام بالعلاقات المصرية البريطانية فإن بعض الأصدقاء الإنجليز يشيرون إلى أنه - على مستوى القيادة - بلادهم ليست على خريطة القيادة المصرية... ولهم الحق، منذ سنة 52 لم يزر رئيس مصرى إنجلترا سوى مرتين. مرة للسادات ومرة مبارك. كان هناك احتمال زيارة مرسي، وسافر الحداد إلى لندن للإعداد لها لكن منظمة «مصرية لدولة مدنية» تصدت لهذه الزيارة التى لم تتم. ويؤكدون فى إنجلترا أن بلادهم كثيراً ما تلام على مواقف أوروبية لم تكن لها دخل فى صنعها بينما هى بالفعل مستقلة فى أمور عدة منها السماح للسفر لمصر أو منعه، واستمرار العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين بل زيادتها، ويحسب لهم أنهم يدركون خطر الجماعات الإخوانية الإرهابية ولا يقومون بإيواء أعداء مصر مثل غيرهم. هذه الزيارة ونتائجها مثل جيد على ما يمكن أن يتحقق عند استثمار قدرات المصريين فى الخارج والتنسيق معهم، وأيضا بينهم بعيداً عن المنافسة والتناحر، فالهدف واحد ونجاح أيهم نجاح للكل. أما مأساة الإعلام الخارجى فلها حديث قادم. لمزيد من مقالات د. ليلي تكلا