كثيرا ما يتم وصف بعض الوجوه بأنها كتاب مفتوح يسهل قراءته ومع التقنيات الجديدة أصبح بالفعل لهذا التعبير تطبيق حرفي, حيث يمكن قراءة بيانات كافية من عين الإنسان ومنطقة الأنف ومن قياس المسافة بين الإذنين والجبهة لبناء ملف تعريف وافى عن الشخص وعن فئته العمرية ونوعه والعرق الذى ينتمى إليه. وحاليا ترصد الولاياتالمتحدة برنامجا شديد الطموح لإنشاء اكبر قاعدة بيانات فى العالم لبصمة الوجه بهدف رصد المشتبه بهم من الإرهابيين عن بعد ووسط الجموع. خلال العقد الماضى حدثت ثورة فى تقنيات ما يعرف بأنظمة الخصائص الحيوية وقد تطورت لاستخدامها فى مطاردة ومكافحة الإرهاب, وقد شاركت كبرى شركات البرمجيات العالمية ومراكز الأبحاث حول العالم فى ابتكار وتطوير تقنيات تعتمد على القياسات الحيوية لمواجهة الإرهاب. ويقصد بالقياسات الحيوية أو تعريف البيانات الحيوية, استخدام خصائص الإنسان الفيزيائية للتعرف والتحقق من هويته, ومن هذه الخصائص بصمة الأصبع وبصمة قزحية العين وملامح الوجه وبصمة اليد والبصمة الوراثية «دى إن إيه» وبصمة الصوت وأنماط الحركة أثناء المشى وبصمة الكتابة وجميعها خصائص مميزة لا تتكرر لدى شخص آخر, ويتم تحويل هذه الخصائص الحيوية, إلى صورة رقمية ومن ثم مقارنتها مع قاعدة البيانات الحيوية المركزية لدى الجهات الأمنية. وكان ما يعرف بالقياسات الحيوية قد تطور بشكل كبير خلال الحرب على أفغانستان والعراق أى منذ عقد مضى تقريبا, واستخدمت فى مطاردات لا تعد ولا تحصى لعدد من المشتبه بهم, كما طور مكتب التحقيقات الفيدرالى ووكالة المخابرات العسكرية الأمريكية هذه البرامج طوال العشر سنوات الماضية. وحاليا تعمل السلطات الأمنية فى جميع أنحاء العالم بشكل متزايد على التحول السريع نحو الحصول على قاعدة بيانات تعتمد على بصمة العين خاصة فى المطارات وبحسب تقرير مجلة النيوزويك فى عددها الأخير فان بعض المطارات الأوروبية أصبحت تعتمد على دقة بصمة العين أكثر من اعتمادها على دقة البيانات الواردة فى جواز السفر, وكان برلمان الاتحاد الأوروبى قد اقر عام 2007 إنشاء نظام تأشيرات أوروبى يعتمد على قاعدة بيانات للقياسات الحيوية يحتوى على أكثر من 100 مليون بصمة عين بهدف تحسين سلامة إجراءات إصدار تأشيرات دخول دول الاتحاد الأوروبي. وكما يرى ديفيد كيث بيرتسون خبير مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكي, فانه على الرغم من هذا التطور إلا أن البيانات الحيوية واستخدامها من قبل وكالات المخابرات للتحقق من هوية الإرهابيين والمشتبه بهم ما زالت فى مهدها. الآن تظل قاعدة البيانات هى المشكلة الأكبر لان البيانات الحيوية ما زالت تعنى فى الأغلب بصمات الأصابع, حيث يذكر بيرتسون أن لدى مكتب التحقيقات الفيدرالى 110 مليون سجل لبصمات الأصابع, فى حين لدى وزارة الدفاع الأمريكى قاعدة بيانات لبصمات نحو 10ملايين شخص أما وكالة الأمن القومى الأمريكى فتمتلك قاعدة بياناتها بصمات 156 مليون شخص, فى حين تظل قاعدة بيانات قزحية العين فقيرة للغاية مقابل هذه الأرقام. يتم جمع بصمات الوجه فى قواعد بيانات ضخمة وتقارن برامج رقمية خاصة صورة الشخص أو ما يعرف بالصورة الجنائية مع قاعدة البيانات لمطابقتها, بمعدل دقة يصل إلى 98.75 فى المائة أى بزيادة قدرها 20 فى المائة دقة على مدار العقد الماضي, وقد حققت شركة فيسبوك مؤخرا نسبة دقة وصلت 97.25 فى المائة بعد شراءها لشركة قياسات حيوية هى Face.com عام 2012. فى أكتوبر من العام الماضي, افتتح جهاز المخابرات العسكرية الأمريكية, مكتب مشروع للبيانات الهوية وفقا للبيانات الحيوية, ويقول دالتون جونز، وهو عقيد متقاعد فى الجيش الأمريكى يشرف على المشروع وربطه بالطب الشرعي, أن البيانات الحيوية تعنى ببساطة دقة لا متناهية فى التعرف على وجه الإرهابى وتحديد موقعه واستهدافه.وهو ما تم استخدامه بالفعل فى هجمات لمقاتلات بدون طيار فى عدة مناطق على مدار العقد الماضى لاستهداف المشتبه بهم, لكن بمعدلات دقة اقل من ما تم الوصول إليه حاليا. فى صيف العام الماضى اختبرت وكالة الأمن القومى الأمريكية مشروع مسح لبصمة الوجه وسط المجاميع من خلال نظام مراقبة الهوية البصرية, أو BOSS وذلك بعد عامين من تدشينه وتمويله بأكثر من 5 مليار دولار, وان لم يتم الإعلان حتى الآن عن كونه جاهزا للاستخدام الفعلي. ويشير الخبراء إلى أنه كان هناك الكثير من الصعوبات لأكثر من عقد فى بناء نظام من شأنه أن يساعد فى التعرف على الوجوه وسط الزحام وبين مجاميع من البشر, سواء فى البحث عن المشتبه فى تورطهم فى جرائم إرهابية, أو البحث عن هاربين جنائيين وسط الأماكن المزدحمة, إلا أن المطابقة للصور الفوتوغرافية عن قرب قد تحسنت كثيرا فى السنوات الأخيرة, وقد نجح فيسبوك فى استخدامها بنجاح كبير على الصور الثابتة. ولكن حتى مع التقدم الهائل لقدرات الكمبيوتر, فقد ثبت أن العقبات التقنية التى تواجه علميات فحص مجاميع من على مسافات بعيدة تكون أكثر تحديا, على الرغم من تحقق بعض النجاحات, أبرزها وأقربها كان تحديد هوية المشتبه بهم فى الهجوم على ماراثون بوسطن العام الماضي, حيث تم بنجاح تحديد المشتبه بهم من خلال مسح بصمات الوجه من خلال لقطات الكاميرا. وكشفت تسريبات موظف وكالة الأمن القومى الهارب, ادوارد سنودن, انه ما بين عام 2008 وحتى 2010 تعاونت وكالة الأمن القومى الأمريكى مع مقر اتصالات الحكومة البريطانية لفحص لقطات كاميرا لأكثر من 1.8 مليون شخص من مستخدمى محرك البحث ياهو. حيث كشف سنودن ان هذه الوكالات كانت تحلل الصور التى يتم تحميلها من كاميرات الشبكة الالكترونية وتمسحها للكشف عن الإرهابيين المدرجين لديها الذين يستخدمون خدمات التواصل الاجتماعي, وكان يتم مطابقة الوجوه من خلال لقطات للمشتبه بهم بمساعدة تقنية جديدة سميت “التعرف على الوجه”.ووفقا لتقرير نيوزويك فان النتائج كانت فى اغلبها درامية فقد تم فحص ومراقبة صور خاصة لأبرياء كان كل ذنبهم أنهم حملوا صورهم الشخصية عبر شبكات التواصل الاجتماعي, فى سبيل محاولة العثور على وجوه المشتبه بهم. اليوم تعمل حكومة الولاياتالمتحدة على بناء اكبر مخبأ فى العالم لبيانات القياسات الحيوية, انه مشروع شديد الطموح يصل إلى درجة الوصول إلى البيانات الحيوية للملايين حول العالم, ويعنى إنشاء هذه القاعدة للبيانات أن إى شخص فى الولاياتالمتحدة أو حول العالم يمكن مراقبته وتتبعه أينما ظهر وجهه سواء على الشبكة العنكبوتية او فى لقطات كاميرات المراقبة فى المحال التجارية او حتى الشوراع والمقاهي, والقوانين الأمريكية الحالية لا تحمى الأمريكيين من وجود كاميرات مراقبة فى أى مكان ومسح البيانات التى تقدمها هذه الكاميرات من اجل إنشاء قاعدة بيانات الوجه. ويعتبر برنامج BOSS احد البرامج التى تعمل على تحقيق هذا الهدف الشديد الطموح, وكان قد بدأ فى محاولة لمساعدة الجيش الأمريكى فى الكشف عن الانتحاريين المحتملين وغيرهم من الإرهابيين خارج «مراكز الاقتراع فى أفغانستان والعراق» من بين مواقع أخري, كما اظهرت تسريبات سنودن, ولكن فى عام 2010 تم نقل المهمة إلى وكالة الأمن القومى الأمريكى لتطويرها واستخدامها من قبل شرطة الولاياتالمتحدة. وفقا لانيل جاين وهو متخصص فى رؤية الكومبيوتر وهندسة القياسات الحيوية بجامعة ميتشغان, فان المشروع أمامه ما لا يقل عن خمس سنوات حتى يحقق الأهداف المرجوة منه, ومنها القدرة على رصد وجه المشتبه به من على بعد 100 متر ووسط الزحام.