بدأ العد التنازلى لانتخاب رئيس جديد للبنان ، وما لم تتوافق الكتل النيابية والقوى السياسية على انجاز هذا الاستحقاق خلال الأيام القليلة المقبلة، فإن مجلس النواب سيجتمع فى العاشر من مايو المقبل لانتخاب الرئيس الثالث عشر للبنان بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالى ميشال سليمان فى 25 مايو المقبل، وفق نص المادة 73 من الدستور اللبنانى. ومن المعلوم أن مجلس النواب هو الذى ينتخب رئيس الجمهورية (مسيحى مارونى) بالاقتراع السرى بغالبية الثلثين فى الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة فى دورات الاقتراع التى تلى. ولا ينص الدستور اللبنانى على أية شروط للتقدم لمنصب رئاسة الجمهورية سوى تلك اللازمة فيمن يرشح نفسه لمجلس النواب (مادة 49 من الدستور) . كما انه لا يجوز انتخاب القضاة وموظفى الفئة الأولى ، وما يعادلها فى جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين فى القانون العام، مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد. والاستحقاق الرئاسى هو الحدث الأكثر جدلاً على الساحة اللبنانية، خاصة مع تراجع تأثير العامل الخارجى هذه المرة، ويعزى ذلك بالأساس لتراجع البعد السورى الذى كثيرا ما كان حاسماً فى اختيار الرئيس اللبنانى على الأقل فى العقود الأربعة الماضية، اما العنصر الآخر فهو دخول اللاعبين الأساسيين حلبة المنافسة او من يسمون بالاقطاب الأربعة فى الطائفة المارونية (رئيس حزب الكتائب امين الجميل، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس التيار الوطنى الحر ميشال عون، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية) . لكن ليس مستبعدا ان يخرج كل هؤلاء من حلبة المنافسة ويدخلها وجوه أخرى مثل الوزير السابق جان عبيد، ورئيس مصرف لبنان رياض سلامة ، ووزير المال الأسبق دميانوس قطار ، والنائب روبير غانم ، والنائب بطرس حرب، وقد تخلو الساحة تماما من كل هؤلاء ويطرح اسم قائد الجيش العماد جان قهوجى لكن ذلك يستدعى تعديلا دستورياً محدوداً (لأنه من موظفى الفئة الأولى). وتلك الوجوه يكاد ينطبق عليها وصف المرشح الوفاقى والذى يتناغم مع الحالة اللبنانية الراهنة. وليس مستبعداً كذلك ان يتم التمديد للرئيس الحالى على غرار ما جرى للرئيس الأسبق إلياس الهراوى والسابق اميل لحود اللذين تم التمديد لهما ثلاث سنوات، لكن هذا التمديد لو طرح فى اللحظات الأخيرة ربما يواجه بعاصفة من حزب الله بعد احتدام الجدل بين الحزب والرئيس حول ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» التى وصفها الأخير بالمعادلة الخشبية فيما اصر الحزب على وصفها بالذهبية رغم موافقته اى الحزب - على البيان الوزراى (14 مارس 2014) الذى جاء خاليا؟ من هذه المعادلة للمرة الأولى .... وثمة حديث عن توافق بين عون والحريرى يسمح بوصول عون الى سدة الحكم وعودة الحريرى الى رئاسة الحكومة ، لكن تعقيدات المشهد اللبنانى لاتوحى بحدوث هذا التوافق ، فمن المعلوم ان عون وحزب الله يربطهما اتفاق (ابرم عام 2006) وهذا التحالف هو الذى اسقط حكومة سعد الحريرى فى 25 يناير 2011. الأهم من ذلك هل يضحى الحريرى الابن بحليفه سمير جعجع صاحب الحضور القوى على الساحة المسيحية. يزيد من هذه التعقيدات وجود منافسة حقيقية داخل تيار 14 آذار بين الرئيس امين الجميل وسمير جعجع وضعت حليفهما القوى الرئيس سعد الحريرى فى موقف لايحسد عليه. فى ظل هذه الأجواء المأزومة اقليميا وشديدة الاحتقان داخليا تتزايد المخاوف من حدوث الفراغ السياسى، خاصة انه ليست لدى اى من التيارين الكبيرين (آذار و14 آذار) قدرة على الحسم لكن كل فريق لديه القدرة على التعطيل على الأقل فى داخل البرلمان على الأقل فى الجولة الأولى لكن فى حال حدوث اقتراع ثان سوف تكون كتلة النائب وليد جنبلاط (8 نواب دروز) الكفة المرجحة ولو حدث ذلك وهو مستبعد نكون حيال رئيس لايمثل كل مكونات الشعب اللبنانى. ومن ثم، ترجح كفة اى مرشح توافقى غير استفزازى فى ظرف محلى واقليمى لايحتمل الاختلاف او الفراغ الرئاسى... المعضلة الكبرى ليست فقط فى انتخاب الرئيس بل ان الفراغ الرئاسى الوشيك الذى سوف يدخل لبنان فى ازمة سياسية بالغة التعقيد قد يترتب عليها صعوبة اجراء الانتخابات البرلمانية التى كان يفترض اجراؤها فى 16 يونيو 2013، لكنها تأجلت لمدة سنة و5 اشهر تنتهى فى 20 نوفمبر المقبل . ولبنان المأزوم بفعل تداعيات الأزمة السورية لايحتمل فراغا سياسياً ينذر بأوخم العواقب على السلم الأهلى اللبنانى فهل تتداعى القوى الإقليمية والدولية المرتبطة بقوى سياسية فاعلة فى الداخل لتدارك ازمة لو استمرت ربما تتطلب انعقاد مؤتمر دولى جديد على غرار طائف 1989 ودوحة 2008 . لمزيد من مقالات د. أحمد أبوالحسن زرد