سعاد الصباح مبدعة فرضت وجودها على الساحة العربية سواء عبر إبداعاتها أو مشاركاتها في النشاطات الثقافية والاجتماعية والإنسانية، كما أثرت الأدب بأربعة عشر ديوانًا، ونحو عشرة مؤلفات في الاقتصاد وحقوق الإنسان، وترجمت أعمالها للعديد من اللغات العالمية معرفتي بهذه الشاعرة تعود إلى سنوات الصبا، وتحديدًا منذ قرأت ديوانها الأول «ومضات باكرة»، إذ شدني إلى قصائدها استخدامها ألفاظ الحياة اليومية، وتوظيفها الخيال والبديع لغاية دلالية أكثر منها جمالية، فالقصيدة عندها تموج بالتمرد والثورة والعشق والغضب، وتتصف بالجرأة في رفضها لقوانين المجتمع الذكوري، أشعارها موقف وحوار مع النفس مع هذه المبدعة أو «أم مبارك»، كما تحب أن يناديها المقربون، كان لنا معها هذا الحوار : برغم أن بدايات الشعر الكويتي كانت في القرن التاسع عشر، إلا أن ظهور المرأة الشاعرة تأخر حتى ستينيات القرن الماضي، التي شهدت شاعرات مجيدات من مجايليك مثل: خزنة بورسلي، نجمة إدريس، وكافية رمضان، فما الذي أخر ظهور الشعر النسوي؟ لديّ يقين أن الشعر لم ينقطع منذ بداياته الجاهلية، والكويتي هو جزء من هذه السلسلة الأدبية الممتدة، فهناك شعراء برزوا مع بدايات تكوين الدولة، أما الشعر النسوي إن صحة التسمية فلم أقع على دراسة تبحث في حقيقة ظهوره أو عدم ظهوره في تلك الفترة التي يتناولها السؤال، لكنني أفرق بين وجود الشعر وظهوره، لأن الظهور مرتبط بإعلام وقبول اجتماعي، أما وجود الشعر فأنا أيضًا على يقين منه. فالأم الكويتية كأم عربية عمومًا لا تهدهد طفلها إلا بالشعر.. ولا تشعل حنينها إلا بالشعر.. فالشعر هو للمرأة دائمًا.. إما أن تكون هي كاتبته.. أو تكون هي ملهمته. الشعر موقف من الحياة.. فما الذي تجسده أشعارك؟ وماذا تركت سنوات الدراسة والإقامة بالقاهرة من تأثير في مسيرتك الشعرية والأدبية؟ شعري كان وردة تخرج من بين ثنايا جدران الأسمنت.. وقد ارتوت الوردة من مياه النيل وتورّد خدها بقبلات شمس النيل. كتبت القصيدة بكل أشكالها: العمودية والحرة وقصيدة النثر، فأي لون وجدت نفسك فيه أكثر؟ وبمن تأثرت؟ أجد نفسي في شكل القصيدة التي يفرضه موضوعها.. وفي وريدي رحيق فكر أبي، وانفجارات دماء المتنبي.. وتمرد نزار.. وشموخ الخنساء. ألمس في قصائدك نبرة أنثوية تتمثل في إفراط في البوح الوجداني والجنوح إلى الاهتمام باللفظ على حساب المعنى ؟ نحن أهل لغة عربية كل لفظ منها مكتنز بآلاف المعاني.. حتى أنني أكتب أريد معنى معينًا.. فتتفتح أمامي بوابات المعاني التي لا حدود لها.. ومن يرى اللفظ ولا يرى المعنى.. عليه أن يراجع قدرته على تذوق اللغة جوهرًا ومظهرًا.. موسيقى ومحتوى. يلحظ القارئ لقصائدك ولعًا باستخدام الثنائيات المتضادة «الموت الحياة»، «السيد الجارية»، «القيود الحرية»، إلخ ما أسباب ذلك؟ والضد يظهر حسنه الضد.. وصفوك بأنك شاعرة التمرد إلا أن أحد النقاد وصف احتجاجاتك بأنها مكتوبة بأحمر الشفاه، وأن الذات الأنثوية عندك غريبة عن الفطرة العربية، وأقرب للأنوثة البرجوازية الأوروبية، بم تعلقين؟ الوردة التي نمت على أطراف النيل.. حتى لو وضعوها في خزف أوروبي أو صيني.. تبقى هي هي.. جذرها عربي.. وفرعها في السماء.. إنني أحمل صرخة عربية.. تنطلق من الخليج وتدوى في أنحاء القارات. من الشاعرة الكويتية التي ترين أنها سوف تحقق ما حققته «سعاد الصباح» من انتشار ونجاح؟ شاعرة تكسر القوالب، وترفض الوصاية، وتصرخ بالحق.. وتخدم الأدب والعلم وتشجع الإبداع والمبدعين.. وتبحث في التاريخ، وتدرس الاقتصاد، وتكوّن أسرة ناجحة، وتتابع دروس الأحفاد. حين تأسست دار سعاد الصباح توسمنا خيرًا لكن مسيرتها تراجعت بل توقفت، فلا نكاد نلمح لها تأثيرًا يذكر؟ ما أسباب هذا التراجع؟ إصداراتها متواصلة، وأخبارها في الصحف العربية، ومسابقاتها مستمرة، تكريمها للرواد العرب الأحياء عبر «يوم الوفاء» حاضرة ومشاركاتها في معارض الكتب مميزة، والمبدعون الشباب ضيوفها دومًا.. فدلني على مكان لم تكن فيه الدار لنذهب إليه. كيف ترين ثورات الربيع العربي بعدما اختلطت أوراقها؟ ثورات تأكل أبناءها. ما الدعم الذي يحتاجه المبدع العربي ليتخطى الحدود الاقليمية؟ دعم لروح أنهكها الاحباط؟!! الإبداع لا يحتاج إلى مال، ولا إلى قاعات فندقية، يحتاج إلى شمس.. وهواء نقي. هل تعتقدين الإنترنت قد حل بديلاً للمطبوعات الورقية في التواصل بين الأديب وقارئه؟ هو إضافة وليس بديلاً، فالجديد لا يلغي القديم كليًا، وسيظل هناك من يحلو له قراءة المطبوعات في ليلة مقمرة أو على شاطيء البحر أو وهو مستلق على أريكة في منزله. كرمتك عدة جهات في الوطن العربي، فما التكريم الذي تتمنينه أوتعتزين به، وما أمنياتك على الصعيدين الخاص والعام؟ التكريم الذي أتمناه أن يكرمني ربي برضاه عني، وأمنيتي أن يحقق الله لأوطاننا ما تطمح إليه في تبوأ المكانة اللائقة بها بين الأمم.