عنوان هذا المقال هو عنوان كتاب لفيلسوف إنجليزى اسمه روجر سكروتون، وهو عنوان منقول عن صموئيل هنتنجتون فى كتابه «صدام الحضارات» كان قد كتبه فوق خريطة للعالم. ومعنى ذلك أن ثمة علاقة ايديولوجية بين الفيلسوفين على الرغم من أن كتاب هنتنجتون قد صدر قبل أحداث 11 سبتمبر فى حين أن كتاب سكروتون قد صدر بعد هذه الأحداث بعام، أى فى عام 2002. والسؤال اذن:ما الجديد فى كتاب سكروتون؟ فى مفتتح كتابه يقول سكروتون إن نظرية هنتنجتون تزعم أن صدام الحضارات جاء تالياً للحرب الباردة أما كتابه فقد صدر إثر أحداث 11 سبتمبر التى قسمت العالم إلى دارين: دار الحرية والديمقراطية ودار الطغيان. والدار الثانية ترمز إلى «دول فاشلة» تستند إلى حمية دينية. وهذه القسمة مغايرة للقسمة الاسلامية التقليدية بين دار الإسلام ودار الحرب. وهنا يحذر هنتنجتون من خطورة تلك القسمة لأن الحضارة الغربية علمانية ونقلها إلى أماكن ترفضها تُعرض هذه الحضارة لمواجهة غير مطلوبة، ومن هنا فان سكروتون يرى ضرورة تحديد معنى الحضارة الغربية، وفى رأيه أنها حضارة سياسية وليست دينية. كيف؟ إنها صناعة بشرية وليست الهية لأن السياسة متغيرة، بينما الأديان تستلزم خضوعاً بلا تساؤل وتشريعاً بالتوافق. ومعنى ذلك أن ثمة صراعاً بين السياسة والدين. إلا أنه ليس صراعاً حديثاً بل قديماً، واستسلمت السياسة للدين. ومع التطور رفض الغرب هذا الاستسلام ففصل بين الكنيسة والدولة، ودعا إلى نظرية العقد الاجتماعى التى تقرر أن ذلك العقد صناعة بشرية بدعوى أن البشر كائنات اجتماعية، وأن إدارة الحكم مرهونة بأولئك الذين انتخبهم الشعب ليكونوا خداماً له وليسوا أسياداً، ومن ثم يتفرغ الشعب لأحواله الشخصية. وهذا هو معنى الدولة العلمانية فى الحضارة الغربية. أما الحضارة الاسلامية فالمسألة على الضد من ذلك، لا انفصال بين الدين والسياسة والحاكم هو خليفة الله على الأرض، أمامه سوى أمرين: إما أن يكون مسلماً وإما أن يكون ذمياً خاضعاً لما يأمر به الامام . ومعنى ذلك أن الأمة هى للمسلمين وليس لغيرهم، وهى أمة عالمية لأن الله هو سلطانها، ومن ثم ينشأ مفهوم عن العدو مغاير لما هو شائع.والسؤال اذن:مَن هو هذا العدو المغاير؟ جواب سكروتون نقلاً عن خومينى والقاعدة هو على النحو الآتي: إن العدو ليس هو الحضارة الغربية أو المسيحية أو الرأسمالية الكوكبية، إنما هو أمريكا أو بالأدق الأمة- الدولة. ذات السلطة المطلقة. ولهذا فإنها هى التى تتخذ القرارات وما على المواطنين إلا الالتزام بهذه القرارات كما لو كانت من صنعهم. وهذه هى الديمقراطية، ومن هنا تكون الديمقراطية هى نتيجة للأمة- الدولة، وليست هى السبب، وبناء عليه فان غياب الأمة- الدولة يفضى إلى التفكك، والتفكك بدوره إما أن يفضى إلى طغيان الأغلبية أو إلى حكم العصابة. وتأسيساً على ذلك يقول سكروتون إن اسرائيل دولة ديمقراطية على هذا النمط الغربي، أما فلسطين فليست كذلك لأنها ليست دولة، وعرفات لم يكن رئيساً بالانتخاب، إنما كان رئيساً بخدعة دبلوماسية دولية، ولذلك لم يكن مؤهلاً لعقد أى اتفاق مع اسرائيل ولا لقوة تشن حرباً ضد اسرائيل، أو للتحكم فى المنظمات الارهابية التى تزعم أنها تابعة له. ولا أدل على ذلك من أن حماس تستلهم الاخوان المسلمين وحزب الله، كما أن ليس لها دبلوماسية أو قدرة على عقد اتفاق إلا من خلال العنف والعمليات الانتحارية، وبالتالى فان اسرائيل ليس فى إمكانها رسم سياسة متناسقة للتعامل مع الفلسطينيين. وتأسيساً على ذلك يخلص سكروتون إلى نتيجة مفادها أن القول بأن التهديد الإرهابى لأمريكا مردود إلى مساندتها لإسرائيل هو قول باطل لأن الصحيح هو أن علاقة اسرائيل بأمريكا هى السبب فى أن تكون هدفاً للإرهاب الإسلامي. أما حزب الله فلا تعنيه قضية فلسطين إنما تعنيه أن اسرائيل هى ذراع الغرب فى دار الاسلام ولهذا لابد من تدميرها.وتأسيساً على ذلك كله يثير سكروتون السؤال الآتي:ما مغزى أحداث 11 سبتمبر؟ ضرب أمريكا فى الجزء المختص باتخاذ القرار من قبل الأمة - الدولة ذات السلطان المطلق، وهو المتمثل فى البنتاجون والبيت الأبيض ومركز التجارة العالمي، وهى مجالات سياسية ثلاثة: حربية وحكومية واقتصادية، إذ هى التى تتخذ القرارات. أما أنا فأثير السؤال الآتي:هل فى الإمكان النظر إلى ما جاء فى كتاب سكروتون من أفكار على أنه تمهيد ل «نقد العقل الفلسطينيس» فهذا النقد غائب بينما «نقد العقل الإسرائيلي» حاضر ولكن فى غياب النقد الأول، ومن ثم يمتنع فهم العقلين. ويترتب على ذلك السؤال سؤال آخر:هل نقد العقل الفلسطينى من المحرمات؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فهل نقد المحرمات ممتنع هو الآخر؟ واذا كان الجواب بالإيجاب، فهل كان كل من هنتنجتونو سكروتون محقا فى قوله «الغرب وما تبقى». لمزيد من مقالات مراد وهبة