أصل كلمة النوبة «بلاد أو أرض الذهب».وهي مأخوذة من الكلمة المصرية القديمة «نوب»أو «نوبو» وسببها أن أرض النوبة في عهد المصريين القدماء كانت فيها مناجم ذهب كثيرة في وادي العلاقي الذي سُميَّ في الخرائط القديمة «بلاد النوبة». ويري الباحث النوبي د.عبدالرازق عبد المجيد»أستاذ التاريخ أن «كوش» مرادف لاسم النوبة نسبة إلي «كوشييم» جد النوبة والنوبيين، وهو شقيق «مصراييم» جد المصريين، وكلاهما ولدا»حام بن نوح»عليه السلام، حيث استقر «كوشاييم» في النوبة بينما استقر «مصراييم» في مصر. وبلاد النوبة تمتد من جنوبأسوان شمالا عند الجندل الأول، إلي ملتقي النيلين الأبيض والأزرق عند الخرطوم في الجنوب، ويذهب البعض إلي أنها تمتد إلي منابع النيل. ويتشكل المجتمع النوبي من ثلاث قبائل هي w«الكنوز»،و»الفادتجدا»،و»العرب». والكنوز يسكنون المنطقة من جنوبأسوان ( الكم 1) إلي الشلال الثاني، ويتحدثون اللهجة الكنزية. والعرب يقطنون وسط منطقة النوبة ويتحدثون العربية، وغالبا يرفض أبناء قبيلتي «الكنوز»، و»الفادتجدا» الاعتراف بنوبية قبائل العرب، وإن عاشوا بينهم وتشبهوا بهم. أما «الفادتجدا» فيتحدثون النوبية القديمة ويقطنون المنطقة الجنوبية ولهم لهجة خاصة بهم تسمي «الفديجة» وهي تنطق ولا تكتب!. وبدأت مأساة النوبيين مع إنشاء خزان أسوان عام 1902 وبارتفاع منسوب مياه النيل خلفه بمنطقة الكنوز جنوبيأسوان غرقت القري الأكثر انخفاضا، فكانت أول هجرة للنوبيين إلي مناطق مرتفعة وإلي الشمال. وفي 1912 كانت التعلية الأولي للخزان لزيادة مخزون المياه، فغمرت المياه قري أخري، وكانت مفاجأة، وتكررت المأساة، وغرقت البيوت والأراضي الزراعية الخضراء والماشية، وسقط ضحايا من الأطفال والسيدات وكبار السن، ولأن النوبة بعيدة عن الأنظار لم يتحرك أحد من المسئولين، أو غير المسئولين لنجدة الأهالي، ولم تقدم لهم أية مساعدة. وفي 1933 تكررت المأساة للمرة الثالثة مع التعلية الثانية للخزان، وغمرت المياه القري، وضاعفت فيضان الأحزان. وفي 1960 بدأ الإعداد للهجرة الشاملة لقري النوبة القديمة استعدادا لبناء السد العالي، وغرقت كل القري النوبية، في تراجيديا إنسانية ليس لها مثيل في العالم. وفي 1960 وجهت «اليونسكو» نداء عالميا لإنقاذ آثار النوبة بوصفها تراثا إنسانيا، واستجابت 14 دولة، وأرسلت 24 فريقا من العلماء والباحثين في علم الآثار، واستطاعوا إنقاذ معبدي أبو سمبل، وهنا لابد من الإشارة إلي إسهام الدكتور الفنان «أحمد عثمان» أول عميد لكلية فنون جميلة في اسكندرية، وأحد أبناء النوبة النابغين، الذي بادر بتقديم مشروع تصوير وترقيم قطع المعبدين بعد تقطيعهما ليسهل إعادة تشييدها بعد النقل. وكانت بداية التهجير الشامل بقرية « دابود» الكنزية في 1963، وانتهت بقرية « هاجرت» لاحظوا الاسم في 1964، لتبدأ رحلة الحنين الجارف إلي وطن غارق، تستحيل استعادته من تحت ماء البحيرة. ولا مفر إلا من اختزانه في القلوب. وإن كان الأمل قد تجدد مع الاعتراف في الدستور الجديد بحق النوبيين في العودة إلي بلادهم القديمة.