لم تكن مناقشات المؤتمر الدولي للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية الذي عقد بالقاهرة مؤخرا بمشاركة وزراء أوقاف ومفتين وعلماء دين من 41 دولة عربية وإسلامية لمناقشة مخاطر الفكر التكفيري والفتوي بدون علم . وقفا علي بيان بطلان دعاوي التكفير والتحذير من فوضي الفتاوي. وكانت المشاركة النسائية لفقيهات الأزهر الشريف إحدي أبرز علامات المؤتمر . ولأن المرأة كانت حاضرة وبقوة في جلسات ومناقشات المؤتمر، فقد أثارت الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر ، الكثير من الجدل بين العلماء حين عرضت لبحث جاء تحت عنوان :«منزلة الفتوي وشروطها«، أكدت فيه إنه لا يشترط في المفتي الذكورة، وتصح الفتوي من الحر والعبد والذكر والأنثي والبصير والأعمي والسميع والأخرس، إذا كتب، أو فهمت إشارته، وطالبت بتخصيص مقعد للنساء في دار الإفتاء ولجان الفتوي بالمحافظات للإجابة علي تساؤلات النساء؟ ونحن بدورنا نتساءل هل يجوز للمرأة ان تكون مفتية؟ واذا كانت الدكتورة سعاد صالح تؤكد مشروعية مطالبها واستدلت علي ذلك بدور السيدة عائشة في نقل الفتوي والأحكام الشرعية من رسول الله صلي الله عليه وسلم الي نساء المدينة، فهل يجوز للمرأة الجلوس علي »دكة« الإفتاء؟! تقول الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة، بكلية الدراسات الإسلامية، بجامعة الأزهر، إن الإفتاء عمل علمي وتخصصي، يقوم به من توافرت فيه الشروط سواء كان رجلا أو إمرأة ولكن ذلك يجب أن يتواءم مع الواقع الذي نعيشه فالمفتي يكلف في المناسبات والأعياد بإمامة المصلين، ولذلك يفضل أن يكون رجلا، إنما لا مانع أن يكون هناك مساعدة للمفتي في دار الإفتاء ولجان الفتوي بالمحافظات، تتولي الإجابة علي تساؤلات النساء بحيث تكون المرأة المفتية أقرب إلي أختها المرأة في كثير من القضايا، مثل مسائل الأحوال الشخصية والقضايا النسائية، وتكون المرأة المتخصصة في علوم الفقه أكثر ملاءمة وأكثر مناسبة لهذا العمل. ومن الممكن أن تخصص لهن إحدي الغرف في المعاهد الدينية، ويكون لها جلسات ثلاث أو أربع مرات حسب ظروف المكان، وتحضر مساعد المفتي في هذا المكان لمقابلة النساء وتوجيههن الوجهة الصحيحة في أمور الدنيا وأمور الأحوال الشخصية، ومن شأن تلك الخطوة أن ترقي بثقافة المرأة في هذا العمل، وفي النهاية تكون المرجعية للمفتي. وهذا يرتقي بثقافة المرأة في الأمور النسائية الخطيرة التي تخجل المرأة لسؤال الرجل فيها، لأن هناك حواجز كثيرة بين المرأة والرجل، وهذا يخدم ثقافة المرأة، في الأمور الخاصة بالنساء، وهذا لم يكلف الدولة أي إضافة مالية في هذا الشأن، وهذا هو التفكير العملي علي أرض الواقع، حتي لو كان هذا للمرأة عمل تبرعي ويكون نفعها عظيم. تجربة سابقة وأضافت: إنه سبق لنا تجربة هذا العمل مع الدكتورة عبلة الكحلاوي والدكتورة سعاد صالح بقرار من الدكتور عبدالفتاح الشيخ رئيس جامعة الأزهر الراحل، وتم تنظيم جلسات عقائدية وفقهية للنساء والفتيات بالجامع الأزهر، عقب صلاة العصر وحتي آذان المغرب العصر إلي آذان المغرب،ثم توقفت تلك التجربة بعد عامين من نجاحها، وطالبت من وزيرة الإعلام الحالية الدكتورة درية شرف الدين، بتخصيص ساعتين في كل قناة للارتقاء بثقافة المرأة، ومناقشة قضايا الأسرة والزوجات والفتيات والمهور والعنوسة والمهور الزوجية. مفتية للنساء مطالب فقهيات الأزهر بتخصيص مقعد لهن بدار الافتاء ، يجد تأييدا من علماء الدين، ولا يري الدكتور أحمد عمر هاشم ، عضو هيئة كبار العلماء مانعا شرعيا من ذلك، ويقول : إن المرأة تصلح أن تكون مفتيا للنساء لأن المرأة أدري بخصائص المرأة والأحكام المتعلقة بها، ولقد كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تفتي، وكان الصحابة إذا استشكل عليهم الأمر رجعوا إليها ووجدوا عندها العلم، فالمرأة يصح أن تفتي لبنات جنسها، وقد كانت تأتي المرأة لرسول الله صلي الله عليه وسلم، وتسأله عن الطهارة فيرشدها، ويقول لها خذي خرقة ممسكة، فتقول المرأة لا أفهم يا رسول الله، فتأخذها السيدة عائشة تفهمها الحكم الفقهي الخاص لطهارة الحيض من النفاث ونحو ذلك، فالمرأة لها أهمية كبري في عالم الإفتاء فيما يتعلق بالأمور الخاصة للنساء، ولا مانع أن يأخذ الرجل العلم منها، وكان الصحابة رضوان الله عليهم- إذا استشكل عليهم أمر يرجعون للسيدة عائشة ويجدون عندها العلم الذي يحتاجون إليه، أما منصب المفتي فهو منصب معاصر في هذا الزمن، فالأولي أن يكون الرجل هو المفتي والرجال قوامون علي النساء، لأنه الأدري والأنسب في مقابلة الرجال، ولا مانع أن تكون في دار الإفتاء لجانا خاصة بالنساء، ويكون فيها النساء الفقيهات والمتفقهات في العلم، ليشرحن الأمور التي يصعب علي الرجل أن يشرحها للمرأة فتقوم هي بدورها بذلك، فالأولي أن يكون المفتي رجلا مادام موجودا، ولا مانع من أن يستعين ببعض الفقيهات للشرح الخاص بالنساء، والأحكام المتعلقة بهن. الفتوي للرجال وفي سياق متصل يقول الدكتور عبدالفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن من أهم شروط المفتي أن يكون من أهل الاجتهاد وأن يكون مسلماً بالغا عاقلا، عالما بكتاب الله تعالي وسنة رسوله، وعالما بما أجمع عليه العلماء وما اختلفوا فيه، وأن يكون عارفاً بواقع المجتمع الذي يعيش فيه، ولذا فإنه لا يشترط فيه الذكورة أو الإبصار أو نحو ذلك، وذلك لأن عائشة رضي الله عنها، كان يؤخذ عنها العلم، وكان يذهب إليها كبار الصحابة، ليستفتوها في كثير من الوقائع، وليس هناك إشكالية في أن الأعمي يعلم الحكم عن طريق وسائل المعرفة المتاحة الآن أكثر من أي عهد مضي، ولكن يشترط في المفتي أن يكون ورعاً يتحري الحلال فيما يفتي به، وألا يكون من أصحاب الهوي والغرض، حتي لا يجر بفتواه آخرين للخطأ وهذه مفسدة أو نكبة علي من يفتيه. وأضاف: إن أولي الناس بالفتوي في قضايا المجتمع هم الرجال، إلا إذا كان لدي المرأة خاصية تستطيع بها أن تعرف أسرار النساء السائلات ممن يتحرجن عن سؤال الرجال عنه فيجوز لها والحال هذه أن تفتيه في مثل هذه الأمور ولكن لا تصلح أن تكون مفتية للرجال باعتبار أن من القضايا التي تتعلق بهم ما قد تستحي الأنثي من سماعه ولا تعلم عن حقيقته شيئا، ولذلك يفضل في الفتوي الرجال، إلا في أحوال محدودة تكون المرأة أولي من الرجل في الفتيا فيها لخصوصية السائلة وما تسأل عنه.