أزمة جديدة تلقى بظلالها علينا.. سعر طن الأسمنت تجاوز فى يوم وليلة 800 جنيه، بعد أن كان سعره لا يتعدى 580جنيها. الشركات تمارس ضغوطا رهيبة على الحكومة.. سوق العقارات مهددة بالشلل. وكالعادة فالمواطن المصرى هو الذى يدفع الثمن. سألنا الخبير الاقتصادى حسن هيكل للوقوف على حقيقة تلك الأزمة.. فقال ان مصر يوجد بها 21 مصنع أسمنت تنتج نحو 53 مليون طن وهذه الكمية كافية للاستهلاك المحلى وتسمح بتصدير فائض منها، وبالتالى فلا توجد مشكلة طاقة انتاجية حاليا، والأزمة الحقيقية تتمثل فى الصراع بين شركات الاسمنت الأجنبية التى احتكرت هذه الصناعة بعد خصخصتها فى 1999 وبين الحكومة، وذلك الضغط يستهدف إيجاد أزمة من أجل ان تسمح الحكومة باستخدام الفحم فى تشغيل مصانع الاسمنت رغم مشكلاته البيئية، لأن الفحم يحقق وفورات لمصانع الاسمنت فى التشغيل تصل لنحو 50% من تكلفة الطاقة التى تمثل عنصرا حاسما فى تكلفة الانتاج، وتستغل شركات الاسمنت الأجنبية أزمة الطاقة الحالية وفترة الشتاء التى ينخفض فيها الطلب على مواد البناء فى ايقاف بعض خطوط إنتاجها لينخفض الانتاج، وبالتالى ترتفع الأسعار رغم أن الحكومة قررت مؤخرا فتح باب استيراد الغاز أمام شركات الأسمنت، إلا أن هذه الشركات رفضت أن تقوم بالاستيراد كما رفضت تسهيلات الحكومة فى هذا المجال، ورفعت أسعارها الى 800 جنيه للطن بدلا من 520 لتستمر فى الضغط على الحكومة لتفتح لها باب استيراد الفحم. ويشير الخبير الاقتصادى الى أن هذه الشركات قد أعادت للأذهان ما حدث فى عام 2008 حينما أحيلت شركات كبرى الى المحاكمة من جهاز المنافسة ومنع الممارسة الاحتكارية، حيث أدينت آنذاك وسددت الغرامة التى أضافتها بالطبع على كاهل المستهلك.. وبالتالى فهى لا تخشى من عاقبة الإدانة لأنها تحتكر فعليا انتاج الاسمنت فى مصر فيما عدا حصص غير مؤثرة للشركة القومية ومصنع العريش للأسمنت. ويؤكد حسن هيكل أن استخدام الفحم رغم انه يحقق وفورات كبيرة لمصانع الأسمنت من الناحية المالية، ويوفر نحو 450 مليون قدم غاز يوميا تكفى لتشغيل عشرة آلاف مصنع فى صناعات أخري، فإنه يتسبب فى تلوث البيئة وخاصة ان الكثير من تلك المصانع قريب وملاصق للكتلة السكنية، والدراسات تؤكد أن مصنع الأسمنت الواحد الذى تكون طاقته الانتاجية فى المتوسط 1.5 مليون طن يتسبب فى تلوث مسافة قطرها 10كم حول المصنع. من ناحية أخرى يوضح الخبير الاقتصادى أن صناعة الاسمنت فى مصر تستخدم خامات محلية 100%، كالحجر الجيرى والطفلة والرمل والكولين وأكسيد الحديد، كذلك تستخدم أيدى عاملة مصرية رخيصة بالمقارنة بأسعار الأيدى العاملة فى أوروبا والتى تضع قيودا صارمة على حقوق العمالة وبيئة العمل والاشتراطات البيئية وأسعار الضرائب أعلي، وبالتالى فهذه الشركات الموجودة فى مصر تحقق ربحية تصل الى 300% عند التصدير للأسمنت، ونموذج على ذلك أن إحدى الشركات حققت عام 2013 نحو 538 مليون جنيه أرباحا، كما حققت شركة أخرى فى نفس العام 336 مليون جنيه أرباحا أيضا، وذلك رغم الأحداث السياسية والظروف الصعبة التى مر بها الاقتصاد المصري. ويرى حسن هيكل أن فكرة السعر العادل لا تتعارض مع اقتصاديات السوق الحرة، وخاصة فى السلع الاستراتيجية كالأسمنت. ومن هنا فلابد من التوصل الى هذا السعر العادل من خلال وزارة الصناعة والتجارة وجهاز حماية المستهلك، ومنظمات المجتمع المدنى من جهة وشركات صناعة الاسمنت بحيث لا يتجاوز هذا السعر النسب المتعارف عليها دوليا. وفى سياق متصل يستكمل الخبير الاقتصادى عرض الحلول للخروج من أزمة الاسمنت الراهنة، مطالبا بسرعة تدخل الدولة بالاستيراد فى حالة عدم التوصل الى حلول سريعة وناجزة مع هذه الشركات، خاصة أن أسعار الاسمنت المستورد حاليا أقل من أسعار هذه الشركات التى احتكرت السوق. كذلك يطالب بعدم استجابة الحكومة للضغوط التى تمارسها شركات الاسمنت لاستخدام الفحم، وخاصة ان احدى الشركات قامت بالفعل باستيراد كميات كبيرة منه، وتضغط لتشغيلها بعد أن قامت بتعديل بعض خطوط انتاجها لتكون صالحة لاستخدام الفحم، وهذه الشركة وحدها تحتكر 15% من انتاج الاسمنت فى السويس وطره. ويتفق أحمد الزينى رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية مع حسن هيكل مستبعدا ان تكون أزمة الطاقة أحد الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع اسعار الأسمنت، وإنما لسعى الشركات الى زيادة أرباحها على الرغم من أن شركات الاسمنت على مستوى العالم هى التى توفر الطاقة لمصانعها وبالسعر الحر غير المدعم، ولا يتخطى سعر طن الأسمنت عالميا 60 دولارا، فى الوقت الذى تجاوز سعر الطن فى مصر ال 100 دولار على الرغم من حصول المصانع على طاقة مدعومة. ويطالب الزينى الحكومة بضرورة رفع دعم الطاقة عن شركات الأسمنت كثيفة الاستخدام، وتوجيهه الى مستحقيه من محدودى الدخل، واستخدامه فى بناء شقق سكنية بسعر التكلفة، وكذلك إلزام الشركات بعدم تخطى الحد الأقصى للسعر العالمى للأسمنت.