تجديد اعتماد "صيدلة المنصورة" من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    وزير الكهرباء: تركيب مصيدة قلب المفاعل للوحدة النووية الثالثة بالضبعة خلال أكتوبر    ترحيب واسع بدعم الرئيس السيسي لتوصيات الحوار الوطني.. تعزيز لحقوق الإنسان والإصلاح القانوني في مصر    كيف استعانت مدرسة ابدأ للعلوم التقنية بشركة تأهيل لتنمية مهارات التميز للطلاب؟    وصول الدعم لمستحقيه بقاعدة بيانات توحد الجهود التطوعية أبرز مميزات التحالف الوطنى    وثيقة سياسة ملكية الدولة.. مدبولي: هدفنا تعظيم الأصول والعروض غير المناسبة لا نقبلها    إزالة 5 حالات بناء مخالف بقنا    مكتب الصحافة الإسرائيلي ينشر إحصائية بالأضرار التي خلفتها صواريخ "حزب الله"    بلينكن: يجب التنسيق والعمل لردع الأنشطة المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها إيران    وزير الرياضة يلتقي فرانشيسكو توتي في العاصمة الإدارية الجديدة    قضية التيك توكر وخطأ المواقع    كواليس تصوير محمد عبد الرحمن حماقي ل "روج أسود" (صور)    كلامها حلو.. هشام عباس يكشف تفاصيل ألبومه الجديد وموعد طرحه    خالد الجندى: عمليات التجميل والتحول الجنسى فعل شيطانى للحرب على بنيان الله    انطلاق دورة التعامل اللائق مع رواد المسجد لعمال المساجد    علي جمعة يكشف عن مبشرات ميلاد النبي: رضاعته وفرح أبولهب بمولده    خطوة صحيحة ومفيدة للمريض.. نقابة الصيادلة تعلق على مقترح مدبولي بكتابة الروشتة    حملة «100 يوم صحة» تقدم أكثر من 87 مليونا و915 ألف خدمة مجانية    بلينكن يؤكد أهمية احتواء التصعيد بين إسرائيل وحزب الله اللبناني    «القاهرة الإخبارية»: إسرائيل تعمل على عزل بلدات وقرى الجنوب اللبناني    وليد فواز يكشف سبب خوفه من دوره في مسلسل «برغم القانون».. قللت وزني    موعد بدء العام الدراسي الجديد للجامعات 2024-2025.. والخريطة الزمنية للعام المقبل    كنوز| 54 عاما على غياب زعيم في ذاكرة المصريين    لاستيفاء نسبة ذوي الهمم.."العمل" تنظم ندوة بمنشآت القطاع الخاص بسوهاج    وزير التموين يجتمع مع رئيس البريد وممثلي شركة فيزا العالمية لبحث أوجه التعاون المشترك    الأرصاد تكشف حالة الطقس في مصر غدا الخميس 26 سبتمبر 2024    ما حكم قراءة سورة "يس" بنيَّة قضاء الحاجات وتيسير الأمور؟    محافظ الدقهلية ييستلم دفعة من المواد الغذائية لتوزيعها على الأولى بالرعاية    بوليتيكو: الهجوم على حزب الله سبب خلافا كبيرا بين الولايات المتحدة وإسرائيل    وزارة العمل: ختام مشروع إدماج النوع الإجتماعي في العمل بالسويس    محافظ أسوان ونائب وزير الإسكان يتفقدان خزان أبو الريش العلوي بسعة 4 آلاف مكعب من محطة جبل شيشة    شغل ومكافآت وفلوس كتير.. 4 أبراج فلكية محظوظة في بداية أكتوبر    أحمد سعد وإليسا ورامي صبري وبهاء سلطان.. رباعية تاريخية في أرينا بالكويت    الأهلي يحفز اللاعبين قبل السوبر الأفريقي    أيتن عامر عن أزمتها مع طليقها : «الصمت أبلغ رد» (فيديو)    13 مليون جنيه إجمالي إيرادات فيلم عاشق بدور العرض السينمائي    بمشاركة أكثر من 40 دار نشر.. افتتاح النسخة الأولى من معرض نقابة الصحفيين للكتاب    تنظيف وتعقيم مسجد وضريح السيد البدوي استعدادًا للمولد (صور)    مدرب السد القطري: مباراة الغرافة ستكون صعبة للغاية    ميكالي يستقر على إقامة معسكر لمنتخب 2005 في التوقف الدولي المقبل (خاص)    وزير النقل اللبناني: لا توجد مشكلات لوجيستية بمطار بيروت.. وملتزمون بقوانين الطيران العالمية    النائب محمد الرشيدي: جرائم الاحتلال الإسرائيلي في لبنان تشعل فتيل الصراع بالمنطقة    رئيس هيئة الدواء: سحب كافة الأدوية منتهية الصلاحية وليس نسبة منها    إجراء 267 ألف تدخل طبي في مستشفيات التأمين الصحي الشامل    بالصور- تطعيم 63.6% من تلاميذ مدارس الوادي الجديد ضد السحائي    «صحة المنوفية»: إدارة المتوطنة قدمت خدماتها ل20 ألفا و417 مواطنًا في مجالات الفحص والمكافحة    عملت وشم فشلت في إزالته هل صلاتي باطلة؟.. رد حاسم من داعية (فيديو)    تتخطى مليار دولار.. شركة تابعة للسويدي إليكتريك تشارك في إنشاء محطة توليد كهرباء بالسعودية    الصين تطلق صاروخًا باليستيًا عابرا للقارات يحمل رأسا حربيا وهميا    ليفربول يواجه وست هام يونايتد في كأس كاراباو    إمام عاشور يكشف مفاتيح الفوز على الزمالك ودور اللاعبين الكبار في تألقه    ضبط 200 ألف علبة سجائر بقصد حجبها عن التداول بالغربية    عقب تداول «فيديو».. سقوط لصوص أغطية بالوعات الصرف بالمنصورة    وزير التعليم العالي يشهد حفل استقبال الدفعات الجديدة    القبض على عنصرين إحراميين يديران ورشة لتصنيع الأسلحة النارية بالقليوبية    إصابة 7 أشخاص فى مشاجرة بين عائلتين بقنا    تشكيل ليفربول المتوقع.. 7 تغييرات.. وموقف صلاح أمام وست هام    تشيلسي يكتسح بارو بخماسية نظيفة ويتأهل لثمن نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس القادم فى مواجهة خطايا عصر مبارك

على الرغم من طول الفترة التى استغرقتها محاكمة الرئيس المخلوع مبارك، فإنه لم يحاكم على إهدار ما بنته الأجيال والحكومات السابقة من خلال برنامج الخصخصة الفاسد، ولم يحاكم على العقود المالية والاقتصادية التى كبل بها مصر بشروط جائرة.
ويبدو أن مصر ستظل ولوقت طويل تدفع ثمنا باهظا لفساد عصر مبارك ولانحيازاته الفجة للرأسمالية الأجنبية، ولحفنة من المحظوظين من رجال أعماله، وللرأسمالية الطفيلية غير المنتجة، على حساب الشعب بفقرائه وطبقته الوسطى ومنتجيه الحقيقيين حتى من الرأسماليين فى كل القطاعات البعيدين عن مركز النفوذ السياسي. وهذا لأن الفساد فى عصر مبارك لم يحدث من خلال أفعال تخترق القانون وفقط، بل إن الكثير منه كان بالقانون وبقرارات وزارية وبتعاقدات ملزمة للدولة ويتم التحكيم بشأنها محليا، أو من خلال وحدة التحكيم التابعة للبنك الدولي. وترتيبا على طبيعة الفساد الهيكلى فى عصر مبارك بالقوانين والعقود والقرارات الرسمية، لم تكن صدفة أن تخسر مصر الكثير من قضايا التحكيم، بما ترتب على ذلك من غرامات موجعة لمصر.
لماذا تخسر مصر قضايا التحكيم؟
يذكر الكثيرون منا كيف خسرت مصر قضية التحكيم الخاصة بمطار رأس سدر التى انتهت بتغريم مصر 530 مليون دولار، لأن من منحوا تلك الأرض من البداية للشركة البريطانية، تجاهلوا كل الاعتبارات العسكرية والوطنية التى يجب أن تكون حاضرة قبل أى شىء آخر فيما يتعلق بالاستثمار فى سيناء. كما نذكر أيضا قضية أرض طابا التى رفعتها شركة سياج للاستثمارات السياحية بعد استعادة الدولة تلك الأرض من الشركة التى كانت قد باعتها لمستثمرين صهاينة لجأوا إلى وحدة التحكيم التابعة للبنك الدولى، وصدر لهم حكم بتغريم مصر 300 مليون دولار. وتلك القضية تشير بوضوح إلى غياب أى تقدير وطنى أو عسكرى لدى من باعوا تلك الأرض من البداية، فهى تقع فى منطقة عمليات عسكرية على الحدود مع فلسطين المحتلة عام 1948، وجاء قرار استعادة الدولة إياها متأخرا، لتدفع مصر ثمنا له غرامة باهظة. كذلك الأمر بالنسبة لخسارة قضية هضبة الهرم التى انتهت بتغريم مصر 36 مليون دولار، وغيرها من القضايا المناظرة التى تشترك جميعها فى ضعف موقف مصر أو خسارتها التحكيم بسبب سوء وفساد العقود من البداية.
وهناك العديد من القضايا التى ما زالت محل تقاض بالذات فيما يتعلق بتسعير الغاز. وكانت الشركة المصرية للغازات الطبيعية والشركة القابضة للغازات الطبيعية قد خسرتا تحكيما محليا بشأن القرار الوزارى الذى صدر عام 2008. ورفع سعر توريد الغاز لإحدى شركات الأسمدة إلى 3 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية، بدلا من السعر المتعاقد عليه بقيمة 1.5 دولار، حيث قضى التحكيم عام 2011 بإلزام الشركة المصرية للغازات الطبيعية بتوريد الغاز لمدة 25 سنة على مدى الأربع والعشرين ساعة يوميا. وتبدو صورة الظلم والنهب اللذين تتعرض لهما مصر من تلك العقود الفاسدة التى نصت على تثبيت سعر مادة أولية هى الغاز لمدة 25 سنة رغم أن سعرها يتغير فى السوق الدولية يوميا فى اتجاه أعلى، ورغم أن السعر فى تلك السوق عند بدء التعاقد كان عدة أضعاف السعر الذى تم التعاقد عليه فعليا. وتتراوح أسعار الغاز فى الأسواق الدولية فى الوقت الراهن بين 11 و 17، دولارا للمليون وحدة حرارية فى أسواق بريطانيا واليابان وكوريا والصين، وهى بالتأكيد أعلى من ذلك عند وصولها للوحدة الإنتاجية أو الخدمية أو السكنية المستهلكة للغاز.
وفى نفس السياق يعتبر عقد بيع أرض توشكا وشروطه عبارة عن وثيقة فساد قائمة بذاتها، وهى محمية بالتحكيم الدولى الذى نص عليه العقد. وهذا العقد يحتاج لمقال خاص به، لكننى سأمر سريعا على الجزء الخاص بتوفير الطاقة، وسعرها فى هذا العقد والذى يكشف عن نظام كان يعبث بمصالح وحقوق مصر بصورة هزلية وفاسدة. وقد نص ذلك العقد على أن يقوم «الطرف الأول» أى الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية (GARPAD)، ويمثلها الدكتور محمود أبوسديره، وهو المفوض قانونا فى التوقيع على ذلك العقد بتوفير شبكة توزيع كهربائية ضرورية لتلبية متطلبات المشروع الكامل وفق ما هو مصمم وبالتعاون مع «الطرف الثانى» أى شركة المملكة للتنمية الزراعية مصر المملوكة لرجل الأعمال السعودى الوليد بن طلال. وتمتد تلك الشبكة على طول الفرع رقم 1 بالكامل وتتحمل الحكومة المصرية تكلفتها بالكامل. كما تلتزم مصر ممثلة فى الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بتوفير إمداد مستمر من الطاقة الكهربائية للطرف الثانى تتكون من «ثلاثة فاز»، وتكفى لتشغيل المضخات اللازمة لتكثيف الضغط على أنظمة توزيع مياه الرى واستخدامها لأغراض عمرانية وصناعية. وتتحدد تكلفة الكهرباء لكل كيلوات/ساعة المدفوعة من قبل الطرف الثانى بقيمة مساوية لأقل المعدلات المدفوعة من قبل أى من المستخدمين فى مصر من مصريين أو غير مصريين. وهذا يعنى أنه إذا كانت هناك شرائح لتسعير الكهرباء فى مصر، فإن هذا العقد الفاسد يلزم مصر بتوفير الكهرباء لهذا المشروع بأدنى سعر على الإطلاق فى مصر، حتى لو كانت تلك الأسعار قد تم تحديدها عند مستوى منخفض ومدعوم من المال العام لتوفير الكهرباء للفقراء، وليس لرجال الأعمال من بلدان أخرى.
ورغم الظلم الذى تعرضت له مصر من خلال هذا البند فى عقد أرض توشكا، فإنه أهون الأضرار فى ذلك العقد المروع الذى سأطرحه مرة أخرى تفصيلا، حيث سبق لى طرحه أثناء حكم مبارك عدة مرات فى مقالات ودراسات وفى أحد الكتب، لكن أهميته تكمن فى أنه أحد الشواهد الكبرى على تعملق الفساد فى عصر مبارك واعتدائه على مقدرات مصر وحقوق شعبها.
ويمكن القول إجمالا إن خسارة قضايا التحكيم الاقتصادية ناشئة عن سوء وفساد العقود من البداية لأنها لم تحم حقوق الشعب والدولة، بل كانت فى مصلحة الطرف المتعاقد معها، فضلا عن الأمور المتعلقة بكفاءة الدفاع، وإدارة التقاضى بشأن المال العام. لكن النتيجة النهائية هى نزيف للأموال والموارد العامة لصالح الغير من رأسماليين أجانب أو حتى محليين.
الخصخصة.. الإهدار والبطالة
تبقى الجريمة الأكبر لعصر مبارك على الصعيدين الاقتصادى والاجتماعى هى إهدار وتدمير القطاع العام من خلال برنامج الخصخصة الذى يعد الفساد الأشد هولا على مدى التاريخ فى مصر. فقد جرى تخسير بعض الشركات لبيعها بعد ذلك، وإيقاف أى تطوير لهذا القطاع حتى يتخبط فى دوامة الخسائر، ووضع قيادات إدارية ضعيفة الكفاءة أو فاسدة أو تتسم بكليهما، على رأس الشركات العامة، فضلا عن بيع عدد كبير من الشركات الرابحة فى قطاعات الأسمنت والزجاج والكيماويات والتليفون المحمول والفنادق بأسعار بالغة التدنى تقل عن 10% من سعر الأرض فى كثير من الأحيان. ولم يكن إشراك القطاع الخاص على أوسع نطاق فى النشاط الاقتصادي، يحتاج لعملية الخصخصة أصلا، إذ كان يكفيه فتح كل المجالات أمامه للعمل، وتسهيل إجراءات تأسيس الأعمال وإنهائها إلى أقصى حد ممكن، وقطع دابر الفساد البيروقراطى المعوق للأعمال والذى يضيف تكلفة غير مرئية على كل من يريد أن يقيم مشروعا صغيرا أو كبيرا أو تعاونيا، إلا إذا كان لديه نفوذ سياسى يحميه من ذلك الفساد. وكانت الدول الأوروبية قد حققت إنجازها الاقتصادى الأعظم منذ ثلاثينيات القرن العشرين وحتى نهاية سبعينياته وهى تطبق نظاما اقتصاديا قائما على وجود دور اقتصادى هائل ومباشر للدولة ولقطاعها العام إلى جانب القطاع الخاص، مما مكنها من تجاوز الكساد العظيم الذى استغرق النصف الأول من ثلاثينيات القرن الماضي، والذى كان قد نجم عن انفراد الرأسمالية الخاصة بالنشاط الاقتصادى واندفاعها فى المضاربات والإقراض العقارى بلا ضوابط والاستحواذ على الغالبية الساحقة من الدخل بما يعنيه من ظلم اجتماعى ومن تقييد للطلب الفعال المحرك للاقتصاد الذى انتهى به الأمر فى هوة الكساد الكبير. كما مكنها الاعتماد على الدولة والقطاع الخاص من تمويل التكاليف الهائلة للحرب العالمية الثانية، وإعادة بناء ما خربته تلك الحرب، وبناء شركات عملاقة سيطرت على أسواقها الوطنية ومدت أذرعها للخارج.
وبعيدا عن تفاصيل برنامج الخصخصة الذى كتبت كثيرا عن صفقاته الفاسدة على مدى أكثر من عقد ونصف من الزمن، فإن الفساد فى ذلك البرنامج، لم يكن حالة طارئة، بل كان فسادا منهجيا إلى حد كبير، وكان يشكل تعبيرا مكثفا عما وصل إليه نظام مبارك فى النظر للمال العام وفى إدارة الأصول المملوكة للأمة.
وانطلاقا من هذه النظرة لنظام مبارك وأقطابه للمال العام، فإنه عندما أعلن رئيس الوزراء الحالى أنه لا عودة لبرنامج الخصخصة، وأن هناك اتجاها لإصلاح شركات القطاع العام، وإعادة المعطل منها للعمل، وأعلن وزير ماليته انه يرى ضرورة رفع الشريحة العليا للضرائب بنسبة 5% لتصل إلى 30%، وهى بالمناسبة أقل من المتوسط العالمى لتلك الضريبة، انتفضت قوى الرأسمالية الطفيلية وقوى نظام الفساد والظلم الاجتماعى المترسخ من عهد مبارك بكل ميكروفوناتها فى مواجهة هذا التوجه الصحيح والذى يشكل مجرد بداية صغيرة للاستجابة لمطالب الشعب لحماية ماله العام وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وكان برنامج الخصخصة قد تسبب فى إخراج مئات الآلاف من العاملين، وهم فى ذروة عطائهم المهني، إلى صفوف العاطلين تحت مسمى المعاش المبكر، بكل ما ترتب على بطالتهم من مشاكل اجتماعية وسياسية. ورغم فساد عمليات تقييم الأصول العامة التى طرحت للخصخصة وتمت خصخصتها فعليا، سواء كانت جهة التقييم محلية أو خارجية فإن الملوم الأول هو المعايير الفاسدة لتقييم الأصول ومن وضعها أى الحكومات المتعاقبة فى عهد مبارك، وبالذات حكومتا د. عاطف عبيد، ود. أحمد نظيف.

المعايير الرديئة والفساد المنهجي
كان د. عاطف عبيد رائدا فى بناء الأساس المنهجى لتدمير القطاع العام بأبخس الأثمان، حيث وضع ورقة عامة لمعايير الخصخصة نصت على تقييم سعر متر الأرض فى الشركات العامة المطروحة للخصخصة بأدنى سعر للأرض المخصصة للتنمية الصناعية فى أقرب مدينة صناعية جديدة، أى بأقل من 100 جنيه، للمتر، حتى لو كان سعر متر الأرض فى نفس المنطقة يبلغ نحو 5 آلاف جنيه كما كان الحال بالنسبة لأرض شركة طنطا للكتان وغيرها من الشركات. كما نصت تلك المعايير على أن يكون سعر المتر المبنى نحو 150 جنيها.
وهذا المنطق عبثى وفاسد لأن أى مستثمر يريد إقامة مشروع جديد سيضيف أصلا إنتاجا وفرص عمل جديدة سيشترى الأرض فى أى مدينة مصرية، بالسعر السوقى للأرض فيها، بينما يحصل المشترى لشركة القطاع العام الموجودة فى تلك المدن، على متر الأرض بسعر المتر فى أراضى التنمية الصناعية بأقرب مدينة عمرانية جديدة، وهى عادة تدور حول سعر 100 جنيه للمتر، وهو سعر لا علاقة له من قريب أو بعيد بسعر الأرض فى المدن المصرية الكبرى، ليتمكن بعد ذلك هو أو من يبيع له الشركة بعد تعطيلها فى ظل ما يكفله الدستور من حماية للملكية الخاصة وحرية التصرف فيها، من بيع الأرض أو توظيفها فى استخدامات جديدة مع تحقيق أرباح استثنائية تبلغ أضعاف ما دفعه فى الشركة. وحتى عندما عجز عن ذلك بفضل الوقفة القوية للعمال والمجتمع ونخبته الثقافية والسياسية لمنعه من ذلك، فإنه عطل الشركات وأوقف تطويرها، وحولها إلى طاقة إنتاجية معطلة ومتقادمة ومتدهورة، كما هو حال شركات الحليج والغزل والنسيج والمراجل البخارية. وإذا كان القضاء المصرى قد أصدر أحكاما بإعادة تلك الشركات، للدولة بسبب فساد عمليات البيع، وليس للتراجع فى عملية الخصخصة، فإنه على الدولة أن تقدم نموذجا تنمويا للمجتمع عبر إصلاح وتطوير وإنجاح تلك الشركات.
وتضيف «المعايير» التى وضعها د. عاطف عبيد واعتمدها نظام مبارك فى الخصخصة، أنه إذا احتفظ المشترى بكامل العمالة يتمتع بنفس شروط السداد للأراضى الصناعية بأقرب مدينة عمرانية جديدة من تقسيط وفترات سماح، ويتم تقييم المبانى بالقيمة الدفترية أو بمبلغ 150 جنيها للمتر المربع، وهو سعر يقل عن عُشر سعر متر المبانى فى الشقق السكنية فيما سمى بالمشروع القومى للإسكان الذى كان من المفترض أن تخصص وحداته لمحدودى الدخل، لكنها خصصت فعليا لفئات أعلى وبشروط لا تختلف عن شروط السوق، رغم قيام الدولة بمنح الأرض المخصصة لذلك الإسكان بسعر عشرة جنيهات للمتر غير المرفق، ونحو 70 جنيها للمتر المرفق بالتقسيط.
وضمن «المعايير» المذكورة فإن الشركات قليلة الربحية يكون الحد الأدنى لسعر تقييمها هو ثمانية أضعاف المتوسط السنوى لأرباحها خلال السنوات الثلاث قبل بيعها. أى أن المشترى يمكنه استرداد كل ما دفعه من خلال الأرباح المعتادة فى غضون ثمانية أعوام، علما بأن مضاعف الربحية أو فترة استرداد رأٍس المال من خلال الأرباح السنوية، يبلغ أكثر من ضعف هذا العدد من السنوات فى البورصات العالمية المتقدمة والنامية.
وبعد كل تلك «المعايير» التى تشكل أساسا للاعتداء على المال العام فإنه يمكن للجمعيات العامة لشركات قطاع الأعمال العام أن توافق على ثمن يقل عن القيمة الدفترية إذا رأت فى ذلك مصلحة تقدرها. وتلك الجمعيات خاضعة عمليا وتنفذ أوامر الوزير الذى يملك المنح والمنع، إلا إذا وجد من لديه الإرادة الوطنية والأخلاقية والاستعداد للتضحية بالمصلحة الشخصية من أجل حماية المال العام مثلما فعل المهندس يحيى حسين عبد الهادى فى صفقة بيع شركة عمر أفندي، وأدى موقفه مع موقف القوى الحية من باحثين وإعلاميين وبرلمانيين والتى رفضت إهدار المال العام فى الشركة إلى رفع سعر بيعها بمقدار الثلث، وهو سعر ظل قرابة خمس الثمن السوقى الحقيقى للشركة التى أعادها القضاء للدولة.
وتضيف «معايير» نظام مبارك للخصخصة، أنه فى حالة التزام المشترى للشركة العامة بكامل العمالة فيها بما فى ذلك ما يرى المشترى أنه عمالة زائدة، فإنه تخصم تكلفة المعاش المبكر للعمالة الزائدة من ثمن شرائه للشركة!!
ويمكن القول فى الختام، إن مصر أيا كان اسم رئيسها القادم، عليها مهمة كبرى للبناء تبدأ بالخروج من صندوق مبارك وسياساته ومعاييره الفاسدة والجائرة على حقوق مصر، والمتحيزة اجتماعيا فى غير مصلحة الفقراء والطبقة الوسطى، وعليها أن تبنى سياسات اقتصادية-اجتماعية قائمة على التوازن والعدل والكفاءة والمرونة لتحقيق التنمية الاقتصادية الحقيقية وتشغيل العاطلين ومكافحة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية الكفيلة ببناء استقرار سياسى واجتماعى وأمنى قائم على التراضى والمشاركة الشعبية فى التنمية وثمارها، وليس ذلك «الاستقرار» المزيف المبنى على القمع والإفقار والتهميش كما كان الحال قبل ثورة 25 يناير.
لمزيد من مقالات أحمد السيد النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.