كانت واشنطن تريد وتسعى من خلال المحادثات المكثفة التى جرت يوم الجمعة بين جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى ونظيره الروسى سيرجى لافروف فى لندن أن تصل الى وقف أو ارجاء الاستفتاء على انفصال القرم عن أوكرانيا. وهو الاستفتاء المقرر اجراؤه اليوم الأحد.الا أن واشنطن وبعد ست ساعات من المحادثات أعلنت فشلها فى تحقيق ذلك وعن وصول الطرفين الى "طريق مسدود".وحسب ما قاله لافروف "ليس لدينا رؤية مشتركة للوضع". ولا شك أن المواجهة الأمريكية الروسية ستأخذ منحى جديدا بعدما لم يتحقق فى لندن ما كان مطلوبا ومنتظرا من حل توافقى بين واشنطنوروسيا بخصوص اوكرانيا. وبالتالى ما لم يحدث مفاجأة أو معجزة فى اللحظة الأخيرة فان يوم غد الاثنين سيشهد انطلاق العقوبات الأمريكية والأوروبية الموجهة ضد روسيا ونرى تصعيدا للتوتر القائم بين الغرب والشرق الى مستويات جديدة. وصفها بعض المراقبين الأمريكيين بانها العودة الى فترة الحرب الباردة أو حرب باردة جديدة فى القرن الحادى والعشرين أشعلها الرئيس الروسى بوتين. ووسط هذه الأجواء المتوترة وعقب فشل المحادثات فى لندن تحركت ادارة أوباما بسرعة من أجل وضع ضغوط أكثر على موسكو الا أنها تركت الباب مفتوحا أو مواربا أمام احتمال محادثات أكثر وربما مع بوتين نفسه. فالرئيس أوباما فى البيت الأبيض مساء الجمعة بعد لقاء له مع اندا كينى رئيس الوزراء الايرلندى قال "نحن مازلنا نأمل بأن يمكن ايجاد حل دبلوماسى ولكن الولاياتالمتحدة وأوروبا تقفان موقفا موحدا ليس فقط فى رسالتهما بخصوص سيادة أوكرانيا ولكن أيضا ستوجد عواقب اذا تم بالفعل الاستمرار فى انتهاك تلك السيادة" ونقل عن مسئولين أمريكيين رافقوا كيرى فى محادثاته الماراثونية بأنهم قدموا عديدا من الأفكار خلال المباحثات التى جرت بين كيرى ونظيره الروسى لافروف حول حل توافقى يمكن تحقيقه بالنسبة لشبه جزيرة القرم. ومنها ترتيبات تعطى للقرم أقصى درجة من الحكم الذاتى وتفرض اجراءات من أجل حماية حقوق المتحدثين بالروسية من السكان. وحسب ما نقل أيضا عن مسئولين أمريكيين فان لافروف فى رأيهم كان يبدو بأن لديه فقط مساحة صغيرة للتفاوض، وأن الرئيس بوتين (فى رأيهم ايضا) كان قد عقد العزم على أن الاستفتاء فى القرم يجب أن يقام اليوم الأحد. وكان كيرى بعد الانتهاء من المحادثات مع لافروف قد قال فى مؤتمر صحفي:"لقد قدمت عددا من الأفكار نيابة عن الرئيس" مضيفا "وبعد نقاش طويل أوضح وزير الخارجية (الروسي) أن الرئيس بوتين ليس مستعدا لاتخاذ أى قرار بخصوص أوكرانيا الا بعد الاستفتاء يوم الأحد". وكان مسئول بالخارجية الأمريكية قد صرح للصحفيين المرافقين لكيرى فى زيارته للندن "اذا صار الاستفتاء وتم عقده سيكون الأمر له ثمن .. واذا تواجد تصعيد عسكرى أكبر سيكون هناك ثمن أكبر واذا لم تتواجد دبلوماسية جادة سيكون هناك ثمن أكبر". ولا شك أن التحركات العسكرية الروسية الأخيرة تابعتها واشنطن بقلق بالغ وقد تم وصفها بأنها "تخلق بالفعل مناخا من التخويف" لأوكرانيا ودول الجوار الأخري.وقال أحد المراقبين بأن التساؤل المطروح بالحاح .. ما معنى هذه التحركات الروسية فى هذا التوقيت بالذات؟! وبما أن الادارة الأمريكية تريد التأكيد على تضامنها مع الدول الحلفاء فى شرق أوربا ووقوفها معهم و"طمأنتهم" فقد أعلن البيت الأبيض مع توارد أنباء فشل المحادثات أن نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن سوف يزور كل من بولندا وليتوانيا فى الفترة ما بين يوم الاثنين ويوم الأربعاء من أجل مناقشة أزمة أوكرانيا وقضايا المنطقة وأيضا "لتأكيد التزاماتها الدفاعية المشتركة". كما أن مع اقتراب موعد الاستفتاء وظهور بوادر فشل الدبلوماسية قال دبلوماسيون أمريكيون وأوروبيون بأنهم قاموا مؤخرا بتسريع تشاوراتهم الخاصة حول عملية فرض حظر السفر وتجميد الأموال على مسئولين روس كبار. وهذه المناقشات سوف تستكمل غدا الاثنين فى اجتماع لوزراء الخارجية الأوروبيين فى بروكسل. وخلال الأيام القليلة الأخيرة تكشف أن ادارة أوباما تحفظت فى الاستجابة لطلبات أوكرانية تتضمن أسلحة وذخيرة ودعما استخباراتيا.وأشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" التى ذكرت الطلب الأوكرانى الى أن رفض واشنطن مبرره أن الادارة لا تريد تصعيدا عسكريا فى المنطقة فى الوقت الحالي. وانها ربما قد تنظر فى الأمر مستقبلا. ولا شك أن الأزمة الأوكرانية بتداعياتها ومخاوفها من احياء للمواجهات التاريخية خلقت أجواء ترقب وتوجس وقلق وتخوف لم تشهدها شرق أوروبا خلال العقدين الماضيين. ولذلك كان من الأمور الملفتة للانتباه أيضا ما قررته البنتاجون فى الأيام الأخيرة من زيادة تدريبات الناتو الجوية فى بولندا وزيارة الدوريات الجوية فى سماء استونيا وليتوانيا ولاتفيا. بالاضافة الى اعلانها بتمديد بقاء حاملة الطائرات الأمريكية "جورج هيربرت ووكر بوش" (اسم بوش الأب) فى المتوسط من أجل طمأنة الحلفاء بوقوف واشنطن معهم. العالم كله يترقب المواجهة القادمة بكافة أشكالها ويأمل ويتمنى احتواء الأزمة (ان أمكن) قبل أن تتفاقم وتزداد سوءا.. وفى كل الأحوال فان غدا لناظره ليس فقط بقريب .. بل مريب ومخيف ومقلق أيضا