فتحى أبو الفضل الأديب الكبير الراحل، حين خط روايته « لعنة الملائكة».. كان من أوائل من دقوا نواقيس خطر المرض النفسى الذى يتوارثه الأطفال من ذويهم عند الولادة، وقد أطلق على المرض: «لعنة»، والأطفال هم الملائكة التى تصاب بهذه اللعنة دون ذنب لها. وقد كتبها عن حالة عايشها بنفسه.. لذا كان ألمه شديداً لدرجة جعل البطلة تفقد رحمها جراحياً حتى لا تنجب أطفالاً مصابين باللعنة، فليس أَمرُّ على النفس ولا أثقل من المرض النفسى.. فعِلة الروح هى العقبة أمام الجسد إذا ما استفحلت، بينما الجسد إذا بُلى لا يستطيع أن يعيق تحليق النفس. هذا بالنسبة للإنسان الراشد الذى إن أصابه المرض النفسى، تبعه فشل فى الدراسة أو العمل وكذلك الحياة الاجتماعية.. فليس كل زوج أو زوجة مؤهلة لتحمل مرض الطرف الآخر النفسى. فهناك أمور ستحدث غير منطقية، وهناك ارتفاع وانخفاض فى درجة المشاعر تجاه الطرف الآخر يُحدد درجتها قرص الدواء الذى يتعاطاه المريض. وسبحان الله الذى لا يسأل عما يفعل، فمعظم الموهوبين فى الفن والفكر والثقافة من شعراء وغيرهم كانوا من أصحاب العلل النفسية. وتلخص القصة الأطباء النفسيين الذين يرون بنظرة فلسفية أن المبدع هو الذى يتعرض بتجربة قاسية اعتصرته وأخرجت إبداعه، فالألم مواكب للعبقرية. بل ذهب دكتور محمد شعلان أستاذ الطب النفسى إلى القول إن الإنسان الطبيعى لا يساهم فى تقدم الحياة، بل الذى لديه ( طفرة) هو من يطورها ويهبها خطوات دائماً للأمام. وتتفاقم المأساة حينما يولد الطفل وجيناته حاملة للمرض، فتعانى الأم مثلاً والوليد من آلام النفس ويتحول المنزل لجحيم لا يُطاق.. فالاكتئاب مثلاً: هو مرض أشر من الشلل أو كما قالت مريضة لعادل صادق أستاذ الطب النفسى يوماً: أتمنى أن أُصاب بالسرطان بدلاً من الاكتئاب. وهناك الكثير من العمالقة فى شتى مجالات الإبداع أنهوا حياتهم بأيديهم نتيجة الاكتئاب الذى أصابهم. وكانت هناك إحصائية خرجت عن « المركز القومى للبحوث» تؤكد ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض النفسية فى الريف بعد الثورة وكان من الكوميديا السوداء أن نطالب بطبيب نفسى هناك حيث لا توجد وحدة صحية من الأساس ولا طبيب متواجد ولا أدوات ولا شىء على الإطلاق. إن مجتمعاً من اليائسين المكتئبين لا ينتج، فأنت تستطيع أن تمسك القلم بأصابع قدميك وتكتب به لأن إرادتك حاضرة.. أما حينما تُغتال الإرادة ويزرع محلها اليأس، فعلى الرغم من وجود اليدين والقدمين وكل الأعضاء فإن اليدين تعجزان عن أن تمتدا إلى القلم، فلا دافع ولا أمل فى الغد، وإن امتدت اليد فستمتد لتلتقط بعض الجرعات الإضافية من ال Cipralex أو ال Progac لتريح المريض من همه وهم الحياة. لقد رأيت بعينى رأسى أستاذة جامعية بعد أن أنفقت كل ما تركه زوجها من مال على مرض ابنهما النفسى وعلى الأطباء النفسيين حين أُصيب الصبى بمرض انفصام وهو طالب هندسة بجامعة أمريكية تمد يدها بالروشتة وعلبة دواء السركويل الفارغة لتستجدى المارة فى الشوارع وهى تنادى فيهم: ابنى مريض نفسى.. عايزة أشترى له الدواء.. ساعدونى.. ساعدونى. ولأنها أيضاً كانت كسيحة من أثر مرضها النفسى الذى ورثته لابنها، فلم تعد تستطيع العمل. نتمنى أن يوضع المرض النفسى فى موضعه الصحيح خاصة مع الإحصاءات التى أكدت ازدياده فى مصر بعد الأحداث التى شهدتها ولا تزال تشهدها مصر. لابد من مصحات تعالج المرضى غير القادرين وتوفير الدواء الذى يصل سعر الشريط فيه إلى ثلاثمائة جنيه أحياناً، ليصبح مُتاحاً للجميع بغض النظر عن القدرة المادية. إن بلداً تُغتال إرادة ذويه سواء بمرض أو خلافه لا يمكن أن يقف على قدميه أبداً.ارحموا مرضى النفوس العليلة. لمزيد من مقالات شرين المنيرى