شهدت بغداد العاصمة العراقية مؤخراً اختتام فعاليات اختيارها عاصمة للثقافة العربية على مدار عام 2013، الذى يأتى استكمالاً لمبادرة عاصمة الثقافة العربية التى شهدت القاهرة أولى فعاليات تطبيقها فى عام 1996. حاولت بغداد أن تبرز وجوهها الإبداعية التى أثرت الحضارة العربية فى كل مناحيها، مما انعكس على الأنشطة الثقافية التى استمرت على مدار العام الماضي، وذلك على الرغم من الأوضاع الأمنية المضطربة . شهد العام إقامة مئات المهرجانات والمؤتمرات والندوات والمعارض وورش العمل فى مجالات المسرح والشعر والترجمة والفن التشكيلى والسينما والكتاب والأزياء وثقافة الطفل بمشاركة مبدعين عرب وأجانب, كما استضافت بغداد خلال هذه الفترة عددا من الأسابيع الثقافية لدول عربية شقيقة، وتم طبع أكثر من 480 عنواناً موزعةً على مختلف صنوف المعرفة, وإقامة 144 معرضاً شخصياً ومشتركاً للفن التشكيلي. كما شاركت وزارة الثقافة العراقية فى إنتاج وشراء حقوق 43 فيلماً سينمائياً منها 36 فيلماً روائيا طويلا وقصيرا و7 أفلام وثائقية. وفى مجال الموسيقى، تم إنتاج 83 البوماً موسيقياً، لم تخضع فى مجملها لأى رقابة من الجهة المنظمة التى لم ترفض عملا إبداعياً، ولم تشترط إطارا فكرياً أو سياسياً. حظيت فعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربية بتخصيص حوالى نصف مليار دولار لأنشطتها, وهو ما تباينت بشأنه رؤى المثقفين العراقيين، فثمة من يرى أنها لم تتمكن من إنقاذ الوضع الثقافى فى العراق من الركود الذى يعيشه، وذلك وفقا لرؤية الروائى العراقى "حميد الربيعي"، الذى يرى أنها كرست ابتعاد الثقافة الرسمية عن المثقفين وعن الشارع والحراك الثقافي، مشيرا الى أنه كان من المفترض أن تقوم بالأساس على إيصال المنجز الثقافى العربى إلى بغداد ونشر الإبداعات الثقافية العراقية عربيا، ولكن الذى حدث أن لا أحد من المثقفين العرب ازداد اطلاعا على الثقافة العراقية، بالإضافة إلى أن المثقف العراقى ظل مغيبا عن الفعاليات، وهو ما اختلف معه المخرج المسرحى "عماد محمد" لافتاً النظر إلى أن هذه الفعاليات أفضت الى حراك واضح فى الثقافة العراقية، وخاصة فيما يتعلق بالمسرح والموسيقى، وأتاحت بلا شك فرصة مهمة للفنانين لاستثمارها من خلال إنتاج أعمال جيدة، ومع ذلك أنتقد "محمد" ما وصفه بغياب الإستراتيجيات والتخطيط مما جعل العشوائية والفوضى تتحكم بما تم تقديمه، كما وجه انتقاداته لبعض الفنانين والمثقفين العراقيين، الذين راحوا يهرولون وراء المنافع الشخصية على حد قوله. وفى هذا السياق تحدث "طاهر ناصر الحمود" وكيل وزارة الثقافة العراقية، -والقائم فعلياً بمهام وزير الثقافة، مشدداً على الدور الذى لعبه المثقفون فى تفعيل أنشطة المبادرة، ومضيفاً: "بوسعى القول إن ما تم تقديمه خلال العام الفائت يتجاوز ما تم تقديمه فى المدن التى سبقتنا كعواصم للثقافة العربية سواء من حيث عدد الفعاليات أو أنواعها وأثرها، وإن كان الأمر لم يخل من تقصير هنا أو تعثر هناك، ولاشك أننا سوف نستفيد من ذلك فى تصحيح مسار الثقافة الوطنية فى المستقبل". ورداً على الانتقادات، أكد "الحمود" استماع مسئولى الوزارة لها، وأنه يتم النظر لها باعتبارها ظاهرة صحية، مشيراً فى كلمة الاختتام إلى أن أكثر من 80% من الأموال المخصصة للفاعلية قد تم توجيهها لإقامة البنى التحتية لمعالجة الخراب الموروث فى المرافق الثقافية, وذلك بالبدء فى تنفيذ العديد من المشروعات الؤجلة. ومن جهة أخرى تحدث السفير "أحمد بن حلى" نائب الأمين العام للجامعة العربية عن التحديات التى تواجه الأمة العربية، وحيا احتفاء فعاليات بغداد باللغة العربية التى تمثل الإطار المشترك للهوية العربية فى وجه صدام الحضارات ونوازع التطرف والجهل والتعصب واستهداف الثقافة العربية والعقيدة الإسلامية، لافتا إلى أن التأخر العربى فى توطين العلوم والتكنولوجيا وعدم انتاجها هو الذى أدى إلى ضمور الثقافة العربية حالياً. وأضاف: "هناك تقهقر عربى فى مجال الترجمة فبعد أن كان العرب وعاصمتهم بغداد فى المقدمة، وصل عدد ما يترجمه العرب لا يزيد على 330 كتابا سنويا وهو ما يساوى نصف ما تترجمه دولة أوروبية مثل اليونان.وبحسب عدة تقارير فان الاجمال التراكمى للكتب المترجمة للعربية منذ عهد الخليفة المأمون فى العصر العباسى وحتى اليوم لا يتعدى 100 ألف كتاب وهو ما يوازى ما يترجم سنويا الى اللغة الاسبانية".