ساعات قليلة وتبدأ فاعليات الجلسة الأولي في أول برلمان مصري بعد ثورة25 يناير. تنعقد جلسات المجلس الجديد في أجواء يشوبها الترقب الحذر وتكهنات حول مدة استمرار المجلس والأدوار المنوطة به وشكل ونوعية التكتلات والتحالفات بين القوي السياسية المختلفة في ظل صعود تيار الإسلام السياسي وحصول ممثليه علي معظم مقاعد البرلمان الجديدة. ورغم أن الجميع يدرك أن أولي وأهم مسئوليات المجلس الجديد هي اختيار اللجنة التأسيسية لوضع الدستور, كتاب حياة ومستقبل المصريين لأعوام قادمة, والعمل علي تجاوز المعوقات المادية التي باتت تشكل حجر عثرة أمام مصر وتنذر بعواقب مستقبلية وخيمة, فإن هناك عددا من القضايا التي لاتقل أهمية عن تلك التي تتماس مع احتياجات المصريين الآنية, وأظن أنه يتحتم أن يتصدي لها هذا المجلس والمجالس التالية له, وأعني بها تلك التي تمس فكر وروح المصريين وتبلور ثقافتهم وتناقش بل وتتعامل مع التحولات التي طرأت علي المجتمع المصري وباتت تهدد وسطيته, وكل ما استقر في وجدانه عبر العصور, وما أفرزته هذه التحولات من ظواهر أدت لحالة من الفوضي والخواء القيمي وتراجع قيمة العمل والاتقان وتفريغ الكلمات من معانيها الحقيقة والالتباس في المفاهيم والمسميات وصور التدين الظاهري والصراع بين منظومتين, إحداهما تتبني قيم الحداثة والعقلانية والفقه العصري للدين والعادات, والأخري ترفع لواء التفسير التقليدي للعادات والرؤية النصية للدين ومن خلاله للمجتمع. وأزعم أن طرح هذه القضايا علي مائدة البحث في لجنة الثقافة والإعلام والسياحة( كما كان يطلق عليها في المجالس السابقة والتي أرجو أن يخصص المجلس الجديد لجنة خاصة منفصلة لكل فرع منها) والتعامل معها بجدية بهدف وضع خطة عمل ممنهجة للتخلص من حالة الالتباس والضبابية التي تواجهها الحالة المصرية في مواجهة العديد من الأزمات, لن يحفظ لنا فقط أصالة وتفرد الثقافة المصرية ودور مصر ومكانتها, بل الأخطر والأكثر أهمية, أن التعامل مع الأسباب التي هددت منظومة القيم المصرية, هو جزء أصيل وأساسي لمواجهة الكثير من الأزمات المادية التي نواجهها الآن والوصول لحلول غير تقليدية. ومن المؤسف أنه في ظل التحديات الراهنة والدور الحيوي الذي لابد أن تلعبه الثقافة والفنون لاستعادة روح مصر الحقيقية, تناقلت وسائل الاعلام عددا من التصريحات التي أطلقها بعض المتشددين بدت أشبه بنذير ببداية مرحلة جديدة للحد من حرية التعبير والإبداع والتفتيش في الضمائر وإلقاء التهم جزافا علي رموز فكرية وقامات ثقافية أو علي كل من ينتهج فكرا مختلفا, الأمر الذي أدي لظهور أكثر من مبادرة لحماية حرية التعبير والإبداع والبحث العلمي والهوية الوسطية لإسلام مصر, كان من بينها وثيقة الأزهر وتكوين جبهة إبداع مصر وظهور أكثر من صفحة علي الفيس بوك تدعم مسيرة المبدعين التي ستتوجه صباح الغد لتقدم بيان الجبهج لمجلس الشعب في أولي جلساته. واليوم وفي محاولة منا لتحديد المفاهيم والكلمات ومطالب واحتياجات المجتمع المصري بكل أطيافه,( دون أن نختزل مفهوم المثقف والثقافة في كتاب أو أبيات من الشعر), باعتبار الثقافة أسلوب حياة ومنظومة قيم تحكم حياة المصري من أقصي نجع إلي العاصمة, تقديم صفحة دنيا الثقافة علي لسان مجموعة من مفكري مصر ملفا لأهم القضايا الثقافية التي رأوا أنه يتحتم علي لجنة الثقافة بالمجلس الجديد إعادة قراءتها وطرحها في صورة تشريعات لمقاومة الأمية بتعريفها العام والأمية الثقافية ولتطوير مناهجم التعليم ودعم فكرة المسئولية الاجتماعية في وسائل الإعلام وضمان حرية التعبير والفكر والإبداع. أفكار ورؤي أظن أنها يمكن أن تصل ماانقطع وتضعنا علي الطريق الصحيح لبناء دولة حديثة تنطلق صوب مشروع حضاري يصحح المسار وينهي محاولات إشعال الفتنة بين أبناء الوطن الواحد ومحاولات التكريس لمكارثية جديدة تكبل تعددية الرؤي والآراء وتعصف بثوابت شعب مصر أو تهيل التراب علي ماضيه وحاضره ومستقبله.