منذ أن عرفتها البشرية ارتبطت الصحافة بالصدق ، والأمانة، والإنصاف، فإن فقدت الأساس الأخلاقي، تحولت إلى جريمة. وقد ظهر مصطلحا "الصحافة" و"أخلاق الصحافة" في وقت متقارب من أوائل القرن قبل الماضي. ثم ظهر مصطلح "المسئولية الاجتماعية"، بهدف تدعيم منظومة القيم في المجتمع، وحماية البشرية من الاستخدام غير المسئول للصحافة، وتورطها في الدعاية أو التضليل، فضلا عن حماية الصحفيين أنفسهم من أساليبها غير المسئولة. ويرى خبراء الإعلام أن وسائل الإعلام هي القوة التي تصوغ الآراء، والأذواق، والسلوك، بل المظهر المدني لجمهور يضم أكثر من60 بالمائة من سكان الأرض. ويجد الصحفي نفسه -عند إنجاز أي عمل مهني- مسئولا أمام أسئلة منها: كيف يتعامل مع معلومات من شأنها أن تعرض إنسانا للخطر؟ وكيف يعالج القضايا معالجة أخلاقية، انطلاقا من قدر هائل من المسؤولية؟ ويرى الخبير الإعلامي الأردني يحيى شقير أنه في العمل الإعلامي هناك مواثيق شرف أو أدلة للسلوك المهني دولية: كميثاق شرف الفيدرالية الدولية للصحفيين. وإقليمية: كميثاق الشرف الصحفي العربي الصادر عن اتحاد الصحفيين العرب. ووطنية: كميثاق شرف الصحفيين المصريين.. وداخلية: تضعها المؤسسة الإعلامية لها، وللعاملين فيها. وما يجمع هذه المواثيق -كما قال- قواسم مشتركة، منها أن الحقيقة لا يحتكرها أحد، وأنه لابد من احترام الرأي الآخر، وهو -غالبا- رأي المعارضة أو الأقلية، لضمان تعدد الآراء، وإيجاد سوق حرة للأفكار (Free market of ideas)، وتجنب تضارب المصالح (كقبول الهدايا والبحث عن المصالح الشخصية)، وفصل التحرير عن الإعلان (تجنب المبالغة في ذكر إيجابيات الشركة المعلنة، أو تقليل سلبياتها، أو عدم نشر الحقيقة مراعاة لمصالحها). ولمزيد من الضمانات -بحسب قوله- عمدت مؤسسات إعلامية إلى تعيين "مدقق داخلي" (Ombudsman) يقوم من تلقاء نفسه، أو بناء على شكوى، بفحص المادة الإعلامية: هل تتوافق مع معايير السلوك المهني أم لا؟ وكانت أولى محاولات تعيين مدقق داخلي في صحيفة "لويفيل كوريير جورنال" الأمريكية عام 1967، فيما خصصت صحيفة "نيويوك تايمز" عامودا منتظما منذ عام 1983، لتصحيح الأخطاء، ثم توالت بعد ذلك التجارب المشابهة. وقد بات من التقاليد الراسخة لأي مؤسسة صحفية أو إعلامية أن يكون لديها "ميثاق شرف" أو "دليل عمل" خاص بها، تصدره فور تأسيسها، ويلتزمه العاملون بها. ويتم إعطاء المحررين الجدد دورات فيه، ضمانا لتناغم عملهم مع سياسات هذه المؤسسة، وتوجهاتها.. غير أنه، وفي كل الأحوال، تجب مراجعة هذه الأدلة والمواثيق أولا بأول، بحيث يتم تهذيها، والإضافة إليها، أو الحذف منها، من وقت لآخر، بحسب مقتضيات الحداثة، وتغير الظروف، والأوضاع. وتعرف موسوعة "ويكيبيديا" ميثاق أو نظام الشرف بأنه مجموعة من القوانين والمبادئ التي تحكم مجتمعا معينا، ليتصرف بشرف. ويعرف "قاموس الصحافة والإعلام" "أخلاقيات المهنة" بأنها مجموعة القواعد المتعلقة بالسلوك المهني التي وضعتها مهنة منظمة لأعضائها، باعتبارها أخلاقا وآدابا وواجبات مكملة أو معوضة للتشريع وتطبيقاته من قبل القضاة. أما جون هوهنبرج (John honbreg) فعرفها بأنها "الالتزامات الأساسية التي يجب أن يتحلى بها كل صحفي، والمتمثلة أساسًا بالعمل من أجل الوصول إلى تغطية منصفة، وشاملة، ودقيقة، وصادقة، وواضحة مع مراعاة حماية المصادر، وتحقيق الصالح العام -لا غير- عن طريق احترام القانون، وحقوق الحياة الخاصة للأشخاص، وتصحيح الأخطاء.. حال وجودها". وتتوفر مواثيق الشرف الصحفية والإعلامية في أكثر من خمسين دولة بالعالم، وقد تم إصدارها بشكل اختياري من خلال منظمات مهنية، أو مجالس للصحافة تم إنشاؤها عن طريق التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة، أو بشكل إجباري من خلال فرض هذه المواثيق من خارجها عن طريق السلطة القائمة. وبرغم ذلك لا تتخذ هذه المواثيق صفة الإلزام القانوني الكاف والسؤال الآن: كم من المؤسسات الصحفية والإعلامية في مصر، والمنطقة العربية، تمتلك هذه الأدلة العملية، والمواثيق الأخلاقية؟ وإلى أي مدى تلتزم بها في أعمالها، ومعالجاتها؟ وهل يمكن أن يكون هناك مستقبل مشرق تتمتع به، في ظل غياب هذه الأدلة، والمواثيق، أو تغييبها؟ [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد