في أول زيارة رسمية له منذ تولي المجلس العسكري زمام الحكم في مصر عقب إزاحة الرئيس مبارك في شهر فبراير الماضي,قام المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة يوم الاثنين الماضي بزيارة ناجحة إلي ليبيا بهدف تعزيز العلاقات الودية بين البلدين الجارين . واستكشاف فرص مساهمة الخبرات المصرية في مشروعات إعادة الأعمار في ليبيا خلال الفترة المقبلة. حيث يتوقع المراقبون أن تصل قيمة هذه المشروعات إلي150 بليون دولار, الأمر الذي يمكن أن يساهم بقوة في إنعاش الاقتصاد المصري عن طريق رفع معدلات الإنتاج والتصدير وخفض معدل البطالة. وقد أجري المشير طنطاوي, خلال هذه الزيارة, محادثات مهمة مع رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفي عبد الجليل ورئيس الوزراء عبد الرحيم الكيب. وأسفرت هذه المحادثات, حسب البيان الرسمي الصادر بشأنها, عن الاتفاق بين الجانبين علي تفعيل اتفاقية تبادل الطاقة بين البلدين, ودعم الشركات المصرية- الليبية المشتركة المتخصصة في إصلاح وصيانة خطوط الكهرباء بليبيا, واستكمال التعاون في شركة سرت المصرية الليبية, والاستفادة من الخبرات المصرية في مجال الغاز الطبيعي. كذلك وجه الجانب الليبي الدعوة للشركات المصرية للمساهمة في مجال البناء والتعمير, وإنشاء الطرق والخدمات الأساسية, والتعاون في مجالات الاستشارات الهندسية, وتوطيد التعاون بين اتحاد المقاولين المصريين ونظيره الليبي. وتم الاتفاق أيضا علي إنشاء شركة مشتركة بين كل من صندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي الليبي وشركة المقاولون العرب في مجال الصيانة والتشغيل.كما قرر الجانبان تكوين فريق مشترك للتنسيق بخصوص عملية تدريب العمالة الليبية في مراكز التدريب المصرية المعتمدة من البلدين. ومن الأمور المهمة أيضا التي تم الاتفاق عليها تفعيل مسألة الربط الالكتروني لضبط عملية دخول العمالة المصرية إلي السوق الليبي, وضرورة حفظ الحقوق التأمينية للعمالة المصرية بليبيا.ومن جهة أخري, أكد الجانبان علي ضرورة التعاون في مجالات الطب البشري وطب الأسنان, وتفعيل برامج المنح الدراسية, والزيارات العلمية والإشراف المشترك. وكذلك, تم الاتفاق علي تدريب مجموعة من المعلمين الليبيين في الأكاديمية المصرية للمعلمين, واستقدام الأطباء المصريين إلي ليبيا, خاصة في مجالات طب الأسرة, والأورام, وعلاج المرضي الليبيين في مصر, وتوأمة المستشفيات المصرية التخصصية ومثيلتها في ليبيا. دلالات مهمة القمة المصرية الليبية الأخيرة أوضحت بجلاء عزم قيادات البلدين علي فتح صفحة جديدة تتلاءم مع طموحات الثورتين المصرية والليبية في إعادة بناء العلاقات الأزلية بين الشعبين علي أرضية صلبة. كما أظهرت القمة أيضا أن مصر عازمة علي دعم الثورة الليبية في جميع المجالات بما يحقق مصالح الشعبين. ومن جهة أخري, كشفت القمة عن أن الأمن القومي المصري والليبي منظومة واحدة, وهو ما عبرت عنه القيادة الليبية الجديدة عندما أكدت عزمها علي عدم سماحها لأي قوي عسكرية خارجية بناء قواعد في ليبيا, أو دخول الأراضي الليبية تحت أي مبرر. والأهم, أن هذه القمة أحيت مشروع المثلث الذهبي بين مصر وليبيا والسودان. وهو المشروع الذي يقوم علي قيام ليبيا بتمويل مشروعات زراعية كبري لإنتاج الحبوب بالسودان, وخاصة القمح, وتوفير مصر للعمالة والخبرات اللازمة لتلك المشروعات, علي أن تقدم السودان مساحات الأراضي. تحديات صعبة القمة المصرية الليبية في طرابلس جاءت في وقت يمر فيه الشعب الليبي بمرحلة بالغة الحساسية والأهمية في تاريخه. حيث تواجه القيادة الليبية العديد من التحديات الصعبة, وفي مقدمتها: إعادة تنظيم وبناء الدولة, وتحقيق امن, وجمع السلاح من المليشيات المسلحة, وإعادة الوئام بين الثوار الليبيين والقبائل التي كانت تؤيد القذافي, وتنفيذ المخطط الزمني للتحول الديمقراطي فيما يتعلق بإجراء انتخابات عامة لاختيار رئيس الدولة والبرلمان, فضلا عن اعداد دستور وتشكيل حكومة منتخبة. ومن جهة ثانية, تواجه الحكومة الليبية أيضا مشكلة في توفير السيولة المالية اللازمة للإنفاق علي مشروعات إعادة الأعمار, خاصة من استمرار مشكلة تجميد الاستثمارات الليبية في الخارج, والارتفاع الشديد في تكلفة إعادة الإعمار بعد تدمير مدن بأكملها تحت قصف طائرات الناتو, وبالتحديد في مصراتة وسرت وزليتن والزنتان وترهونة وبني وليد والبريجة وبن جواد وغيرها. ومن جهة ثالثة, يتوقع المراقبون ألا تكون مهمة القيادة الليبية الحالية سهلة فيما يتعلق بترسيخ الديمقراطية علي الطريقة الغربية, في ظل مجتمع تهيمن عليه بشدة الثقافة القبلية ولا توجد فيه أية مؤسسات راسخة أو مجتمع مدني. عقبات أمام التعاون المصري الليبي وفي ضوء هذه التحديات الصعبة, يثور التساؤل التالي: هل يمكن حقا تعزيز التعاون المصري الليبي في جهود بناء الدولة في ليبيا في وقت يواجه فيه الأخوة الليبيون مرحلة من الغموض وعدم الاستقرار بعد رحيل القذافي وسقوط نظامه ؟ أعتقد أن الإجابة هي نعم. حيث أثبتت القمة المصرية الليبية الأخيرة أن إقامة شراكة إستراتيجية بين الدولتين يحقق المنفعة المتبادلة للشعبين المصري والليبي. ولكن هذه الإجابة مشروطة بضرورة تغلب صانعي القرار في البلدين علي عقبتين رئيستين في أقرب وقت ممكن. العقبة الأولي هي عدم قيام مصر بتسليم بعض أعوان ومساعدي القذافي الموجودين علي الأراضي المصرية, والذين طالب الجانب الليبي رسميا تسليمهم بتهمة سرقة أموال الشعب الليبي, والتواطؤ مع نظام القذافي ضد الشعب الليبي خلال ثورة فبراير, ومحاولة ضرب الاستقرار في ليبيا. ومن ضمن هؤلاء أحمد قذاف الدم, إبن عم القذافي والمنسق السابق للعلاقات المصرية الليبية, ونصر المبروك وزير الداخلية الأسبق, وعلي الكيلاني مدير التلفزيون الليبي سابقا, ومحمد إسماعيل أبرز مساعدي سيف الإسلام القذافي. أما العقبة الثانية فهي استمرار فرض تأشيرة الدخول علي المصريين الراغبين في الدخول إلي الأراضي الليبية, رغم تناقض ذلك مع اتفاقية الحريات الأربع( التنقل والعمل والإقامة والتملك), التي وقعتها الدولتان منذ سنوات. هذا إلي جانب أن الدولة المصرية كانت قد قررت في بداية الثورة الليبية إلغاء التأشيرة التي كانت مفروضة علي الليبيين لدخول مصر في عهد القذافي, تسهيلا لدخول جرحي ومصابي الثورة للعلاج. وإلي جانب التغلب علي هاتين العقبتين المهمتين, يؤكد المراقبون أن نجاح القمة المصرية الليبية الأخيرة يمكن أن يكون بمثابة نقطة انطلاق مهمة لتحقيق الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين في الفترة المقبلة. فعلي الصعيد الأمني, علي سبيل المثال, يمكن للبلدين التعاون معا لإيجاد حلول للحد من ظاهرة تهريب الأسلحة عبر الحدود, واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف تدفقها من ليبيا إلي مصر, وإعداد الكوادر الليبية اللازمة لإعادة بناء جهاز الأمن الداخلي, ونزع الألغام التي قام نظام القذافي بزرعها في مناطق متفرقة بليبيا. وعلي الصعيد الاستثماري, يمكن ان تكون القمة بمثابة حافز مهم للمستثمرين الليبيين لزيادة مشروعاتهم في مصر. حيث يؤكد عدد من المراقبين علي وجود فرص استثمارية كبيرة للمستثمرين الليبيين في مصر, خاصة في مجالات الزراعة والعقارات والسياحة وإقامة مصنع للحديد والصلب في مدينة مرسي علم المصرية. وفي النهاية, يمكن القول إن الشعب المصري, بجميع طوائفه, ينبغي أن يساند الجار الليبي في بناء دولته من جديد. فالعلاقة الوثيقة بين الشعبين منذ أقدم العصور تحتم أن يكون لمصر دورا محوريا في عملية إعادة بناء وتنمية ليبيا, خاصة وأن هناك ترحيبا ليبيا ملموسا للاعتماد علي العامل والمهندس والطبيب والمعلم المصري في هذه العملية الضرورية, حتي لا تسير ليبيا في طريق الانهيار والفوضي, مع ما يمثله ذلك من مخاطر جمة للأمن القومي المصري وفقدان منافع عديدة يمكنها إنعاش الاقتصاد المصري المتدهور.