سوف يقف التاريخ طويلا أمام ثلاث ثورات كبرى .. 23 يوليو غيرت نظام الحكم وحفرت مسارا جديدا للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. 25 يناير حركت المياه الراكدة وأيقظت الشعب من غفوته وأوقفت مشروع الجمهوملكية.. 30 يونيو صححت مسار يناير وافشلت مشروع الشرق الأوسط الكبير، ومازال مطلوبا منها المضى قدما نحو تحقيق أهداف الثورتين السابقتين. ولعلى لا أبالغ إذا صنفت ثورة 30 يونيو بالأعظم ضمن الثورات المصرية، حيث جميعها استهدفت الاستقلال الوطنى وتغيير نظم الحياة الى الأفضل والعدالة الاجتماعية بكل جوانبها، الا أن ثورة 30 يونيو أضافت هدفا أعظم وهو الحفاظ على وجود الدولة المصرية ذاتها من الاضمحلال والتفسخ الجغرافى والسياسى، حيث كان مصير الدولة فى ظل حكم الإخوان يتجه نحو التقزم لصالح مشروع وهمى تسيطر عليه تركيا لإعادة الخلافة المزعومة .. لم تكن مصر فى عهد الإخوان إذا قدر له ان يستمر لترى الديمقراطية مرة أخرى، ولا فكرة الوطنية والقومية .. وكان القهر والقمع فى انتظار، أى قوى معارضة باعتبارها خارجة عن الدين والملة ومناوئة لظل الله على الأرض . لذا يجب ألان نستغرب حالة الإنكار الأمريكى الأوروبى التركى .. ولا أضع بينهم النظام الحاكم فى دولة قطر الذى رهن بلاده لأكبر قاعدة عسكرية أمريكية فى العالم لضمان مساندة بقائه فى السلطة. يجب ألا نتوقع أن هؤلاء وهؤلاء سوف يفسحون الطريق أمام الثورة المصرية لتحقق أهدافها هكذا ببساطة .. لابد ان ننتبه جيدا ونتصرف طبقا لمقتضيات أمننا القومى وليس طبقا لمقايضات أو رؤى تلبس ثوب البراءة وهى حليفة للشيطان. هم لا يريدون رئيسا قويا يجمع عليه الشعب ويكون فى وفاق مع القوات المسلحة ومع مجمل التيارات السياسية القديمة والشبابية .. هم يريدون للرئيس المصرى أن يكون دوما فى موقف الضعف والخذلان غير قادر على مواجهة تحديات وجود الدولة المصرية .. يريدونه شخصية طيعة يضمن إبقاء مصر مريضة الى الأبد ما بين الحياة والموت. ومن أهم أوراق تلك القوى التى تتداعى على القصعة المصرية، هذه المجموعات الشبابية التى تمت صناعتها فى معامل المخابرات الأمريكية وتحت رعاية الشعارات البراقة لحقوق الإنسان .. هؤلاء الذين باتوا عبيدا لشهوة السلطة وبريق المال والحماية الأمريكية، يعتبرون أن أى قوة لسيادة القانون هى عودة للدولة البوليسية .. هم يخلطون الأوراق عن عمد وعن نيات تؤكد الحرص على إبقاء الدولة فى حالة الفوضى الشاملة إلى ما لا نهاية .. هم يريدون أن تنشغل مصر بالإنهاك اليومى لاقتصادها وقيمها الاجتماعية وقواها الخشنة والناعمة وإسلامها الوسطى المتسامح ولنسيجها الوطنى الذى لا يعرف التفريق بين فتلة مسلمة وأخرى مسيحية.. هم يريدون الشعب المصرى فى حال اضطراب مستمر، يتطلع الى حياة أفضل دون أن يحققها. مصر الآن تتهيأ لمرحلة انتقالية جديدة تأخذها من حال الضعف والفوضى الى حال القوة والاستقرار .. مطلوب رئيس قوى يعرف قدر بلاده جيدا .. وبكل الوضوح لا أرى غير المشير عبدالفتاح السيسى مؤهلا لهذا الدور. قوة مصر الحقيقية الآن تتمثل فى الحفاظ على مساندة دول الخليج العربية التى أيقنت أن مصر كما هى على مر التاريخ ، خط الدفاع الأول والأخيرعن مصالحها ومصائرها، وأن مصر إذا سقطت فسوف تسقط بعدها مباشرة كل القوى العربية المؤثرة. قوة مصر الآن تتمثل فى علاقات وطيدة على أسس واضحة مع روسيا الاتحادية والصين ودول أمريكا الجنوبية ودول إفريقيا التى طالما خذلها النظام المباركى حتى وصلنا إلى كارثة سد النهضة الإثيوبى. قوة مصر الآن تتمثل فى التوغل داخل المجتمع الأمريكى والأوروبى لتوضيح أن مصر القوية هى ركيزة أساسية لاستقرار السلام العالمى.. وكذا فى إجادة اللعب بجميع اوراقها فى المنطقة وإعادة رسم العلاقات مع القوى الإقليمية الكبرى تركيا وإيران - على أساس الندية والمصالح المتبادلة .. نحن هنا لا نتعامل مع نظم تروح وتأتى، إنما مع كيانات وشعوب قائمة لابد من التواصل معها على كل المجالات والمستويات. لمزيد من مقالات محمد السعدنى