شاءت الظروف أن تجمعني في مناسبة اجتماعية بسفير سابق لإحدي الدول الكبري في مصر. هذا الرجل استمر سفيرا لبلاده في القاهرة لمدة ثماني سنوات عاد بعدها في عام2011 لعاصمة بلاده ليكون مساعدا لوزير الخارجية ثم بلغ سن التقاعد. جاء لمصر في زيارة خاصة لما له من أصدقاء ومعارف وذكريات طيبة في مصر ومع المصريين. سألته سؤالا مباشرا لماذا ساند الغرب جماعة الإخوان وتمسك بهم وحاول كل المحاولات الظاهرة والباطنة لإنقاذهم. الدبلوماسي السابق بدا لي أكثر تحررا في آرائه وأكثر انفتاحا نظرا لعدم وجود الضغوط التي يفرضها الموقع الرسمي والالتزام بسياسة بلاده. قبل أن يجاوب عن سؤالي قال لي هل تظن أننا في الغرب نشغل بالنا كثيرا ما إذا كان ما حدث في مصر في6/30 هو انقلاب أو ثورة شعبية!! لا تتعجب إذا قلت لك أن ما حدث في6/30 لا يعنينا كثيرا ما هي كينونته لأننا في النهاية يجب أن نحافظ علي علاقتنا مع مصر ولا نملك رفاهية التضحية بشريك كبير وأساسي ومحوري كمصر. إن مسألة تسمية ما حدث في6/30 مجرد ورقة ضغط نلعبها ونعلم جيدا مقدما أنه إذا تمسك المصريون بموقفهم فإننا في النهاية لابد وأننا سنرضخ لرغبة المصريين. وأضاف الرجل أنه يبدو أن القائمين علي الأمور في مصر أدركوا هذه الحقيقة وتمكنوا من أن يتصدوا لهذه الحيلة من جانبنا ويفوزوا في هذه الجولة. ثم استطرد قائلا يجب أن تعلم أننا جاءتنا تعليمات من عواصم بلادنا أن نفتح قنوات اتصال مع جماعة الإخوان وكان ذلك في عام.2006 كان أشد ما يخاف منه الغرب آنذاك أن يصل إلي الحكم جماعة لا يعلمون عنها شيئا ولا يملكون خطوط اتصال معها. وكانت هذه البداية. تابع السفير حديثه بالإجابة عن تساؤلي الأساسي وهو العلاقة بين الغرب وجماعة الإخوان بعد وصول الإخوان للحكم في مصر. تعجبت واندهشت حين أخبرني أن جماعة الإخوان لا تعنيهم في شيء وأن دفاعهم عنها ينبع فقط من واقع المصالح المشتركة. طلبت منه توضيح هذا الأمر وإن كنت أعتقد أني فهمت ما يعنيه إلا أنني أردت أن انتهز لحظة الصراحة التي يعيشها لأسمع منه أكثر وتفضل مشكورا بذلك حيث قال إن الأمر في مجمله عبارة عن صفقة سياسية فالإخوان أرادوا الحكم, والغرب له أهداف إستراتيجية بالمنطقة وعد الإخوان بتنفيذها علي النحو الذي نخطط له. لذا فإن الأمر كله في النهاية لا يعدو أكثر من وسيلة لنا لتحقيق رؤيتنا للمنطقة. ثم استطرد قائلا ولذا فإن هذا لا يعني أننا مع الإخوان فقط ولكننا مع أي فصيل يمكننا من خلاله تطبيق مشروعنا بالمنطقة... ولا يجب أن يعتقد المصريون أننا بخروج الإخوان من الحكم قد تخلينا عن هذا المشروع, كل ما في الأمر أننا سنبحث عن شريك جديد. خلصت من كل هذا الحديث الطويل إلي حقيقة واحدة: يجب أن يعلم المصريون أنهم هم فقط من يمكنهم أن يفشلوا أهداف القوي الدولية بالمنطقة ويجب أن يدرك المصريون أن الخطر قائم ومستمر ولم ينته وأن عليهم اليقظة والحيطة والحذر فهناك إنتخابات رئاسية قادمة وإنتخابات برلمانية قادمة كلها إختبارات لمدي قدرة المصريين علي مواجهة المشروع الغربي. إن المسألة ممتدة وتطلب من المصريين حرصا وحذرا بالغا في إختيار مرشحيهم وفي التفاعل الإيجابي مع الإنتخابات القادمة والمشاركة الشعبية الكثيفة والمستمرة في كل الأحداث القادمة. إن مستقبل مصر والمنطقة بأسرها مرهون بإستمرار المشاركة الفعالة من جانب المصريين وعلي الأخص الشباب. نعم لقد استطعنا أن نبهر أنفسنا والعالم كله بنتيجة الاستفتاء علي مشروع دستور2014 وبالمشاركة فيه إلا أننا لا يجب أن نركن إلي هذا الإنجاز الرائع ظنا منا أننا وصلنا إلي غايتنا هذه مجرد خطوة أولي في الطريق الصحيح الطويل والشاق. أن المخطط قائم وأنه يبحث عن شريك جديد. غير أن انتفاض المصريين ويقظتهم هي العائق الوحيد أمام تنفيذ هذا المخطط لذا فإنه إذا استمرت هذه اليقظة وهذا الحذر واستمرت المشاركة الشعبية الكثيفة في كل ما يتعلق بمستقبل مصر فشل المخطط الغربي وانزوي أما إذا حدث العكس فلا نلومن إلا أنفسنا. لمزيد من مقالات د. كريم عبد الكريم درويش