روسيا تدعو إلى النظر في إنهاء العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية    الجيش الإسرائيلي يلقي قنابل ضوئية بشكل مكثف شمال مخيم النصيرات وسط غزة    إصابة 30 راكبا جراء مطبات هوائية خلال رحلة من إسبانيا إلى أوروجواي    حملات مكثفة لمتابعة تطبيق غلق المحال التجارية بالبحيرة| صور    كوبا أمريكا.. أوروجواي 0-0 أمريكا.. بنما 0-0 بوليفيا    بعد الزيادة الجديدة.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 2 يوليو 2024    رئيس حزب «الغد»: يجب على الحكومة الجديدة إعطاء الأولوية لملفي الصحة والتعليم    العنف في شوارع واشنطن.. 6 حوادث إطلاق نار وطعن تهز العاصمة الأمريكية    برلمانية: تنفيذ توصيات الحوار الوطني أولويات على أجندة الحكومة الجديدة    أحمد حجازي يحسم مصيره مع اتحاد جدة.. ويكشف تفاصيل عرض نيوم السعودي    عصام عبد الفتاح: حالة واحدة تمنع إعادة مباراة بيراميدز والمقاولون في الدوري    مصرع وإصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بالأقصر| صور    تفاصيل منح وزير التعليم الدرجة الكاملة للطلاب فى 3 أسئلة بامتحان الفيزياء.. فيديو    تزامنًا مع أولى الجلسات.. اعترافات المتهم بذبح طفل شبرا الخيمة    الفنان أحمد أمين: سعيد جدا إنى أكون رئيس مهرجان نبتة الأول للأطفال    محسن محيي الدين: استمتعت بحياتي بعد اعتزال الفن    أرملة عزت أبو عوف تحيى ذكري وفاته بكلمات مؤثرة    «الإفتاء» توضح حكم تغيير اتجاه القبلة عند الانتقال إلى سكن جديد    الأزهر يعلن صرف الإعانة الشهرية لمستحقي الدعم الشهري اليوم    مخاطر الأجواء الحارة على مرضى الصحة النفسية.. انتكاسة العقل    3 مشروبات عليك تجنبها إذا كنت تعاني من مرض القلب.. أبرزها العصائر المعلبة    حيل ونصائح تساعد على التخلص من النمل في المنزل بفصل الصيف    متى تنتهي أزمة نقص الدواء في مصر؟..البرلمان يجيب    فرنسا تضرب موعدا مع البرتغال في ربع نهائي يورو 2024    الزمالك يتقدم بشكوى رسمية لرابطة الأندية ضد ثروت سويلم    «نيبينزيا» يعطي تلميحا بإمكانية رفع العقوبات عن طالبان    جامعة الأزهر تعلن تسخير جميع الإمكانات لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة    إسرائيل ستنتقل للمرحلة الثالثة من حربها على غزة خلال شهر يوليو    «الأرصاد»: ارتفاع جديد في درجات الحرارة ذروته الخميس وتصل ل45 درجة    قضايا الدولة تهنئ المستشار عبد الراضي بتعيينه رئيسًا لنيابة الإدارية    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده وإصابة آخر في انفجار قنبلة بالضفة الغربية    حملات رقابية مكثفة مع بدء تطبيق مواعيد فتح وغلق المحال التجارية بالبحيرة    ناقد فني: شيرين تعاني من أزمة نفسية وخبر خطبتها "مفبرك"    فى ذكرى ميلاده ال«80».. وحيد حامد الذى «كشف المستور»    ماذا طلبت الإعلامية سهير جودة من نقيب المهن التمثيلية بشأن دار المسنين؟ (فيديو)    «زي النهارده».. وفاة السلطان العثماني محمود الثاني 2 يوليو 1893    دولتان تتصدران مشتريات خام الأورال الروسي في يونيو    عبدالله جورج: الزمالك سيحصل على الرخصة الإفريقية    أمين الفتوى يحسم الجدل عن الهدايا بعد فسخ الخطوبة: لا ترد إلا الذهب    النيابة تستعلم عن الحالة الصحية ل 7 أشخاص أصيبوا في سقوط مصعد بالمهندسين    تهانينا للنجاح في امتحانات الدبلومات الفنية لعام 2024    نكبة 30 يونيو.. الحصاد المر والعلاج "الأمرَّ"    موعد الإعلان عن الحكومة الجديدة وأداء اليمين الدستورية.. أحمد موسي يكشف (فيديو)    الوصول ل "زايد والهرم وأكتوبر" في دقائق.. 20 صورة ترصد محور 26 يوليو الجديد    مستشار ترامب السابق يتوجّه إلى السجن لتنفيذ لحكم قضائي    وظائف خالية بهيئة الإسعاف المصرية.. «تفاصيل وطريقة التقديم»    العالم علمين| عمرو الفقي: المهرجانات محرك أساسي لتنشيط السياحة وترويج المدن الجديدة.. وتخصيص 60% من أرباح مهرجان العلمين لفلسطين    تعرف على توقعات برج الثور اليوم 2 يوليو 2024    تنسيق الثانوية 2024.. تعرف على أقسام وطبيعة الدراسة بكلية التربية الموسيقية حلوان    برلماني: المكالمات المزعجة للترويج العقاري أصبحت فجة ونحتاج تنظيمها (فيديو)    فيديو.. الكهرباء: تخفيف الأحمال سيكون جزءا من الماضي    استخراج الجثة السابعة لفتاة إثر انهيار منزل بأسيوط    «ليس بدعة».. نشأت الديهي عن قرار غلق المحلات    التعادل يحسم الوقت الأصلي من مباراة البرتغال وسلوفينيا في يورو 2024    ميدو: الكرة المصرية تستند على لوائح جار عليها الزمن    انطلاق فعاليات المسح الميداني بقرى الدقهلية لاكتشاف حالات الإصابة بالبلهارسيا    أمين الفتوى عن الهدايا بعد فسخ الخطوبة: «لا ترد إلا الذهب»    غدا.. "بيت الزكاة والصدقات" يبدء صرف إعانة يوليو للمستحقين بالجمهورية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين والثورة.. الانتصار للإيمان والإنسان معا!
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 01 - 2014

يفترض أن يكون الدين الصحيح, قرينا للثورة الحقيقية, تجمع بينهما الصداقة لا العداء, فالدين الصحيح هو وحي الله الهادي للإنسان, والثورة الحقيقية هي فعل الإنسان الحر المستهدي بالله. وهنا يفترض أن يكون المؤمنون جدا هم الثائرين أكثر علي الظلم والفساد
فيما يكون الثائرون حقا حريصين جدا علي الفضائل الأخلاقية والدينية, فالثوار هم مؤمنون إيجابيون, فيما المؤمنون ثوار عاقلون. غير أن التاريخ قد وشي أحيانا بالعكس, إذ نادرا ما كان المؤمنون ثوارا فاعلين في الواقع, حتي وصف الدين ب( المحافظة والرجعية) أو كان الثوار مؤمنين حريصين علي الفضائل, حتي وصفت الثورة ب( الفوضوية والدموية), وكأن الثورة نقيض للدين, والحرية عدو للإيمان, وتلك مفارقة تحتاج إلي تفسير.
إن الخصوم الحقيقيين للثورة في نطاق الدين, ليسوا هم المؤمنين حقا, بل هم أتباع المؤسسة الدينية, حيث يكمن ويعيش الدين الرسمي, الذي خرج من فلك الأرواح وانطوي داخل بيروقراطيات الكهانة( البطريركية), وهؤلاء ليسوا خصوما للثوار فقط وللثورة فحسب, بل وللمؤمنين حقا, الموصولين بالله صدقا, وخصوم كذلك للإيمان نفسه, الذي لا يعدو أن يكون جسرا باطنا إلي الله, يذكي الفضيلة, ويربي الضمير, ويعلم الناس الحب, حب البشر باعتبارهم بشرا, شركاء في عهد الاستخلاف الممنوح من الله لبني الإنسان, والموقع بمداد الرحمة, والعدل, وليس لأنهم من هذا الدين أو تلك الطائفة أو ذاك العرق. وأما الخصوم الحقيقيون للدين في نطاق الثورة, فليسوا هم الثائرين الأحرار بل أولئك السادة الظالمون, الهادفون إلي حفظ تراتبيتهم في سلم القهر والهيمنة, النازعون من ثم إلي صد كل دين خلاق, وكل فكر جديد فعال يتفجر أملا لا يرومونه, ويتدفق عدلا لا يطيقونه.
تدفع الثورة بحركة التاريخ إلي الأمام, إذ توحي للأمة الثائرة بإمكان تجاوز أوضاعها العادية المألوفة وتزيد من قدرتها علي الإمساك بمصيرها, وتولد لديها أحيانا رؤي طوباوية للتاريخ تشعر معها بأنها تتصرف حسب خطته, وأنها الأكثر فهما لمنطقه, والسير من ثم, باعتبارها وكيلة له, نحو تغيير العالم من حولها بدءا بالخارج القريب. وهكذا فإن نجاح الثورة, يرتبط بقدرتها علي تمثل ما في الدين من قدرة علي إلهام الضمير الفردي, وتكتيل الإرادة الجمعية لقطاعات واسعة من البشر, علي النحو الذي يكفل لها أن تتحقق في التاريخ. ولذا فإن المجتمع العاجز عن التدين, غالبا ما يكون عاجزا عن الثورة; فالمجتمع القادر علي تنمية مشاعر التضامن والتضحية علي قاعدة الشعور بالمصير المشترك, تلك التي تظهر خصوصا في حالات الطوارئ, إنما يعتبر في( حالة دينية) تشبه تلك الطقوس التي تجمع بين المؤمنين وتشعرهم بالصداقة والأخوة في الله, فمشاعر الأخوة والتضامن والعدالة هي مشاعر دينية/ إيمانية في جوهرها, ولكنها أخذت طابعا ثوريا/ دنيويا بقصد تحقيق العدالة والجنة علي هذه الأرض. وفي المقابل ثمة مشابهة( سلبية) تجمع بين الدين والثورة, تتعلق بصيرورة الفساد والتدهور, إما بسبب عجزهما عن التحقق في التاريخ أو بفعل هذا التحقق نفسه. فكلاهما, الدين والثورة, يولد في مخاض من الألم والمعاناة, ويدوم بدوام النضال والجهاد حتي يتحقق في التاريخ, فإذا ما تحقق يبدأ التدهور في التسرب إليه إما بفعل الرفاهية والترف أو الجمود والتطرف.
يعادي الدين الثورة التحررية ويتحول إلي أداة لقمع الإنسان بفعل التدين الزائف حينما يفشل المؤمنون به في تفهم منطقه الذاتي, وتجسيد عبقريته الخاصة, فيفرضون باسمه نوعا من الوصاية علي عقل الإنسان, أو يدعون حقا مقدسا في التسلط علي إرادته. أو عندما تتدهور أنماط التدين بفعل متغيرات العصور وذبول الروحانية المتوهجة.
وتعادي الثورة الدين الصحيح عندما يتحكم بها أولئك القاهرون, الهادفون إلي حفظ تراتبيتهم في سلم الهيمنة, فالثورة قد تجهض, أو تزيف أهدافها, أو تسرق من أهلها, لمصلحة مسارات نقيضة, وعند ذلك لابد من أن تبرر حركة سيرها, ولأنها لا تجد تلك المبررات في الدين الصحيح, فلابد وأن تلفظه, وأن تبحث لنفسها عن حليف في التدين الزائف الذي ربما كان طائفيا أو متطرفا أو رجعيا, علي منوال ذلك الذي جسده الفنان الراحل عبد العظيم عبد الحق في أحد أبرز أفلام السينما المصرية( الزوجة الثانية) عندما طالب الفنان الراحل أيضا شكري سرحان بأن يطلق امرأته النجمة الراحلة كذلك سعاد حسني كي تتزوج من عمدة القرية الفنان الراحل( صلاح منصور), رمز الاستبداد, قائلا له: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. هكذا يفسد التدين, ليجعل الدين نقيضا لكل تقدم علمي وتحرر سياسي, ويقترب به من الشكل الذي رسمه له النقد الوضعي, خصوصا الماركسي باعتباره( أفيون الشعوب), فيصير هدفا لحركات التغيير الكبري الهادفة إلي تعديل مسارات التاريخ.
فماذا إذن عن العلاقة بين الدين الإسلامي والثورة المصرية؟. لقد عبر المصريون قبل ثلاث سنوات من اليوم عن أسمي القيم التحررية من إفك نظام قديم قمع الحرية باسم الاستقرار, فانتهي إلي نوع من الاستبداد( المدني). وبسقوطه نمت الأحلام في دولة العدل والحرية, قبل أن تقوم طيور الظلام الإخوانية بخطفها وإغراقها في دوامات استبداد جديد هو أقسي أنواع الاستبداد إذ يدعي القداسة, ويرفع سيف الله. ولذا كان منطقيا أن يقع الصدام في الثلاثين من يونيو, ليس بين الإسلام والثورة, ولكن بين( الوطنية المصرية) و(الكهانة السياسية) ممثلة في جماعة حاولت أن تنزل بسقف الإسلام إلي مستوي التنظيم, ولذا فإن ثورة المصريين لم تكن علي الله, بل باسم الله, تحريرا للألوهية من المتألهين, وانتصارا لفضيلة الحرية علي الكهنوتية.
ولكن إذ كانت الرجعية لا تنبت فقط من الدين بفعل فساد التدين, بل أيضا من السياسة بفعل غريزة التسلط, فإن الثورة المصرية لن تستحق اسمها ما لم تقتلع الرجعية من مصدريها. وإذا كان من غير المرغوب أن نري ثانية طيور الظلام من أرباب التدين الزائف, فليس مرغوبا كذلك أن نسمع نعيق البوم, من متعهدي الدولة الأمنية الذين لا يستطيعون العيش سوي في كهفها, وتقديم القرابين علي مذبح استبدادها, فلهؤلاء وأولئك نقول: كفي.
لمزيد من مقالات صلاح سالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.