من المؤكد أن الدستور الجديد تضمن مواد ممتازة ورائعة, ومؤكد أيضا أنها نالت رضا أهم فئة وهم العمال, وقود الثورات, لكن المؤكد أيضا أن مواد الدستور هذه لابد أن تترجم علي أرض الواقع, لتتحول إلي قوانين نافذة, حتي يكتمل الهدف النبيل ويشعر العمال بالانصاف في وجود قوانين واضحة تحدد ما لهم وما عليهم. وبرغم أن المادة15 من الدستور تنص علي أن الإضراب السلمي حق ينظمه القانون فإن كمال عباس منسق دار الخدمات العمالية والنقابية يتخوف من أن يكون ذلك سببا في محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية خاصة للعمال بالمصانع الحربية, وهي المادة204 الخاصة بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية, برغم أن علاقة العمل ينظمها قانون مدني, وبالتالي إذا كانوا عمالا مدنيين فكيف ممكن محاكمتهم أمام محاكم عسكرية إذا فكروا يوما في الإضراب للمطالبة بتعديل أجورهم أو أوضاعهم. بخلاف ذلك, لا يعترض كمال عباس علي أي من المواد, بل يراها جيدة جدا, فالدستور علي مستوي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية عمل تقدما كبيرا, وكل ذلك يستدعي تغيير منظومة القوانين المستبدة, التي أدت إلي مصادرة النقابات وحق المصريين في تكون الجمعيات والأحزاب. فالمادتان12 و13 اللتان تنصان علي العمل حق, وواجب, وشرف تكفله الدولة. ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبرا, إلا بمقتضي قانون, ولأداء خدمة عامة, لمدة محددة, وبمقابل عادل, ودون إخلال بالحقوق الأساسية للمكلفين بالعمل و تلتزم الدولة بالحفاظ علي حقوق العمال, وتعمل علي بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفي العملية الإنتاجية, وتكفل سبل التفاوض الجماعي, وتعمل علي حماية العمال من مخاطر العمل وتوافر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية, ويحظر فصلهم تعسفيا, وذلك كله علي النحو الذي ينظمه القانون, هاتان المادتان جيدتان فيهما انحياز للعمال في حقه في العمل والمفاوضة, كما أن المادة17 تقول إن أموال التأمينات أموال خاصة, فقد وجد هذا النص ليحفظ للعمال أموال التأمينات, وبصفة خاصة فإن المادة76 الخاصة بإنشاء النقابات والاتحادات علي أساس ديمقراطي حق يكفله القانون من المواد التي طالبنا بها مرارا,وقد أكدت ذلك المادة93 حيث تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر, وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقا للأوضاع المقررة.. وبالتالي كما يقول كمال عباس أصبح للعمال حق إنشاء النقابات, وسوف يستفيد العمال من هذا الحق وفقا للحريات النقابية في اتفاقيتي87 و98 لمنظمة العمل الدولية, اللتين تنصان علي حق العمال في حرية تكوين النقابات والمفاوضة, وأن مخالفة ذلك أدي إلي وضع مصر علي القائمة السوداء في منظمة العمل الدولية, وهنا لابد من قانون يعطي للعمال حقوقهم في إنشاء نقابتهم بحرية. ترجمة الدستور في السياق ذاته يري الدكتور هانيابراهيم, رئيس مجلس إدارة مركز المحروسة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ومدير الشبكة المصرية للحقوق العمالية أن الإشكالية ليست في الصياغة, ولكن في أي مدي يمكن ترجمة المواد الدستورية علي أرض الواقع, فالمادة76 لابد من نقلها من الدستور إلي قانون حرية التنظيم, وهذا القانون أي منذ ثلاث سنوات يناقش, منذ عهدي الدكتور البرعي والأزهري, ولكن الوزير الحالي أبو عيطة قدمه إلي مجلس الوزراء, حيث رأي مناقشته بعد إقرار الدستور, إذن لابد من مناقشته, فالقانون المقدم إلي مجلس الوزراء لا يدعو إلي تعددية نقابية ولكن يدعو إلي حرية نقابية, والاختلاف هنا أن التعددية تعني إنشاء نقابات تتنافس ضد بعضها وهذا ليس في مصلحة العمال, ولكن القانون الذي نطالب به هو حريات نقابية وفقا للنص الدستوري, وهذه تدعو الي تنظيم الانتخابات بين أعضائها, وبالتالي يكون هناك تمثيل حقيقي للعمال, في حالة وجود مفاوضات ما بين أطراف العمل, ونحن نشهد في الوضع الحالي ظهورا جارفا لما يسمي النقابات التعددية, فهناك ما يقرب من3 آلاف نقابة مستقلة, والاتحاد العام لعمال مصر يقول إنه الممثل الوحيد لعمال مصر, وهذا غير صحيح لأنه غير منتخب. وهناك مواد أخري مثل المادة17, فنحن لدينا قوة عمل منتظمة وأخري غير منتظمة, فماذا عنهما, وأي مظلة ستؤوهما, وهذه المادة تحتاج إلي تفعيل حتي تشملهم, فمن الواجب أن تغطي المظلة التأمينية أي عمالة موجودة علي أرض مصر. إذن فالعبرة كما يشير د. هانيبتفعيل المواد الخاصة بالعمال وترجمتها إلي قوانين وممارسات فعلية من جانب الحكومة, لأن ذلك أفضل للقوي العمالية من اللعب علي وتر50% عمالا وفلاحين في المجالس التشريعية, فالدستور كفل مشاركة عادلة وبنسبة50% عمال وفلاحين في المحليات, وهذه المادة تؤصل لفكرة مشاركة العمال بشكل فعال في صناعة القرار المحلي وبالتالي تمكنهم من خلال الخبرات المكتبسة في هذا المجال من الترشح في المجلس النيابي وأداء دورهم بشكل أفضل, ومن هنا لابد أن تكفل الدولة الضمانات الفعلية لعدم سوء استخدام هذه المادة للتحايل عليها, خاصة أن المجالس المحلية في الدستور الجديد ستكون لها مهام كبيرة ومختلفة. تصورات العمال محمد وهبة الله محمد الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال مصر ورئيس نقابة عمال التجارة, قال إن الدستور الجديد وضع مواد ممتازة لعمال مصر, وفي هذا الإطار هناك عدة قوانين عمالية نعكف عليها الآن من خلال اللجنة التشريعية باتحاد العمال علي ضوء ما ورد بمواد الدستور الجديد, مشيرا إلي أننا وضعنا تصورنا العمالي لتعديل هذه القوانين, ومن أهمها قانون العمل رقم12 الذي يجب تعديله فورا طبقا لما جاء بالدستور, وأيضا قانونا47 و48 اللذان مضي عليهما أكثر من30 سنة, وضرورة تعديل جدول الأجور فيهما, حيث ما زالت العلاوة التي تمنح للعاملينكما هي: من جنيه ونصف الجنيه إلي6 جنيهات وربع لوكيل أول الوزارة, وهذا لايتناسب مع المعيشة والتضخم, إضافة كذلك إلي تعديل قانون التأمينات الاجتماعية79 لسنة75 فيجب أن يتناسب تعديله مع غلاء المعيشة وأن يكون هناك حد أدني للمعاشات التي تصرف لضمان حياة كريمة للمواطن المصري, حيث إن العامل حين يخرج الي المعاش يحصل علي خمس ما كان يحصل عليه أثناء الخدمة, بينما يحتاج العاملون بعد المعاش إلي معاش علي المعاش ويحتاجون إلي رعاية أكثر عما كانوا يحتاجون إليه وهم في الخدمة. كما يطالب وهبة الله بقانون التأمين الصحي الشامل وتطويره بما يؤدي إلي تقديم خدمة صحية وعلاجية متميزة للعمال, وأن يشمل القانون الجديد جميع العمال بصفة خاصة والمواطنين بصفة عامة, وكذلك سرعة تطبيق الحدين الأدني والأقصي طبقا لما ورد بالدستور علي جميع العمال في مصر قطاعي الأعمال والقطاع الخاص, فهناك شريحة كبيرة جدا لن تستفيد من الحد الأدني للأجر خاصة العمال القدامي فيجب منحهم علاوات متدرجة, تتناسب مع الحد الأدني ال1200, مع ضرورة إعداد قانون جديد يسمح بصرف البدل النقدي لرصيد الإجازات المستحقة للعاملين عند خروجهم إلي المعاش أو الوفاة وذلك تجنبا لرفع قضايا في المحاكم التي غالبا ما تحكم لمصلحتهم.