لا إسلام ولا مصر بغير الأزهر قولة للدكتور عبدالجليل شلبي أحد كبار علماء الأزهر الراحلين. علي الرغم مما قد يبدو علي هذا الرأي من غرابة. إلا أنه لا يخلو من قدر كبير من الحقيقة والموضوعية, إذا فهمنا مقاصده في إطار, لا إسلام حقيقيا وسطيا معتدلا, ولا مصر رائدة دينية وقائدة فكرية وثقافية وعلمية بغير الأزهر. هذا الفهم بهذا الشكل أحسب أنه حقيقة أكدتها مسيرة الأزهر عبر ألف عام وأكثر.. حقيقة.. يمكن استيعابها إذا علمنا أن الأزهر كان ومازال محضنا حانيا لأعداد غفيرة من الدارسين من جميع أرجاء العالم وصلت إلي أكثر من100 ألف دارس من103 مائة وثلاثة دول من دول العالم هذا في جامعة الأزهر فقط, عدا دارسي معاهد البعوث الاسلامية المؤهلة للجامعة هذا العدد الكبير, بعد اتمام دراسته, يتحلي بهيبة العلماء ومقامهم الرفيع وقدرهم العالي, مما يجعل لهم مكانا مرموقا وكلمة مسموعة في بلادهم, هؤلاء تظل قلوبهم تنبض بحب مصر, وأزهرها وقدرها وعلمائها, فضلا عن ذكرياتهم فيها, خاصة إذا أضفنا أن أكثرهم يدرسون علي نفقة الدولة المصرية المعطاءة, فضلا عن هذا فإن هؤلاء الخريجين يظل عقدهم قويا متماسكا بفضل رابطة خريجي الأزهر, التي تؤدي دورا كبيرا في تواصل هذه الأعداد الكبيرة عبر السنين الطويلة الماضية تواصلا علميا واجتماعيا وثقافيا وروحيا, من خلال ملتقيات ومؤتمرات وندوات ولقاءات أسرية تزيد من الترابط القلبي فضلا عن العلمي.. كل هذه الخلية بهذا النشاط الدءوب تسير وتتحرك في فلك الملكة مصر.. أي ريادة بعد هذا؟! وأي قدر يمكن أن تحققه مصر أكثر وأوسع من هذا؟ لقد كان الأزهر, ومازال وعلي مدي قرون طويلة يمثل القوة الفاعلة الناعمة في تحقيق الريادة المصرية, بأقل كلفة وأعظم عطاء.. في أي دولة مسلمة وفي أي مكان علي وجه الأرض يعيش عليه مسلمون تجد الازهر بقدره وبعلمه واعتداله ووسطيته, وبمقامه وهيبته, ونفوذه تجده حاميا للتراث الاسلامي, وملاذا للغة العربية والعقيدة الاسلامية السمحاء, تجد الأزهر في مواجهة التطرف والغلو, وفي مواجهة الغزو الثقافي ومحاولات التغريب المدمرة. هذا الدور وهذه المؤهلات وغيرها لها من القوة والرقي ما يجعلها فاعلة في تحقيق الريادة المصرية باقتدار. إن شيوخ الازهر وعلماءه كانوا ومازالوا يستقبلون في دول الشرق الأقصي, ماليزيا واندونيسيا والهند وغيرها استقبالا شعبيا أسطوريا حيث تتجمع الآلاف المؤلفة, ويتسابق الجميع لنيل الشرف بالمصافحة أو الرؤية أو المشاركة بأي صورة.. هذا النهر المتدفق من الحب, ما كان ليحدث لولا عطاء مصر الأزهر, واحتضانها لأبناء تلك الدول, والعمل علي تأهيلهم وتربيتهم, ليسهموا بدورهم في إصلاح بلادهم وتقدمها ونهضتها علي اسس من الاعتدال والوسطية.. كل هذا كان يحدث ومازال إلي حد ما في هدوء لأن مقصد هذا العمل الكبير هو الدعوة إلي الله علي بصيرة وعلم وحكمة وتلك هي رسالة الأزهر الأولي, والتي نرجو أن تستمر ليرتقي الأزهر من جديد ويتعافي من بعض ما ألم به من ضعف وتراجع يقر به المسئولون فيه ويعزونه إلي التراجع العام. إن النتائج التي حققها الأزهر علي مسيرة ريادة مصر عبر قرون طويلة يهون أمامها أي دعم لهذا الصرح العظيم حتي تستعيد مصر مكانتها المرموقة علي مستوي العالم. أحسب أني لا أبالغ إذا قلت علي مستوي العالم, لأن الازهر من الممكن أن يؤدي الدور الأساس في تقديم وتصويب الصورة الحقيقية والسمحاء للمسلم وللاسلام وخاصة بعد ما لعبت جهات عديدة مسلمة وغير مسلمة في تشويهها وإظهارها في هيئات أبعد ما تكون عن جوهر الإسلام, هيئات من الغلظة والعنف والتشدد والنشوز والتخلف.. والمسلم من كل هذا بريء.. إن من أولويات المرحلة المعاصرة الحوار مع الغرب, والتخاطب مع الآخر ولعل مما يبشر أن فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الجديد يتقن لغة اللسان ولغة الكلام حيث يجيد الفرنسية وغيرها كما يجيد لغة الحوار مع الآخر. إن المرحلة تتطلب الحوار المبني علي الحجة والسماحة والموضوعية في إطار إدع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن. الحوار المبني علي الثوابت والعزة وكرامة المسلم, بهذا وغيره يمكن أن يؤدي الأزهر دورا راقيا في تحقيق الريادة العالمية لمصر. إن الإنسانية تئن من أمراض التوحش المادي وآلامها من القلق والاضطراب والبحث عن الحقيقة ويمكن للأزهر أن يقدم العلاج في سماحة ويسر, ملفات عديدة وضخمة تنتظر شيخ الأزهر الجديد, إصلاح التعليم الأزهري وتطويره, والتقريب بين المذاهب وخاصة السنة والشيعة, وإن دعا الأمر إلي مواجهة الشيعة والحد من تمددها وتوسعاتها وتجاوزاتها ثم ملف الحوار مع الغرب, ثم مناصرة وحماية الاقصي وأهله ملفات عديدة أخري نحسب الدكتور الطيب أهلا لفتحها.. إن تاريخ الأزهر في تحقيق ريادة مصر قد تحقق عبر قرون عديدة علي يد علماء ومشايخ كبار سطرهم التاريخ بمداد من ذهب مثل عز الدين بن عبدالسلام في مواجهة التتار وعمر مكرم في مواجهة طغيان المماليك ثم رفاعة الطهطاوي في معركة الثقافة العربية والاسلامية ثم محمد عبده في تجديد الأزهر. علي مسيرة هؤلاء وأمثالهم يكون الطريق وتكون النهضة ويكون دور الازهر في حماية الاسلام وفي ريادة مصر.